حنان البرغوثي.. أسيرة فلسطينية ستينية لم ترحمها آلة القمع الإسرائيلية
حنان البرغوثي.. أسيرة فلسطينية ستينية لم ترحمها آلة القمع الإسرائيلية
حنان البرغوثي، اسم آخر يضاف إلى قائمة امتد فيها الانتظار والوجع والعودة المتكررة إلى السجن، هي امرأة في الستين من عمرها تقف اليوم في قلب دائرة القمع داخل سجن الدامون الإسرائيلي، وتواجه أقسى أشكال التنكيل الممنهج الذي حذرت منه المؤسسات الحقوقية مرارا، ومع كل التفاصيل التي تخرج من خلف الأسوار، تبدو قصة حنان أكبر من مجرّد معلومات متفرقة، هي رواية عن امرأة تتقدم في العمر بينما تبقى السلطات الإسرائيلية مصرة على كسر إرادتها، وعن مجتمع فلسطيني اعتاد أن يرى أبناءه وأسراه بين الغياب والاعتقال وسنوات الخسارة الصامتة.
سجن الدامون وصورة قمع يومي
بحسب مكتب إعلام الأسرى، تعيش حنان البرغوثي اليوم ظروفا توصف بأنها في أسوأ مراحلها، الأسيرة الستينية التي أعيد اعتقالها مؤخرا تتعرض لإجراءات قمعية متصاعدة تشمل التجويع والمنع من التواصل والتكبيل المستمر واقتحام الغرف على نحو متكرر، وتؤكد شهادات المكتب، وفق ما أوردته وكالة وطن للأنباء الثلاثاء، أن السجن لم يعد مجرد مكان لاحتجاز النساء بل يتحول إلى مساحة يومية للإهانة القصوى، إذ تتعمد إدارة سجن الدامون شتم الأسيرات بألفاظ جارحة بشكل يومي، وتمنع أي تواصل بين الغرف، بل إن أي محاولة لنداء أو تبادل كلمات بين الأسيرات تتحول إلى سبب جاهز للعقاب.
عمليات القمع الأخيرة وثّقت ثلاثة اقتحامات كبيرة شهدها القسم، كان أبرزها اقتحام غرفة رقم عشرة في الثالث عشر من أكتوبر، ثم اقتحام غرفتين في الخامس والسابع من الشهر نفسه، والاقتحامات لم تكن مجرد بحث أو تفتيش بل أعقبتها عمليات تنكيل واسعة تقول عنها المنظمات الحقوقية إنها تهدف إلى كسر الروح المعنوية للأسيرات وإشعارهن بالعجز الكامل داخل المكان.
واحدة من أكثر الممارسات فظاعة هي إجبار الأسيرات على الجلوس على الأرض خلال عدد المغرب، بينما يفرض عليهن الركوع وتوجيه وجوههن نحو الحائط في عدد منتصف النهار، وهذه التفاصيل الصغيرة في ظاهرها تشكل في حقيقتها السلاح الأكثر استخداما من قبل السجان، فالإهانة المتعمدة تصبح جزءا من برنامج يومي يهدف إلى سحق الكرامة الإنسانية، ويضاعف من الضغط النفسي على النساء الأسيرات، لا سيما اللاتي يواجهن تدهورا صحيا أو يتقدم بهن العمر مثل حنان البرغوثي.
تجربة اعتقال ثالثة ودوامة لا تنتهي
قصة اعتقال حنان ليست جديدة، فهذه هي المرة الثالثة التي تُقتاد فيها إلى السجن، تنتمي المرأة إلى جيل عاش فترات السجون والاجتياحات وشهد عقودا من المواجهة مع الاحتلال، اعتقلت للمرة الأولى في سبتمبر عام 2023 وخرجت بعد شهرين بموجب صفقة حررت عددا من الأسرى، لم تكد تستعيد حياتها حتى أعيد اعتقالها في مارس 2024 بشكل إداري استمر تسعة أشهر كاملة قبل الإفراج عنها في ديسمبر من العام نفسه، وبعد أشهر قليلة فقط، وتحديدا في نهاية سبتمبر 2025، عادت القوات الإسرائيلية لتداهم منزلها وتعتقلها مجددا.
اليوم تجد حنان نفسها أمام اعتقال إداري جديد بعد تحويل ملفها إلى هذا النوع من الاعتقال، ليصدر بحقها أمر إداري مدته ثلاثة أشهر يضاف إليه نحو ثلاثة أسابيع إضافية، ويتيح الاعتقال الإداري الذي انتقدته المنظمات الدولية مرارا للسلطات الإسرائيلية اعتقال الفلسطينيين دون تهمة ودون محاكمة وبناء على ملف سري لا يسمح للأسير أو محاميه بالاطلاع عليه، وهو نظام يرى فيه الفلسطينيون وسيلة واضحة لتمديد القهر دون سقف زمني.
حنان البرغوثي ودورها المجتمعي
ليست حنان مجرد رقم في قائمة اعتقال جديدة، بل ترتبط في الذاكرة الفلسطينية بدور اجتماعي وإنساني كبير، فهي شقيقة الشهيد أبو عاصف البرغوثي، إحدى الشخصيات التي تُجمع عليها الروايات الفلسطينية في ما يتعلق بالنضال والعمل المقاوم، كما أنها شقيقة الأسير المحرر نائل البرغوثي الذي يعد من أقدم الأسرى الفلسطينيين وأكثرهم ارتباطا برمزية السجن والمقاومة، وقد قدمت عائلة البرغوثي الكثير عبر العقود، ومن بين كل ذلك بقي دور حنان واضحا، فهي امرأة لم تكن خارج المشهد يوما، وكانت حاضرة في دعم عائلات الأسرى والشهداء، تتصدر الفعاليات الشعبية، وتحرص على رفع الصوت في كل ساحة تشهد اعتداء أو قرارا يمس الأسرى الفلسطينيين.
هذا الدور جعل اعتقالها المتكرر يحمل رسالة أبعد من مجرد استهداف فردي، فاعتقال ناشطة اجتماعية في الستين من عمرها يأتي ضمن سياسة يرى فيها الفلسطينيون رغبة إسرائيل في خنق كل صوت يرفع قضية الأسرى أو يتحدث عن حقوقهم، ومن خلال استهداف النساء الناشطات تحديدا، يُعاد إنتاج صورة القمع الذي يذهب أعمق من الحسابات الأمنية أو العسكرية.
الأسيرات وظروف التأثير النفسي
من بين النقاط التي تثير قلق العائلات والمنظمات الحقوقية هي ما يتركه القمع في سجون إسرائيل على النساء تحديدا، فالعزل والتفتيش القاسي والإهانة اللفظية تترك أخطر آثارها على الصحة النفسية، وفي حالة أسيرة بعمر حنان، تتضاعف هذه التأثيرات، فالضغط النفسي يمتد إلى الحرمان من التواصل والقلق على الأبناء والعائلة والوعي الدائم بأن العمر يمضي في غرف قاسية لا تحترم الإنسانية، وبعض الأسيرات يصفن التجربة بأنها امتحان طويل للصبر والروح، وبأن الخوف الحقيقي هو من أن يتحول القمع إلى جزء طبيعي من الحياة اليومية داخل السجن.
تؤكد المؤسسات المختصة بمتابعة الأسرى أن إعادة اعتقال حنان بعد الإفراج عنها في صفقة طوفان الأحرار يمثل خرقا واضحا لبنود الصفقة، وقد شهدت المرحلة التي تلت الصفقة عودة عدد من الأسيرات للتحقيق والاعتقال مجددا، ما أثار غضبا واسعا وأعاد النقاش حول جدوى الاتفاقيات مع السلطات الإسرائيلية التي تعود لتنقضها بعد شهور قليلة في ظل غياب أي جهة دولية تفرض التزاما حقيقيا على سلطاته.
عمر كامل خلف القضبان
لم تعد سنوات اعتقال حنان مجرد محطات زمنية منفصلة، بل باتت تجربة طويلة ومتكررة، تتخللها فترات قصيرة من الحرية تعود بعدها إلى القيد، ومع كل مرة، تتغير الظروف وتزداد شراسة السجان وتضيق الهوامش، لكن في المقابل، تكبر أيضا مساحة التضامن الشعبي معها في بلدتها كوبر وفي محيط رام الله وفي القرى المجاورة، فالمرأة التي اعتادت حضور خيم الاعتصام وبيوت العزاء لدى الأسرى والشهداء أصبحت هي نفسها محور حملات التضامن، وصوتا يطالب به أهالي قريتها في كل ساحة احتجاج.
قضية الأسيرات الفلسطينيات في السجون الإسرائيلية تعد واحدة من أكثر الملفات حساسية ضمن قضايا الأسرى، حيث تشير الإحصاءات الحقوقية إلى أن سجن الدامون هو المركز الرئيسي لاحتجاز النساء منذ سنوات، وتشير تقارير إلى أن الأسيرات يتعرضن لسلسلة من الانتهاكات تشمل العزل والتفتيش الجسدي القاسي والحرمان من الزيارات وسوء الرعاية الطبية، ويشكّل الاعتقال الإداري إحدى أبرز الإشكالات القانونية التي تواجه الفلسطينيين، إذ يسمح بتمديد الاعتقال دون توجيه تهمة ودون محاكمة، بناء على ملفات سرية.











