تحذير أممي.. أفغانستان على حافة المجاعة ونقص التمويل يهدد ملايين الأسر
تحذير أممي.. أفغانستان على حافة المجاعة ونقص التمويل يهدد ملايين الأسر
أطلق برنامج الأغذية العالمي تحذيرًا جديدًا من أن الجوع قد اجتاح أفغانستان، في وقتٍ يعاني فيه البلد من أزمات متراكمة أضعفت اقتصاده وأرهقت سكانه، ليجد ملايين الأفغان أنفسهم اليوم في مواجهة خطر المجاعة بعد سنوات من الصراعات والجفاف والعزلة الدولية.
وأكد البرنامج الأممي في بيانٍ صدر يوم الجمعة، أوردته شبكة "أفغانستان إنترناشيونال" أن واحدًا من بين كل خمسة أفغان يعاني حاليًا من الجوع، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية التي تضرب البلاد منذ عقود.
وجاء البيان بمناسبة الذكرى الثمانين لتأسيس الأمم المتحدة، ليؤكد أن المنظمة الأممية وقفت إلى جانب الشعب الأفغاني على مدى ما يقرب من ستة عقود، وأسهمت خلال هذه الفترة في تأمين الغذاء وتحسين سبل المعيشة وتعزيز فرص الاكتفاء الذاتي، غير أن السنوات الأخيرة، كما يقول البرنامج، شهدت انتكاسة قاسية في هذه الجهود نتيجة الظروف الاقتصادية والسياسية المتدهورة.
نداء استغاثة من قلب الأزمة
في رسالة موجهة إلى الدول المانحة، ناشد برنامج الأغذية العالمي المجتمع الدولي لزيادة الدعم المخصص لأفغانستان، مؤكدًا أن "دعمكم يبقي هذا الشريان الحيوي حيًا"، في إشارة إلى الدور الحيوي الذي تؤديه المساعدات الغذائية في منع انهيار الوضع الإنساني، وأوضح البيان أن نقص التمويل يهدد بوقف عمليات الإغاثة في عدد من المناطق النائية، حيث يعتمد ملايين الأطفال والنساء على المساعدات الشهرية لتأمين احتياجاتهم الأساسية من الغذاء.
وكان البرنامج قد حذر في وقت سابق من الأسبوع نفسه، يوم العشرين من أكتوبر، من أن سوء التغذية في أفغانستان يتفاقم بوتيرة سريعة، وأن قدرته على الوصول إلى جميع المحتاجين تراجعت بشكل حاد بسبب نقص الموارد، وأضاف أن المنظمة لا تستطيع اليوم إلا تلبية جزء صغير من الاحتياجات الهائلة، ما يترك ملايين العائلات عرضة لخطر الجوع الحاد، خاصة في المناطق الريفية والمرتفعات التي يصعب الوصول إليها.
ويرى خبراء الأمم المتحدة أن أزمة الجوع في أفغانستان ليست طارئة، بل هي نتيجة تراكم طويل لعوامل متشابكة. فبعد أكثر من أربعة عقود من النزاعات المسلحة التي أضعفت البنية التحتية ودمرت الاقتصاد، جاءت موجات الجفاف المتكررة لتزيد من مأساة المزارعين الذين يشكلون غالبية سكان البلاد، كما أدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية عالميًا، وضعف القدرة الشرائية، إلى تآكل ما تبقى من أمن غذائي لدى الأسر الأفغانية.
ويشير التقرير إلى أن محدودية الوصول إلى المياه وندرة الأراضي الزراعية الخصبة أسهمت في تفاقم الأزمة، وما تزال النساء والأطفال يتحملون العبء الأكبر من الجوع وسوء التغذية، وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن ما يقرب من ثلاثة ملايين طفل أفغاني يعانون سوء تغذية حاد، في حين تواجه مئات الآلاف من النساء الحوامل والمرضعات خطر النقص الحاد في العناصر الغذائية الأساسية.
التمويل في أدنى مستوياته
في شهر يونيو الماضي، أعلن برنامج الأغذية العالمي أنه بحاجة إلى 555 مليون دولار لدعم الأسر الأفغانية الأكثر ضعفًا حتى نهاية العام الجاري، إلا أن الإسهامات الدولية لم تتجاوز نصف هذا المبلغ حتى الآن، وأوضح البرنامج أن نقص التمويل اضطره إلى تقليص حجم المساعدات الغذائية الشهرية، ما يعني أن مئات الآلاف من العائلات ستُحرم من حصصها خلال أشهر الشتاء القاسية المقبلة.
وقالت ماري إيلين ماكغرورتي، المديرة الإقليمية للبرنامج في آسيا الوسطى، إن "الوضع في أفغانستان ينذر بكارثة إنسانية حقيقية"، مضيفة أن "النساء والأطفال يدفعون الثمن الأكبر، إذ ينام الملايين جياعًا كل ليلة"، وأكدت أن البرنامج "يعمل في ظروف صعبة للغاية، حيث تتقاطع التحديات اللوجستية مع الأوضاع الأمنية، لكن أكبر خطر يواجهنا اليوم هو انقطاع التمويل".
