7 من كل 10 تحت خط الفقر.. شتاء جديد يقترب وأطفال أوكرانيا بلا مأوى ولا تعليم ولا أمان
7 من كل 10 تحت خط الفقر.. شتاء جديد يقترب وأطفال أوكرانيا بلا مأوى ولا تعليم ولا أمان
بعد ما يقرب من أربعة أعوام على اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، تكشف أحدث بيانات منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” عن صورة قاتمة لوضع الأطفال في البلاد، إذ يعيش 7 من بين كل 10 أطفال تحت خط الفقر، ويعكس هذا الرقم حجم الانهيار الاجتماعي الذي خلّفته الحرب، وعمق الأثر النفسي والمعيشي في الجيل الأصغر الذي وجد نفسه في قلب واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية قسوة منذ عقود.
ويشير المدير التنفيذي ليونيسف في ألمانيا، كريستيان شنايدر، عقب زيارته منطقة خاركيف شرقي أوكرانيا، إلى أن الأطفال هناك يفتقرون إلى أبسط مقومات الحياة اليومية، ويعيش نحو خمسة ملايين طفل من أصل سبعة ملايين ونصف ما زالوا داخل البلاد على مقربة من خطوط القتال، الأمر الذي يجعل حياتهم مرتبطة يومياً بصوت الانفجارات والخوف والتهديد المستمر وفق وكالة الأنباء الألمانية.
شتاء قارس بلا حماية
ومع اقتراب فصل الشتاء، تتضاعف المخاوف بشأن قدرة المدارس ورياض الأطفال على الاستمرار في تقديم خدماتها وسط موجات الانقطاع الكهربائي وضربات الطائرات المسيّرة. وتعمل يونيسف على تزويد المؤسسات التعليمية بمولدات كهرباء ودعم عمليات إصلاح النوافذ وعزل المباني لضمان توفير الدفء للأطفال في أيام البرد القاسية، وفي المناطق الأكثر قرباً من الجبهة، يجري إعداد ملاجئ داخل المدارس بحيث تصبح هذه المنشآت فضاءات آمنة للأطفال لعدة ساعات يومياً.
أطفال يعرفون الملاجئ أكثر مما يعرفون لعب الحدائق
يصف شنايدر مشاهداته في خاركيف فيقول إن بعض الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم أربع سنوات لم يعرفوا في حياتهم القصيرة سوى العيش في الملاجئ، هؤلاء الأطفال ينامون على وقع أصوات الصواريخ ويستيقظون على صفارات الإنذار، ما يجعل الخوف جزءاً ثابتاً من روتينهم اليومي. وتظهر على كثير منهم علامات صدمات مستمرة، تتجلى في صعوبات النوم والكوابيس والقلق الحاد.
ويواجه النظام التعليمي في أوكرانيا تحديات هائلة، إذ تسببت الغارات الجوية وانقطاع الكهرباء المتكرر في تعطيل الدروس وخلق فجوات تعليمية ضخمة. وتشير تقديرات يونيسف إلى أن المراهقين في سن الخامسة عشرة يعانون تأخراً تعليمياً يعادل عامين بسبب الانقطاع المتواصل وعدم انتظام العملية الدراسية.
الضغط النفسي يتصدّر المشهد
تؤكد فرق يونيسف الميدانية أن أكثر من ثمانين في المئة من الأطفال الصغار تظهر عليهم علامات ضغط نفسي كبير، تشمل التراجع في القدرات المعرفية وصعوبات الكلام واضطرابات السلوك، وتُعزى هذه الأعراض إلى التعرض المستمر لأجواء الحرب والتهجير وفقدان الروتين الطبيعي للطفولة. كما سجلت المنظمة تأخرًا في النمو لدى شريحة من الأطفال نتيجة الصدمات المتتابعة ونقص الاستقرار الأسري.
أما المراهقون، فيعاني ثلثهم من مشاعر حزن واكتئاب تعوق حياتهم اليومية. ويشير مختصون إلى أن هذا الجيل تحديدًا يواجه تحديات مضاعفة، إذ يعيش مرحلة عمرية حساسة تتطلب بيئة مستقرة وهو ما أصبح شبه مستحيل في ظل الظروف الحالية.
رياض أطفال مغلقة وحياة أسرية مرهقة
تشير بيانات يونيسف إلى أن نصف الأطفال في أوكرانيا لم يحصلوا على فرصة الالتحاق برياض الأطفال، إذ فقد كثير من المؤسسات التعليمية القدرة على استقبال الصغار بسبب الدمار أو غياب الملاجئ أو تهديدات القصف، ويعني ذلك أن الأطفال يفقدون فرصاً أساسية للتفاعل والتعلم، في حين تتحمل الأسر أعباءً مضاعفة في الرعاية اليومية في ظل ظروف اقتصادية ونفسية شديدة القسوة.
