تحت ذريعة الأمن.. بابا الفاتيكان يحذّر إيطاليا من تشويه سمعة الصحفيين

تحت ذريعة الأمن.. بابا الفاتيكان يحذّر إيطاليا من تشويه سمعة الصحفيين
بابا الفاتيكان مع قادة الأجهزة الأمنية في إيطاليا

في رسالة لافتة تحمل أبعادا أخلاقية وسياسية عميقة، دعا البابا لاوون الرابع عشر بابا الفاتيكان أجهزة المخابرات الإيطالية إلى الالتزام الصارم بالقانون والقيم الأخلاقية، محذرا من أن إساءة استخدام المعلومات السرية أو توظيفها لتشويه سمعة الشخصيات العامة والصحفيين تمثل خطرا مباشرا على الديمقراطية وتقوض ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة.

وأفادت وكالة رويترز السبت، بأن مناشدة البابا جاءت في توقيت حساس تشهده إيطاليا، حيث تخضع الأجهزة الأمنية في إيطاليا لتدقيق متزايد بعد سلسلة من الفضائح المرتبطة بالمراقبة واستخدام برامج تجسس، شملت اتهامات باختراق هواتف صحفيين ونشطاء في مجال حقوق الإنسان.

تحذير أخلاقي

خلال كلمة ألقاها في حفل أقيم بمناسبة الذكرى المئوية لجهاز المخابرات الإيطالي، حرص البابا لاوون الرابع عشر على الموازنة بين الإشادة بدور الأجهزة الأمنية في حماية الأمن القومي، وبين توجيه تحذير واضح من الانزلاق إلى ممارسات تتعارض مع القيم الديمقراطية.

وأكد أن العمل الاستخباراتي، رغم حساسيته وتعقيده، لا يمكن أن يكون مبررا لتجاوز القانون أو المساس بكرامة الأفراد وحرياتهم الأساسية.

وأشار البابا إلى أن حماية الأمن، بما في ذلك أمن الفاتيكان، لا تنفصل عن احترام الحقوق، معتبرا أن التحدي الحقيقي يكمن في كيفية تحقيق هذا التوازن الدقيق في عالم تتزايد فيه التهديدات وتتعقد فيه أدوات الرقابة.

المعلومات بين الحماية والترهيب

وشدد البابا لاوون الرابع عشر على أن المراقبة الصارمة داخل أجهزة الاستخبارات ضرورية لمنع إساءة استخدام المعلومات الحساسة. وقال إن هذه المعلومات لا يجب أن تتحول إلى وسيلة لترهيب السياسيين أو الصحفيين أو أي فاعلين في المجتمع المدني، ولا أداة للابتزاز أو التشويه أو الاستغلال.

وأكد أن الخطر لا يكمن فقط في تسريب المعلومات، بل في توظيفها بشكل غير أخلاقي لتحقيق أهداف سياسية أو شخصية، محذرا من أن مثل هذه الممارسات، إذا تُركت دون ضوابط، يمكن أن تؤدي إلى تآكل أسس الثقة بين الدولة والمجتمع.

إغراءات خفية للعمل الاستخباراتي

وفي حديثه إلى أفراد المخابرات، أقر بابا الفاتيكان بأن طبيعة عملهم تعرضهم لإغراءات خاصة، نظرا لما يملكونه من صلاحيات ومعلومات. 

ودعاهم إلى اليقظة الدائمة في مواجهة هذه الإغراءات، مذكرا بأن القوة دون أخلاق تتحول إلى أداة خطر، حتى لو كانت مبررة بشعارات حماية الأمن.

وأوضح أن النزاهة الفردية داخل الأجهزة الأمنية لا تقل أهمية عن القوانين والأنظمة، لأن أي خلل أخلاقي على مستوى الأفراد قد ينعكس سلبا على المؤسسة بأكملها، ويقوض صورتها أمام الرأي العام.

تأتي تصريحات البابا في ظل تصاعد الجدل داخل إيطاليا بعد أن كشف البرلمان في وقت سابق من هذا العام عن استخدام الحكومة برنامجا إسرائيليا للتجسس لاختراق هواتف عدد من الأشخاص، وشملت هذه الحالات صحفيين ونشطاء بارزين، من بينهم لوكا كاثاريني وجوزيبي كاتشا، وهما من مؤسسي منظمة ميديتيرانيا لإنقاذ البشر، وهي منظمة غير حكومية تنشط في إنقاذ اللاجئين والمهاجرين الذين يحاولون عبور البحر المتوسط.

وأثارت هذه الاتهامات موجة انتقادات واسعة من منظمات حقوقية وإعلامية، اعتبرت أن اللجوء إلى برامج تجسس متقدمة ضد صحفيين ونشطاء يمثل تهديدا خطيرا لحرية التعبير والعمل الإنساني، ويطرح تساؤلات حول حدود الرقابة المشروعة في دولة ديمقراطية.

العصر الرقمي وتحدياته

ولم يغفل البابا لاوون الرابع عشر الإشارة إلى التحولات التي فرضها العصر الرقمي على العمل الاستخباراتي، معتبرا أن التطور التكنولوجي، رغم ما يوفره من أدوات فعالة لمواجهة التهديدات، يضاعف في الوقت نفسه مخاطر الانتهاكات، ودعا إلى تعزيز الضمانات القانونية والأخلاقية لمواكبة هذا التعقيد المتزايد، مؤكدا أن القواعد التقليدية لم تعد كافية في زمن الذكاء الاصطناعي وبرامج التجسس المتطورة.

وفي جزء لافت من حديثه، كشف البابا أن كنائس في عدد من البلدان تعرضت لممارسات من قبل أجهزة مخابرات تعمل لغايات سيئة، وفرضت قيودا على حريتها، ولم يقدم تفاصيل إضافية حول هذه الحالات، إلا أن الإشارة حملت بعدا رمزيا، يؤكد أن التجسس غير المشروع لا يستثني حتى المؤسسات الدينية، وأنه قد يستخدم أحيانا كأداة للضغط والسيطرة.

هذه الإشارة أعادت إلى الواجهة النقاش حول حدود عمل الأجهزة الأمنية في المجتمعات المفتوحة، ومدى احترامها لحرية المعتقد والتنظيم الديني.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية