فحص الهوية الرقمية.. قيود أمريكية جديدة تهدد خصوصية المسافرين من 42 دولة

فحص الهوية الرقمية.. قيود أمريكية جديدة تهدد خصوصية المسافرين من 42 دولة
السفر إلى أمريكا

تعتزم إدارة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية توسيع نطاق ما تجمعه من بيانات عن ملايين المسافرين القادمين من 42 دولة مشمولة ببرنامج الإعفاء من التأشيرة، وفق ما كشفته صحيفة "نيويورك تايمز"، حيث تبدأ الإدارة في إلزام المتقدمين بالكشف عن حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي لمدة خمس سنوات، منهم حتى الزوار من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وكوريا الجنوبية الذين لم يكن مطلوباً منهم تقديم تأشيرات مسبقة.

وتشير الوثيقة المنشورة في السجل الفيدرالي إلى توجه حاد نحو تحويل إجراءات الدخول إلى الولايات المتحدة من مجرد تقييم أمني إلى مراجعة رقمية شاملة للهوية والسلوك والعلاقات العائلية.

وتشمل البيانات المطلوبة: حسابات التواصل الاجتماعي، جميع عناوين البريد الإلكتروني المستخدمة خلال عشر سنوات، وأسماء وأماكن إقامة وميلاد أفراد العائلة، ومنهم الأطفال، كما تتضمن عملية التوسّع الجديدة إلزام المسافرين بتقديم بيانات شخصية إضافية، رغم أن قواعد النظام الإلكتروني لتصاريح السفر (ESTA) كانت تقتصر سابقاً على بيانات أساسية مقابل رسوم قدرها 40 دولاراً.

ويؤكد الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة باوندلس، شياو وانغ، أن الإدراج السابق لحسابات التواصل الاجتماعي في طلبات التأشيرة كان اختيارياً منذ عام 2016، لكن غياب الإجابة لم يكن ينعكس بالضرورة على الطلبات، ويحذر من أن النظرة الحكومية الجديدة قد تعد ترك المتقدم حقول التواصل الاجتماعي فارغة "مؤشراً على إخفاء شيء ما"، ما قد يؤدي إلى رفض الطلبات أو تأخيرها.

تكثيف القيود

تتابع الولايات المتحدة إجراءات مماثلة خلال السنوات الأخيرة، شملت متقدمي تأشيرات H-1B للعمال المهرة والطلاب والباحثين، وهو ما يشير إلى تحول في سياسة فحص الهوية الرقمية.

وتأتي هذه الخطوة بالتوازي مع خطط حكومية لفرض رسوم سلامة جديدة تصل إلى 250 دولاراً على التأشيرات، رغم استثناء مسافري الإعفاء من التأشيرة من تلك الرسوم، لكن قطاع السياحة حذر مبكراً من تأثير الرسوم نفسها في الأعداد المحتملة للزوار، خصوصاً مع اقتراب كأس العالم 2026.

وكشف مسؤول في قطاع السياحة للصحيفة الأمريكية، فضل عدم ذكر اسمه، أن إدارة الجمارك لم تشرك الجهات المعنية أو تُطلعهم على المقترح الذي وصفه بأنه "تصعيد كبير في إجراءات التدقيق"، ما يعمّق فجوة الثقة بين الحكومة والقطاع السياحي، ويزيد القلق من تراجعات جديدة في أعداد الزوار الدوليين.

وتشير الإدارة إلى أنها ستتلقى تعليقات الجمهور خلال 60 يوماً قبل إقرار الخطة، وفي حال اعتمادها ستبدأ المرحلة التنفيذية تدريجياً، وفق شركة "فراغومين" القانونية.

ويصف بو كوبر، وهو شريك "فراغومين"، التغيير بأنه "تحول جذري" في منهجية تقييم المسافرين، إذ تنتقل الحكومة من التحقق الوقائعي إلى تقييم المحتوى الرقمي نفسه، وما يحمله من "مؤشرات على نوعية ما يُقال"، وتحذر الشركة من أن التوسع في جمع البيانات سيؤدي إلى فترات انتظار طولى، وزيادة احتمالات خضوع المسافرين للتدقيق المكثف.

وتنتقد كبيرة المحامين في مؤسسة الحدود الإلكترونية، صوفيا كوب، المقترح باعتباره سياسة تؤدي إلى "تفاقم انتهاكات الحريات المدنية"، مشيرة إلى أن إجراءات جمع بيانات التواصل الاجتماعي لم تُثبت فعاليتها في كشف الإرهابيين أو المجرمين، لكنها أثّرت سلباً في حرية التعبير وخصوصية المسافرين وعائلاتهم.

تزايد التوتر مع الغربيين

من جانبها، تكشف صحيفة "فايننشيال تايمز" أن التغييرات المقترحة ستطول مواطني دول منها المملكة المتحدة وفرنسا وأستراليا الذين سيصبح عليهم الإفصاح إلزامياً عن تاريخ استخدامهم للتواصل الاجتماعي على مدى خمس سنوات.

وتشير الصحيفة البريطانية إلى أن المتقدمين سيضيفون حساباتهم ضمن "بيانات إلزامية" في النظام الإلكتروني لتصاريح السفر، استناداً إلى إشعار من وزارة الأمن الداخلي.

وأكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال فعالية في البيت الأبيض أن الهدف هو "الأمن" و"عدم السماح للأشخاص غير المناسبين بدخول البلاد". 

تأتي هذه الإجراءات ضمن نهج موسع لتشديد شروط الدخول، ومنها القيود السابقة على التأشيرات وحظر السفر، ما تسبب في حالة قلق واسعة لدى المهاجرين والطلاب والعمال.

وتحذر جهات السفر الأمريكية من تأثير هذه الخطوة في السياحة الدولية وتدفق الزوار قبيل كأس العالم، وأن القواعد الجديدة قد تؤدي إلى توتر دبلوماسي مع الحلفاء الأوروبيين، خاصة بعد الاستراتيجية الأمنية الأمريكية الأخيرة التي تضغط على أوروبا لتعزيز مقاومتها في ملفات الهجرة وحرية التعبير والحرب في أوكرانيا.

وتدرس الإدارة إضافة متطلبات جديدة تشمل الصورة الشخصية (سيلفي) ضمن طلبات ESTA، بالإضافة إلى تحويل نظام التقديم إلى تطبيق للهواتف المحمولة فقط بدل الموقع الإلكتروني، وتخضع المقترحات لفترة إشعار مدتها 60 يوماً.

وبحسب "فايننشيال تايمز"، يطلب من الطلاب والعمال المهرة حالياً ضبط حساباتهم على الوضع العام لتسهيل تقييم ما إذا كانوا يشكلون "تهديداً للأمن القومي".

تحولات بيومترية

وتكشف "يو إس إيه توداي" عن جانب أكثر عمقاً في التغيير، يتمثل في إعادة هيكلة شاملة لعملية I-94 والـ ESTA، تشمل توسيع الفحص البيومتري ومتطلبات تقديم البيانات الرقمية.

وتشير الوزارة إلى أن المقترح يأتي تنفيذاً للأمر التنفيذي رقم 14161 الصادر في يناير 2025، والذي يوصي بزيادة المعلومات التي تجمعها الجمارك من المسافرين غير الأمريكيين.

وتقترح الإدارة اعتماد خاصية "الإبلاغ الذاتي عن المغادرة"، بحيث يؤكد الزائر مغادرته عبر تقديم صورة مباشرة وجواز سفر وتحديد الموقع الجغرافي عبر التطبيق، كما يصبح تحميل صورة شخصية إلزامياً لكل المتقدمين.

وتتجه الإدارة كذلك إلى إلغاء موقع ESTA الإلكتروني بعد رصد "إساءة استخدام واسعة النطاق" من خلال مواقع احتيالية وصور رديئة الجودة، ما يجعل التطبيق الوسيلة الوحيدة للتقديم.