ويؤكد شنايدر أن كثيراً من الآباء والأمهات في المناطق القريبة من الجبهة مرهقون إلى حدّ يجعلهم غير قادرين على تلبية احتياجات أطفالهم النفسية، ويشير إلى أن توفير مدارس ورياض أطفال مجهزة بملاجئ يمنح الأهالي قدراً من الطمأنينة، إذ يسمح لهم بترك أطفالهم في أماكن آمنة لعدة ساعات، في حين يحاولون تأمين احتياجات الأسرة الأساسية.
تعليم متعثر وبيئة غير صالحة للنمو
تعكس الفجوات التعليمية الواسعة حجم الضرر الذي لحق بالبيئة المدرسية في أوكرانيا، فبالإضافة إلى الدروس المقطوعة والانقطاعات المتكررة، يلجأ كثير من المدارس إلى التعليم عن بعد في فترات الخطر، وهو ما يفاقم الفجوة بين الطلاب نظراً لعدم توفر الكهرباء أو شبكة الإنترنت في مناطق واسعة، وتؤكد يونيسف أن ضمان استمرار العملية التعليمية في ظروف الحرب يتطلب موارد ضخمة ومزيداً من الدعم الدولي لتجهيز المدارس وبناء ملاجئ جديدة وتحسين قدرات المعلمين.
كما يشير خبراء نفسيون إلى أن التعلم في ظل الضغط المستمر يفقد الأطفال القدرة على التركيز ويؤدي إلى انخفاض مستوى التحصيل. وتظهر لدى بعض الطلاب علامات انسحاب اجتماعي وتراجع في الدافعية وزيادة معدلات الغياب.
أثر الحرب يمتد إلى الأسر
لا يقتصر الإنهاك على الأطفال وحدهم، بل يشمل الآباء والأمهات الذين يعيشون بدورهم صراعاً يومياً لتأمين الطعام ومواجهة شح الموارد وارتفاع تكاليف المعيشة، وتؤكد يونيسف أن الضغط النفسي الذي تتعرض له الأسر يؤثر مباشرة في قدرة الأطفال على الصمود، إذ يفتقر كثير منهم إلى الدعم العاطفي اللازم نتيجة الإرهاق النفسي لأفراد الأسرة.
وفي المناطق الملاصقة لخطوط القتال، تواجه العائلات خياراً قاسياً بين الرحيل إلى مناطق أكثر أمناً أو البقاء رغم المخاطر، وغالباً ما يكون القرار معلقاً بعوامل اقتصادية واجتماعية، وهناك ملايين الأسر التي لم تغادر؛ إما بسبب ضعف الموارد أو ارتباطها بممتلكات أو أقارب أو وظائف لا يمكن تركها، ما يزيد من تعرض أطفالها لمخاطر الاستهداف والانفجارات.
حياة تتشكل تحت النار
تصف المنظمة الوضع العام للأطفال في أوكرانيا بأنه واحد من أسوأ السيناريوهات في أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ورغم الخطط المستمرة لتحسين ظروف التعليم والدعم النفسي، تؤكد يونيسف أن الواقع أكثر تعقيداً مما تظهره الأرقام، فكل طفل يعيش قرب الجبهة يواجه يومياً سلسلة من الأحداث التي تتجاوز قدرته على الاستيعاب، بدءاً من أصوات الانفجار وحتى تغيّر مسار حياته بسبب النزوح أو فقدان أحد الأقارب أو انهيار المنزل.
وتحذر المنظمة من أن استمرار الحرب لسنوات إضافية سيترك جروحاً عميقة يصعب علاجها، حيث ينشأ جيل كامل في ظروف غير إنسانية، محروماً من الاستقرار ومن فرص التعلم والنمو، ومعرّضاً لضغوط نفسية قد تلازمه طوال الحياة.
اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير عام 2022، وأدت إلى أكبر موجة نزوح في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، حيث اضطر ملايين الأوكرانيين إلى مغادرة منازلهم أو العيش في نزوح داخلي، وتعرضت آلاف المدارس للقصف أو أغلقت بسبب المخاطر الأمنية، وتواجه البلاد انهياراً واسعاً في البنية التحتية وارتفاعاً حاداً في مستويات الفقر بين الأسر التي فقدت مصادر دخلها، وتعد يونيسف واحدة من أبرز المنظمات الدولية العاملة في أوكرانيا، وتقدم برامج دعم نفسي وتعليمي ومساعدات غذائية وصحية للأطفال، لكنها تؤكد أن حجم الاحتياجات يتجاوز بكثير حجم الموارد المتاحة، ما يجعل ملايين الأطفال في مواجهة مفتوحة مع الفقر والخوف والبرد وانعدام الأمن.











