مدنيون على حافة الصقيع.. الأمم المتحدة تحذر من شتاء قاتل في أوكرانيا
مدنيون على حافة الصقيع.. الأمم المتحدة تحذر من شتاء قاتل في أوكرانيا
مع اقتراب البرد، لا تبدو الحرب في أوكرانيا وكأنها تقترب من نهايتها، بل من فصلٍ جديد أكثر قسوة. في القرى القريبة من خطوط الجبهة، أصبح البقاء نفسه عملاً بطولياً، كل يومٍ جديد هناك يشبه صراعاً ضد الريح، وضد الصقيع، وضد الخوف الذي لا يهدأ.
منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في أوكرانيا، ماتياس شمايل، وصف في مؤتمر صحفي من جنيف يوم الجمعة المشهد بواقعية قاسية: "إنها حرب تكنولوجية متزايدة... حرب مسيّرات"، لكنه يضيف بصوتٍ يحمل تعب العالم: "إنه صراع من أجل البقاء" وفق فرانس برس.
المدنيون في مواجهة الشتاء
المدنيون الذين يعيشون على بعد كيلومترات من خطوط المواجهة باتوا يواجهون شتاءً بلا كهرباء، بلا تدفئة، وبكثير من الخوف، الهجمات التي استهدفت البنية التحتية للطاقة جعلت الحياة اليومية شبه مستحيلة.
يقول شمايل إن تدمير قدرة إنتاج وتوزيع الطاقة مع اقتراب الشتاء يؤثر بشكل مباشر في حياة الناس داخل أوكرانيا، ويشكل نوعاً من الإرهاب.
في بلدٍ يتجمد فيه الهواء تحت الصفر، يصبح فقدان التدفئة مسألة حياة أو موت، فالأسواق مغلقة، الإمدادات شحيحة، والطرق محفوفة بالمخاطر، وأكثر من 57 ألف شخص اضطروا إلى الفرار من مناطقهم خلال الأشهر الماضية، بحثاً عن الدفء، أو عن بصيص من الأمان.
ضحايا الحرب التكنولوجية
عام 2025 كان الأشد دموية منذ عام 2022. ارتفع عدد المدنيين القتلى بنسبة 30% مقارنة بالعام الماضي، ونجم ثلث الضحايا عن هجمات نفذتها طائرات مسيّرة.
لم تعد الحرب تقتصر على الخنادق أو الجبهات، بل باتت تلاحق الناس في أسِرّتهم، في الأسواق، وفي المدارس.
"الحرب تغيرت، لكنها ما زالت تقتل بالوتيرة نفسها"، يقول شمايل. "إنها حرب المسيّرات، لكنها حرب البشر قبل كل شيء".
وتعمل الأمم المتحدة على خطة استجابة شتوية تستهدف مساعدة أكثر من 1.7 مليون شخص في أوكرانيا، عبر توفير التدفئة والمساعدات النقدية، لكنها لم تحصل سوى على نصف التمويل المطلوب.
يقول شمايل بنبرة حزنٍ: "افتراضنا لعام 2026 هو أن الحرب ستستمر، لا يوجد ما يشير إلى أنها ستنتهي قريباً".
ورغم الإعجاب الدولي بقدرة الناس على الصمود، يحذر المسؤول الأممي من تجاهل معاناة الناس: “ينبغي ألا نبالغ في تقدير هذه القدرة. المدنيون متعبون، تعبوا من الخسارة، ومن البرد، ومن الانتظار الطويل لنهاية لا تأتي”.
أجيال من الندوب النفسية
يتحدث شمايل أيضاً عن الجانب الذي لا تلتقطه الكاميرات؛ وهو الصدمة النفسية، فيقول: "تأثير هذه الحرب في الصحة النفسية يتفاقم. قد تضطر أوكرانيا للتعامل مع هذا الوضع لجيل كامل على الأقل، وربما لأجيال أخرى".
في القرى المنسية، لا يتحدث الناس عن المستقبل، بل عن اليوم التالي فقط. عن كيف سيشعلون مدفأة بلا وقود، وكيف سيطمئنون أطفالهم حين تهتز الجدران مجدداً.
هناك، لا تعني النجاة الانتصار، بل مجرد البقاء على قيد الحياة حتى الصباح التالي.
اندلاع الحرب
اندلعت الحرب في أوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير عام 2022 عندما شنت روسيا هجوماً عسكرياً واسع النطاق على الأراضي الأوكرانية، ما أدى إلى واحدة من كبرى الأزمات الأمنية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
ورغم مرور أكثر من ثلاث سنوات، لا تزال خطوط القتال تمتد على طول الجبهة الشرقية والجنوبية، في حين تستمر الضربات الجوية والهجمات بالمسيّرات والصواريخ في استهداف البنى التحتية الحيوية والمناطق السكنية، مسببة دماراً واسعاً وخسائر بشرية كبيرة.
وخلف النزاع أزمة إنسانية غير مسبوقة في القارة، إذ اضطر أكثر من ثمانية ملايين أوكراني إلى اللجوء خارج البلاد، ونزح ملايين آخرون داخلياً هرباً من القتال، وتعاني المناطق القريبة من الجبهات من نقص حاد في الكهرباء والمياه والغذاء والوقود، خاصة مع تضرر شبكات الطاقة والطرق والمستشفيات.
كما حذرت الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة من تصاعد الأثر النفسي والاجتماعي للحرب، ومن خطر تحوّل الأزمة إلى صراع طويل الأمد يترك أجيالاً من المدنيين في مواجهة الفقر والبرد وفقدان الأمان.