وتُوسّع الإدارة حقول البيانات عالية القيمة لتشمل: حسابات التواصل الاجتماعي خلال خمس سنوات، أرقام الهواتف والبريد الإلكتروني لعشر سنوات، عناوين الـIP، البيانات البيومترية مثل الوجه والبصمات والحمض النووي وقزحية العين.

وتؤكد الوزارة أن هذه الإجراءات ضرورية بعد الهجوم الإرهابي الأخير على الحرس الوطني في واشنطن، وتستهدف سد الثغرات في تتبع تحركات الزوار.

وتكشف الصحيفة أن هذا التوسع يعيد إلى السطح المخاوف المرتبطة بتفتيش الهواتف على الحدود، إذ سبق أن وثقت وقائع احتجاز وترحيل لأشخاص يحملون إقامة قانونية أو تأشيرات، بعد فحص ضباط الحدود لمحتويات أجهزتهم بالكامل، ومنها الصور المحذوفة ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي.

تأثر السياحة الدولية

تبرز "الغارديان" بُعداً آخر بالغ الحساسية، إذ تسلط الضوء على تأثير الخطة في 42 دولة، وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا وأستراليا وألمانيا واليابان، وتوضح أن متطلبات الكشف عن البيانات البيومترية، وأرقام الهواتف، والبريد الإلكتروني لعشر سنوات، تمتد لتشمل حتى بيانات الأطفال وأفراد الأسرة الآخرين.

وتربط إدارة الجمارك التغييرات بتنفيذ أمر تنفيذي من الرئيس دونالد ترامب يهدف إلى التأكد من عدم وجود "عداء" لدى الزوار تجاه الولايات المتحدة وثقافتها ومؤسساتها، ويشير ذلك إلى تحول الرقابة من مجرد أمن قومي إلى فحص التوجهات والمواقف السياسية.

وتتوقع الصحيفة أن تؤثر الإجراءات في حركة السفر الخاصة بكأس العالم، حيث يقدر الفيفا قدوم خمسة ملايين مشجع، كما تراجعت السياحة إلى الولايات المتحدة بشكل حاد خلال الولاية الثانية لترامب، بسبب حملة قمع المهاجرين وقرارات وقف اللجوء.

وتكشف الصحيفة تراجع الزيارات الأجنبية إلى كاليفورنيا بنسبة 9%، وانخفاض زوار شارع هوليوود 50%، كما توثق تراجع سفر الكنديين بالسيارة 36.9%، وانخفاض رحلات الطيران 25.8%، وتفرض الولايات المتحدة رسوماً إضافية تقدر بـ100 دولار كندي يومياً لزيارة الحدائق الوطنية.

وتوضح الصحيفة أن الإدارة تواصل توسيع فحص المحتوى الرقمي، إذ بدأت دائرة الهجرة في البحث عن الآراء "المعادية لأمريكا"، ومنها نشاط الطلاب الأجانب على التواصل الاجتماعي، ما أدى إلى اعتقال بعضهم. وتنطبق السياسة الآن على تأشيرات H-1B برسوم ضخمة تصل إلى 100 ألف دولار.

يكشف تتبع إجراءات الإدارات الأمريكية المتعاقبة عن تحول هيكلي في فلسفة الحدود: من حماية الأمن القومي إلى إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمسافر عبر الفضاء الرقمي بالكامل.

وتُظهر المعلومات أن هذه الخطوات تمسّ مباشرة الحق في الخصوصية، حرية التعبير والاتصال، حرية التنقل الدولية، وحماية البيانات الشخصية. ومع اتساع جمع البيانات البيومترية والرقمية عبر كل مصادر الهوية الإلكترونية، تتحول الحدود الأمريكية إلى مختبر ضخم للفحص الرقمي، تتقاطع فيه سياسات الهجرة مع مراقبة الإنترنت، وتؤثر مباشرة في ملايين المسافرين والطلاب والعمال والباحثين من 42 دولة.

 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية