بيلاروسيا تصدر عفواً عن سجناء في خطوة لافتة ضمن تفاهمات مع واشنطن
بيلاروسيا تصدر عفواً عن سجناء في خطوة لافتة ضمن تفاهمات مع واشنطن
أقدمت السلطات البيلاروسية على خطوة غير مسبوقة بإصدار عفو رئاسي شمل عشرات السجناء، في تطور سياسي لافت يأتي في سياق تفاهمات مباشرة مع الولايات المتحدة، ويعكس مؤشرات على تحولات محتملة في مسار العلاقات المتوترة بين مينسك والغرب منذ سنوات.
وأفادت قناة “Pool of the First” على تطبيق تلغرام، المقربة من الرئاسة البيلاروسية، اليوم السبت، أن الرئيس ألكسندر لوكاشينكو أصدر عفواً رئاسياً عن 123 شخصاً، وذلك في إطار اتفاقيات جرى التوصل إليها مع الولايات المتحدة.
ونقلت القناة عن بيان رسمي صادر عن الرئاسة أن القرار شمل “123 مواطناً من دول مختلفة أُدينوا بموجب قوانين جمهورية بيلاروس بجرائم متعددة، من بينها التجسس والإرهاب والتطرف”.
ويُعد هذا العفو من أوسع قرارات الإفراج التي تصدر عن السلطات البيلاروسية في السنوات الأخيرة، خصوصاً في ظل الطبيعة الحساسة للتهم المنسوبة إلى المشمولين به، والتي طالما استخدمتها مينسك لتبرير تشديد قبضتها الأمنية، لا سيما بعد احتجاجات عام 2020 وما أعقبها من توتر داخلي وعقوبات دولية.
عفو مرتبط برفع العقوبات
وبحسب البيان الرئاسي، جاء قرار العفو استجابة لطلب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وفي سياق تفاهمات مرتبطة برفع العقوبات المفروضة على قطاع البوتاسيوم البيلاروسي، أحد أهم أعمدة الاقتصاد الوطني في البلاد.
وأكدت الرئاسة أن لوكاشينكو اتخذ هذا القرار “انطلاقاً من اعتبارات تتعلق بضمان الاستقرار في أوروبا”، في إشارة إلى البعد الجيوسياسي الأوسع للخطوة.
وتشير معطيات متقاطعة إلى أن العفو الأخير ليس معزولاً، إذ أفادت القناة نفسها بأن السلطات البيلاروسية أصدرت خلال الفترة الماضية عفواً عن 156 شخصاً، من بينهم مواطنون من بريطانيا والولايات المتحدة وليتوانيا وأوكرانيا ولاتفيا وأستراليا واليابان، ما يعكس توجهاً منظماً وليس إجراءً استثنائياً محدوداً.
شخصيات معارضة ضمن المشمولين
في تطور لافت، ذكرت وكالة “رويترز” أن قائمة المشمولين بالعفو تضم شخصيات معارضة بارزة، من بينها ماريا كوليسنيكوفا، إحدى أبرز وجوه المعارضة البيلاروسية، وفيكتور باباريكو، السياسي والمرشح الرئاسي السابق الذي كان يُنظر إليه كأحد المنافسين الجديين للوكاشينكو قبل اعتقاله.
ويُعد إدراج هذه الأسماء مؤشراً على رغبة محتملة من جانب السلطات في إرسال إشارات تهدئة إلى الخارج، خصوصاً في الملف الحقوقي الذي ظل محوراً رئيسياً للانتقادات الغربية.
وجاءت هذه التطورات عقب محادثات جرت على مدار يومي الجمعة والسبت بين الرئيس لوكاشينكو والمبعوث الخاص للبيت الأبيض، جون كول، وبحسب مصادر رسمية، تناولت اللقاءات ملفات إقليمية ودولية حساسة، من بينها الحرب في أوكرانيا، والأوضاع في فنزويلا، إضافة إلى سبل تطبيع العلاقات الثنائية بين مينسك وواشنطن بعد سنوات من القطيعة والتصعيد المتبادل.
وعقب هذه الاجتماعات، أعلنت الولايات المتحدة رفع القيود المفروضة على شركة “بيلاروسكالي”، عملاق صناعة الأسمدة في بيلاروس، في خطوة تحمل دلالات اقتصادية وسياسية بالغة الأهمية، وكانت هذه العقوبات قد فُرضت في أغسطس 2021 خلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، على خلفية اتهامات تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان وقمع المعارضة.
تحولات محسوبة أم انفراج؟
ويرى مراقبون أن قرار العفو، مقروناً برفع العقوبات، يعكس محاولة متبادلة لاختبار مسار جديد في العلاقات بين بيلاروس والولايات المتحدة، في ظل تعقيدات المشهد الدولي والحاجة إلى تخفيف حدة التوتر في أوروبا الشرقية.
غير أن تساؤلات عدة تظل مطروحة حول مدى استدامة هذا الانفراج، وما إذا كان مقدمة لإصلاحات أعمق في الداخل البيلاروسي، أم مجرد خطوة تكتيكية مرتبطة بملفات اقتصادية وضغوط دولية ظرفية.
ويشكل العفو الرئاسي الأخير محطة مفصلية في المشهد السياسي البيلاروسي، لما يحمله من أبعاد إنسانية وسياسية واقتصادية، ويعيد فتح النقاش حول مستقبل العلاقة بين السلطة والمعارضة، وكذلك موقع بيلاروس في معادلات التوازن الإقليمي والدولي.