ويعيش نحو 23 مليون أفغاني، أي أكثر من نصف عدد السكان، في مستويات مختلفة من انعدام الأمن الغذائي، وفق تقديرات الأمم المتحدة، ويعتمد ما لا يقل عن 15 مليون شخص على المساعدات الغذائية المباشرة لتأمين لقمة العيش، ويعاني السكان من انهيار منظومة الخدمات العامة، وارتفاع معدلات البطالة، وتراجع التحويلات الخارجية التي كانت تمثل مصدر دعم رئيسياً للعائلات.
ويرى خبراء اقتصاديون أن عزلة النظام الحاكم وقيود المجتمع الدولي على تحويل الأموال والمساعدات المباشرة للحكومة، أدت إلى شلل اقتصادي شبه كامل، ومع غياب الاستثمار الخارجي وتوقف معظم المشاريع التنموية، وجد ملايين الأفغان أنفسهم بلا دخل ولا عمل ولا غذاء.
الأبعاد الإنسانية والسياسية
تحولت أزمة الجوع في أفغانستان إلى اختبار حقيقي للضمير الدولي. فبينما تتحدث الأمم المتحدة عن مسؤولية جماعية لإنقاذ الملايين من المجاعة، يشير مراقبون إلى أن تسييس المساعدات واشتراطات التعامل مع السلطات المحلية يعرقلان وصول الدعم إلى المستحقين، وتؤكد منظمات إنسانية أن العاملين الميدانيين يواجهون صعوبات متزايدة في تأمين مرور القوافل الإنسانية إلى المناطق النائية، في ظل غياب ضمانات أمنية كافية.
وحذر مجلس اللاجئين النرويجي في بيان صدر الشهر الماضي من أن "أفغانستان على وشك الانهيار الإنساني الكامل إذا لم يتم التحرك العاجل"، ودعا المجتمع الدولي إلى "الفصل بين القضايا السياسية والاعتبارات الإنسانية"، لضمان وصول المساعدات إلى من يحتاجها فعلاً دون تأخير.
وفي الذكرى الثمانين لتأسيس الأمم المتحدة، أعاد برنامج الأغذية العالمي التذكير بدوره الطويل في مساعدة الشعب الأفغاني منذ ستينيات القرن الماضي، حين بدأ بتوفير الدعم الغذائي في المناطق المتضررة من الجفاف والحروب، وأشار البيان إلى أن عقود التعاون السابقة ساعدت في تحسين الزراعة المحلية وتطوير مشاريع مجتمعية صغيرة لتعزيز الاكتفاء الذاتي، غير أن الأوضاع الراهنة تهدد بطمس كل ما تحقق خلال تلك العقود.
وأكد البرنامج أن التزامه تجاه أفغانستان سيظل قائمًا، لكنه لا يستطيع أن يواجه الأزمة بمفرده دون تضامن دولي فعلي، ودعا الدول المانحة إلى التحرك السريع قبل حلول الشتاء، حيث يُتوقع أن تتدهور الأوضاع المعيشية بشكل أكبر بسبب انخفاض درجات الحرارة وصعوبة الوصول إلى القرى الجبلية.
انقطاع التمويل والعزلة السياسية
بين الجفاف والنزاعات، بين انقطاع التمويل والعزلة السياسية، يجد الشعب الأفغاني نفسه في سباق مع الجوع، فالمشهد اليوم لا يقتصر على الإحصاءات الجافة، بل يمتد إلى مئات القرى التي تخلو موائدها من الخبز، وإلى أطفال ينامون بلا طعام، وأمهات يقايضن أثاث بيوتهن بكيلوغرام من الطحين.
ورغم الجهود المستمرة للمنظمات الإنسانية، تبقى الحاجة إلى حلّ شامل ومستدام أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، حلّ يربط بين الإغاثة العاجلة والتنمية طويلة الأمد، ويعيد للأفغان حقهم في الحياة الكريمة بعد عقود من المعاناة.
تعد أفغانستان واحدة من أكثر الدول هشاشة في العالم من حيث الأمن الغذائي. وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد انكمش بأكثر من 20 في المئة منذ عام 2021، في حين يعيش نحو 97 في المئة من السكان تحت خط الفقر، وتُعد الزراعة المصدر الرئيس للدخل لنحو 60 في المئة من السكان، لكنها تأثرت بشكل كبير بتغير المناخ وضعف البنية التحتية.
ويؤكد خبراء الأمم المتحدة أن الأزمة الإنسانية في أفغانستان هي واحدة من كبرى الأزمات الجارية في العالم اليوم، إلى جانب الأزمات في السودان واليمن وغزة، وأنها تتطلب استجابة عاجلة ومنسقة قبل أن تتحول إلى مجاعة واسعة النطاق يصعب احتواؤها لاحقًا.










