ملايين على شفا الجوع.. الأمم المتحدة تحذر من استمرار أزمة غذاء في اليمن
ملايين على شفا الجوع.. الأمم المتحدة تحذر من استمرار أزمة غذاء في اليمن
أعلنت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة أن أزمة انعدام الأمن الغذائي في اليمن ستستمر حتى نوفمبر المقبل على الأقل، مع توقعات بأن يواجه نصف السكان صعوبات حادّة في الوصول إلى الغذاء.
وفق تقرير نشرته شبكة "بوابتي" الإخبارية، اليوم الثلاثاء، قالت المنظمة، في نشرة الأسواق الخاصة بتوقعات الأمن الغذائي قصيرة الأجل، إن مؤشر التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي يُشير إلى أن أكثر من 18 مليون شخص -أي ما يقرب من نصف سكان البلاد- سيبقون يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد حتى فبراير 2026، على الرغم من توفر الغذاء بشكل عام، بسبب ضعف القدرة الشرائية وصعوبة الوصول إلى المواد الغذائية.
كما حذرت من أن المخاطر ستتصاعد بفعل الفيضانات والجفاف في بعض المناطق، إلى جانب تصاعد الصراع، وتعليق الدعم الإنساني، وانخفاض واردات الغذاء.
تراكم الأزمات
أزمة الغذاء في اليمن ليست مفاجئة، بل هي نتيجة تراكم الأزمات فمنذ اندلاع الحرب في 2015، تآكَل الاقتصاد بشكل متواصل، حيث قُسِّم الإنتاج، وتقلصت فرص العمل والدخل، وانهارت المشاريع الاقتصادية المحلية بشكل كبير.
إلى ذلك، تأتي القيود المفروضة على دخول المواد الغذائية، وارتفاع أسعار الوقود والنقل، واضطراب سلاسل الإمداد الدولي، لتزيد من أعباء الحصول على الغذاء خاصة في المناطق النائية أو التي تشهد نزاعًا نشطًا.
أما التغير المناخي، فلعب دوره في إضعاف المحاصيل الزراعية، وزيادة موجات الجفاف والفيضانات التي دمرت الأمطار المحصودة في بعض المحافظات، الأمر الذي قلّص الإنتاج المحلي وزاد اعتماد الأسر على الأسواق المكلّفة.
وقد لاحظت الأمم المتحدة أن الواردات الغذائية في اليمن انخفضت في السنوات الأخيرة، مما جعل الأمن الغذائي يعتمد بصورة متزايدة على المساعدات الإنسانية، التي بدورها تأثرت بانخفاض التمويل والتعطّل الأمني.
تداعيات إنسانية
هذا السيناريو لا يبقى في الأوراق الدولية، بل يُترجَم في مآسي يومية في البيوت والمستشفيات والمدارس، وتواجه ملايين الأسر اليمنية تواجه خيارين: إما خفض عدد الوجبات أو نوعيتها، أو اللجوء إلى استدانة أو بيع ما تبقى لديها من ممتلكات.
الأطفال هم أكثر من يدفع الثمن، حيث إن سوء التغذية الحاد يهدد حياتهم وتطورهم البدني والعقلي، وفي بعض المناطق، تُسجَّل حالات جوع كارثية تصل إلى مرحلة الجوع المتطرف (Phase 5) في التصنيف المرحلي، وفق تنبّؤات إن وجدت مثل تلك الجيوب الساخنة في بعض المحافظات.
كما أن انعدام الأمن الغذائي يفاقم النزوح الداخلي، إذ يضطر بعض السكان إلى مغادرة قراهم بحثًا عن مناطق أكثر أمنًا غذائيًا، ما يزيد من الضغط على المناطق المضيفة ويؤدي إلى توترات اجتماعية.
كما أن توقف المدارس عن تقديم وجبات غذائية في بعض المناطق يعني أن الطلاب الذين يعتمدون على هذه الوجبة قد يتعرضون لساعات طويلة بدون طعام، مما يؤثر على تركيزهم وصحتهم العامة.
إحصاءات حديثة تنذر بالخطر
بيانات منظمة الأغذية والزراعة تُشير إلى أن اليمن يواجه مستوى حادًّا من انعدام الأمن الغذائي، إذ إن أكثر من 17 مليون شخص يُصنَّفون ضمن فئات الأزمات أو أسوأ (IPC Phase 3 أو أعلى) بين مايو وأغسطس 2025، منهم 5.2 مليون في حالة طارئة.
كما أنه من المُتوقَّع أن يرتفع عدد المتأزمين ليبلغ حوالي 18.1 مليون بين سبتمبر 2025 وفبراير 2026، أي ما يعادل نحو نصف السكان.
في المناطق التي يسيطر عليها الحكومة، يُقدَّر أن نحو 4.95 مليون شخص يواجهون حالة أزمة أو أسوأ، بينهم 1.5 مليون في حالة طارئة، وفي إقليم الجنوب تحديدًا، ورد أن نصف السكان تقريبًا يعيشون في انعدام غذائي حاد.
من جهة أخرى، يُشير برنامج الغذاء العالمي إلى أن اليمن الآن من أكثر الأزمات الإنسانية إلحاحًا في العالم، إذ إن حوالي 19.5 مليون شخص -بمن فيهم نحو 15 مليون امرأة وطفل- يواجهون ظروف انعدام أمن غذائي متفاقمة، كما حذرت منظمة الأغذية والزراعة والمنظمات التابعة من أن بعض المناطق قد تشهد مستوى “كارثيا” (Phase 5) من الجوع إذا لم تتوفّر مساعدات مستدامة عاجلة.
ردود الأفعال الحقوقية
وسط هذا الإنذار الأممي، ارتفعت الأصوات الحقوقية والدولية مطالبة بتحرك عاجل، حيث أكدت منظمة العفو الدولية أن ما يحدث في اليمن هو “جوع صُنْع بشري” يتطلب مساءلة، ودعت إلى فتح ممرات إنسانية حقيقية لضمان وصول الغذاء دون عوائق.
هيومن رايتس ووتش طالبت مجلس الأمن بحماية المدنيين من الجوع ووقف استخدام الانتهاكات كأداة حرب، معتبرة أن حرمان السكان من الغذاء يعادل عقابًا جماعيًا ممنوعًا بموجب القانون الدولي.
في الأوساط اليمنية، ناشدت منظمات مثل اتحاد المرأة اليمنية ومؤسسات مجتمع مدني محلية بوقف النزول التغذوي والدعم العاجل للفئات الأشد ضعفًا، بما في ذلك أطفال المدارس والمسنين والنازحين، خصوصًا في المحافظات المتضررة كتعز والحديدة والمناطق الداخلية.
في الهيئات الأممية، دعا مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إلى ضخ التمويل اللازم لدعم برامج الغذاء والإنماء، محذراً من أن تغطية الاحتياجات الإنسانية في اليمن هي الأضعف منذ عقد من الزمان، مع تراجع حاد في تمويل المساعدات الغذائية.
وشددت مفوضية حقوق الإنسان على أن الحق في الغذاء يُعد حقاً من حقوق الإنسان الأساسية، وأن الدولة الفاعلة في النزاع ملزمة وفق القانون الدولي بضمان وصول المساعدات وعدم استخدام الحصار لمنع استقبال الغذاء.
مأساة متكررة
ليست أزمة الغذاء في اليمن جديدة، بل إن الحرب الممتدة منذ عام 2015 كانت شرارة لتفجير أزمة تتراكب مع هشاشة ما قبل النزاع، وقبل الحرب، كان اليمن يعتمد بشكل كبير على استيراد الغذاء والوقود، مما جعله عرضة للاختلالات الخارجية.
ومع تدخلات عسكرية متكررة، وتقسيم البلاد إلى مناطق سيطرة، وافتراق إداري واقتصادي، انهار الإنتاج المحلي والزراعي، وتراجعت البنى التحتية، ما جعل البلاد أكثر اعتماداً على المساعدات الخارجية.
خلال العقد الماضي، كانت مؤشرات الجوع والهشاشة تتزايد بشكل مطرد، لكن ما يُعلن اليوم هو ذروة هذه المسارات، ذروة تجلّت في أرقام مخيفة تُنذر بأن نصف السكان قد يمضون أشهراً دون طعام كافٍ.
نحو خطة إنقاذ لا تنتظر
تؤكد المنظمات الأممية والحقوقية أن بقاء الأزمة على حالها يعني مزيدًا من الوفيات والإصابات الناتجة عن نقص التغذية الحادة، خصوصاً بين الأطفال والنساء الحوامل وكبار السن، ولذلك، يجب أن تشمل الاستجابة ضمان ممرات إنسانية مفتوحة لإدخال الغذاء والمستلزمات بالاعتماد على ضمانات حماية، وترميم البنى التحتية للزراعة والمياه والدعم الزراعي في المناطق التي لا تشهد اشتباكات، لتعزيز الإنتاج الذاتي وتقليل الاعتماد الكلي على المساعدات، ورفع تمويل الاستجابة الإنسانية بشكل سريع ومستدام، مع التركيز على توزيع نقدي وعيني للفئات الأكثر تضرّراً.
وكذلك آليات شفافة لمراقبة التوزيع ومنع الفساد والتسرب، انطلاقاً من مبادئ حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، إضافة إلى التنسيق بين المنظمات الدولية والمحلية والحكومات المعترف بها لضمان الاستمرارية والتفاف الدعم حول الاحتياجات الفعلية.











