احتجاجات "كوب30".. الشعوب الأصلية تعيد صياغة مشهد العدالة المناخية عالمياً

عودة الأصوات إلى الشارع

احتجاجات "كوب30".. الشعوب الأصلية تعيد صياغة مشهد العدالة المناخية عالمياً
جانب من التظاهرات

تدفّق آلاف السكان الأصليين والناشطين البيئيين إلى شوارع بيليم في البرازيل يوم السبت، مُحيين أول احتجاج كبير خارج مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ منذ أربع سنوات، حيث تسبّب المشهد في توقف حركة المرور حول مقر انعقاد قمة COP30، في حين تحدّى المتظاهرون من جميع أنحاء العالم الحرارة الاستوائية للمطالبة بتكثيف جهود مكافحة تغيّر المناخ وحماية الطبيعة.

برزت مشاركة السكان الأصليين من الأمازون بوضوح في المسيرة، إذ رفع أفراد مجتمعاتهم لافتات تُندد بتلوث المياه وقطع الأشجار وخطط التنقيب عن النفط، صرّح عضو شعب شيكرين، "القيادي المحلي" تاكاك شيكرين، بقوله: "لأول مرة في فعالية لمؤتمر الأطراف، نحتل نحن السكان الأصليين هذه المساحة ونتحدث باسم أنفسنا"،مشيراً إلى أن معرفة السكان الأصليين "أساسية لحماية الأمازون"، مُضيفًا: "إذا لم يحمِ السكان الأصليون الأمازون، فسيعاني العالم من الانهيار"، وفقاً لصحيفة "بوليتيكو" الأمريكية.

نقلت وسائل إعلام محلية عن الشرطة مشاركة 20 ألف شخص في الاحتجاج، في حين شهدت أجواء المسيرة حضورًا واسعًا لرايات وأقمصة تمثل المجموعات الشبابية والنسائية والعمالية والبيئية، تزامنت المسيرة مع احتجاجين سابقين هذا الأسبوع عطّلا مدخل المؤتمر، أحدهما يوم الثلاثاء حين اقتحم ناشطون شباب ومتظاهرون من السكان الأصليين مقر المؤتمر واشتبكوا مع أمن الأمم المتحدة، تلاه احتجاج سلمي آخر يوم الجمعة أدّى إلى إغلاق المدخل لساعات.

صوت السكان الأصليين

ميّزت هذه الاحتجاجات مؤتمر بيليم عن مؤتمرات القمم السابقة، إذ أتاحت البرازيل الديمقراطية مساحة كبرى للتظاهر، في حين حدَّدت الدول المستضيفة سابقًا إطارًا يقيد الحراك الشعبي، استرجع المتظاهرون ذكرى آخر مسيرة كبيرة في غلاسكو عام 2021 خلال الجائحة، وقمة مدريد 2019.

كما نقلت "بوليتيكو" عن الناشطة النيبالية، "عضو جماعة موغوم" بيما وانغمو لاما، البالغة من العمر 26 عامًا، أهمية هذا الانفتاح، قائلة: "لقد قيدت مؤتمرات الأطراف السابقة أصوات الناس..من المهم أن يكون لدى مؤتمر الأطراف شوارع مفتوحة للتظاهر". أوضحت وانغمو لاما أن السكان الأصليين "كانوا صريحين للغاية بشأن ما واجهوه ومجتمعهم نتيجة لتغير المناخ والتدهور البيئي".

ركّزت حكومة البرازيل خلال مؤتمر الأطراف الثلاثين على دور الشعوب الأصلية في مكافحة الاحتباس الحراري وحماية الأمازون التي تُعد عنصرًا حاسمًا في تنظيم مناخ العالم، واجهت الحكومة كذلك ضغوطًا من الأمم المتحدة بسبب الاحتجاجات التي عطلت الوصول إلى المناطق، واستقبلت شكاوى حول استضافة القمة في بيليم التي تُعاني من نقص الفنادق وارتفاع تكاليف الإقامة.

صرّحت الرئيسة التنفيذية لمؤتمر كوب 30، آنا توني، في مؤتمر صحفي، أن القمة تضم أكثر من 900 مشارك من السكان الأصليين، مقارنة بـ300 مشارك فقط في اجتماع العام الماضي في أذربيجان.

و أكدت توني أن اختيار بيليم كان لإتاحة صوت أكبر للسكان الأصليين، قائلة: "لو عقدنا المؤتمر في ساو باولو أو ريو أو برازيليا، لم نكن لنرى هذا العدد الكبير من السكان الأصليين. لم يكونوا ليُسمع صوتهم".

ازدحمت شوارع بيليم يوم السبت بأغانٍ برازيلية كلاسيكية وهتافات السكان الأصليين ودعوات العدالة البيئية، وبحسب "الغارديان" شاركت عشرات الآلاف في "المسيرة الشعبية العظيمة" التي جاءت في منتصف الطريق من المفاوضات، بعد احتجاجين سابقين هذا الأسبوع قادهما نشطاء من تاباجوس.

اصطفّت مجموعات كبيرة من السكان الأصليين تحت كرة أرضية ضخمة قابلة للنفخ، كثير منهم يرتدون طلاء الوجه وأغطية الرؤوس المزينة بالريش.

سافرت الناشطة راكيل وابيشانا تسع ساعات من رورايما للمشاركة، حاملة لافتة "لنناضل"، صرّحت وابيشانا: "أنا هنا من أجل شعبي، وأرضي، وأنهارنا، وأجدادنا. نحن مهددون باستمرار من قِبل التعدين والأعمال التجارية الزراعية وغزو الأراضي، يجب أن نناضل من أجل بقائنا".

شهدت المسيرة واحدًا من أكثر مشاهدها غرابة: "جنازة الوقود الأحفوري"، قاد اثنا عشر "مشيعًا" يرتدون ملابس سوداء دميتين كبيرتين على شكل غول وثلاثة توابيت مكتوب عليها "فحم" و"نفط" و"غاز".

قدّمت "الممثلة البرازيلية" كريشنا نفسها بوصفها شخصية من قصة رعب فيكتورية، مرتدية حجابًا أسود من الدانتيل ومظلة، مؤكدة: "حياتنا تعتمد على التخلص من الوقود الأحفوري.. أطفالنا ومستقبلنا يعتمدان على نضالنا.. من خلال فني، أنا هنا لأناضل".

انتشرت المناطق المناهضة للرأسمالية في المسيرة، يُحيط بعضها بلافتات مثل: "الانهيار البيئي رأسمالي: لولا، انتقال الطاقة مع نفط الأمازون مهزلة"، صدحت شاحنة صوتية بالنشيد الاشتراكي "بيلا تشاو"، شاركت ماريا ميليا من حركة كويلومبولا، مؤكدة أنها تناضل من أجل الأمازون وضد مشروع "هيدروفيا" لنقل المياه الذي يخترق أراضي مجتمعها.

ورفع بعض المتظاهرين صورًا كبيرة لحيوان الكابيبارا، وقال "الناشط" فابريسيو للغارديان: "جئنا إلى المسيرة لنقول إن الحيوانات بحاجة إلى الحماية أيضًا"، وأضاف أن على المفاوضين التفكير في حماية التنوع البيولوجي، انتشرت أيضًا رايات الدعم لفلسطين وأعلامها وهتافاتها، في حين صدحت الأغاني البرازيلية الكلاسيكية، خصوصًا أغنية "أنونسياساو" الشهيرة.

أزياء النضال

ارتدى المتظاهرون في بيليم أزياء متنوعة حملت رسائل رمزية قوية، بحسب "واشنطن بوست" ظهر البعض بفساتين سوداء "رثاءً للوقود الأحفوري"، في حين ارتدى المئات قمصانًا حمراء ترمز لدماء زملائهم الذين يناضلون من أجل حماية البيئة، لوّح آخرون بأعلام ضخمة ورفعوا لافتات أثناء مشاركتهم فيما يُعد "أكبر يوم احتجاج في منتصف محادثات الأمم المتحدة".

قادت "الناشطة من شعب الكيتشوا" ماريسول غارسيا إحدى المجموعات، مؤكدة أن المتظاهرين يضغطون على قادة العالم لاتخاذ "قرارات أكثر إنسانية"، سار المتظاهرون نحو 4 كيلومترات قرب المكان الرئيسي للمحادثات، والذي شهد تعطيلاً سابقًا هذا الأسبوع خلال احتجاجين أصيب خلال أحدهما اثنان من حراس الأمن بجروح طفيفة.

واستمرّت جلسات التفاوض داخل مؤتمر المناخ بالتزامن مع المظاهرات، منها محادثات حول 300 مليار دولار من المساعدات المناخية السنوية التي وافقت الدول الغنية على منحها للدول الفقيرة العام الماضي.

و عبّر المتظاهرون عن تقديرهم لحرية التظاهر في بيليم مقارنة بالدول الاستبدادية التي استضافت الاجتماعات السابقة.

وصفَت "قائدة الشباب" آنا هيلويزا ألفيس، البالغة من العمر 27 عامًا، المسيرة بأنها "أكبر مسيرة مناخية شاركت فيها"، وقالت: "هذا أمر لا يصدق.. لا يمكن تجاهل كل هؤلاء الناس"، شاركت ألفيس للدفاع عن نهر تاباجوس، وحملت لافتة كتب عليها "النهر للشعب".

وتقدّم "منسّق حركة عمال الريف" بابلو نيري برأي يؤكد ضرورة إشراك أوسع للناس في المحادثات، معتبرًا أن الحركة المناخية تتجه نحو المشاركة الشعبية، جسّد متظاهر آخر، فلافيو بينتو، احتجاجًا ضد الولايات المتحدة، مرتديًا بدلة بنية وقبعة عليها العلم الأمريكي، ومستخدمًا أوراقًا نقدية مزيفة تحمل وجه ترامب.

سارت "المنسقة الإقليمية لحركة كاسري جوز الهند" فيتوريا بالبينا مع مجموعة من النساء، مطالبات بزيادة الوصول إلى أشجار نخيل باباجو التي تُعد مصدر رزق ومكوّنًا ثقافيًا أساسيًا، أوضحت بالبينا أن المسيرة ليست فقط للنضال البيئي بل هي أيضًا "أسلوب حياة".

اصطفت الأعلام الحمراء والبيضاء والخضراء في حين صعد المتظاهرون التل، وتابع السكان المشهد من الأرصفة ومن نوافذ المتاجر، ووصف رجل مارّ يحمل أكياس بقالة المشهد بقوله: "جميل".

تستمرّ محادثات المناخ حتى يوم الجمعة، في حين يتوقّع محللون وبعض المشاركين عدم خروجها باتفاقيات كبرى، لكنهم يأملون في تحقيق تقدم بشأن وعود سابقة، خصوصًا التمويل المخصص للدول الفقيرة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية