بيلاروسيا في مرمى الانتقادات.. تقرير أممي يرصد تصاعد الانتهاكات وتفاقم القمع
بيلاروسيا في مرمى الانتقادات.. تقرير أممي يرصد تصاعد الانتهاكات وتفاقم القمع
عقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة دورته الـ60 في جنيف، والتي تتواصل حتى 8 أكتوبر 2025.
وفي هذا السياق، قدمت مجموعة الخبراء المعنية برصد حالة حقوق الإنسان في بيلاروسيا تقريرًا شاملًا إلى المجلس، تناول أوضاع الحقوق المدنية والسياسية في البلاد خلال الفترة الأخيرة، كاشفًا عن استمرار القمع الممنهج، وتوسع دائرة الانتهاكات، وغياب أي بوادر للمساءلة.
وبحسب التقرير الذي اطلع «جسور بوست» على نسخة منه، فإن السلطات البيلاروسية واصلت فرض قيود صارمة على المجتمع المدني، وتكميم حرية الصحافة، واستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان، في سياق سياسي يتسم بانعدام الشفافية، وإحكام القبضة الأمنية على الحياة العامة.
قمع الحريات المدنية
ورصد التقرير أن الحكومة البيلاروسية شددت من قبضتها على الفضاء المدني عبر قوانين قمعية جديدة، استُخدمت لتقييد عمل الجمعيات المستقلة والمنظمات غير الحكومية.
وأشار الخبراء إلى أن مئات المنظمات أُغلقت أو أُجبرت على وقف أنشطتها، بينما يواجه العاملون في مجال حقوق الإنسان مخاطر جدية من الاعتقال والملاحقة القضائية.
وأوضح التقرير أن هذه السياسات ترافقت مع تشديد الرقابة على الإنترنت ووسائل الإعلام، حيث أُغلقت منصات إعلامية مستقلة، وحُجبت مواقع إلكترونية بدعوى «تهديد الأمن القومي».
كما تعرض الصحفيون المستقلون لمضايقات واعتقالات تعسفية، فيما حُكم على بعضهم بأحكام سجن قاسية بعد محاكمات تفتقر إلى أدنى معايير العدالة.
استهداف المعارضة السياسية
وأكدت مجموعة الخبراء أن السلطات لم تتوقف عن استهداف السياسيين المعارضين وأنصارهم، إذ جرى اعتقال آلاف الأشخاص خلال التظاهرات السلمية، وتعرض كثير منهم للتعذيب وسوء المعاملة داخل مراكز الاحتجاز.
وأشار التقرير إلى أن المعارضة السياسية أُقصيت بشكل كامل من المشهد العام، مع استمرار حظر الأحزاب المستقلة وتقييد المشاركة في الانتخابات.
وأضاف الخبراء أن الإجراءات القمعية امتدت لتشمل المراقبة المكثفة، والاعتقالات الليلية، وحملات التفتيش التعسفية للمنازل، في محاولة لتخويف المجتمع وردع أي محاولات للتعبير عن الرأي المخالف.
ووفقًا للتقرير، ظل التعذيب والمعاملة القاسية وسوء ظروف الاحتجاز واقعًا يوميًا للكثير من المعتقلين، فقد تلقت مجموعة الخبراء شهادات مباشرة عن استخدام الضرب المبرح، والصعق الكهربائي، والعزل الانفرادي لفترات طويلة.
كما جرى توثيق حالات حرمان من الرعاية الطبية، خاصة للمعتقلين السياسيين وكبار السن، في انتهاك واضح للمعايير الدولية.
وأكد الخبراء أن هذه الانتهاكات لا تتم في إطار ممارسات فردية، بل تعكس سياسة عامة للإذلال والسيطرة، تُمارس بإشراف مباشر من أجهزة الأمن، وفي ظل غياب أي رقابة قضائية مستقلة.
تقويض السلطة القضائية
ولفت التقرير إلى أن الجهاز القضائي في بيلاروسيا فقد استقلاليته بالكامل، إذ يخضع القضاة لضغوط سياسية متزايدة، ويُستخدم القضاء كأداة لمعاقبة المعارضين، بدلًا من أن يكون وسيلة لتحقيق العدالة.
وأوضح أن المحاكمات التي جرت بحق نشطاء وصحفيين ومعارضين سياسيين تميزت بانعدام الشفافية، وغياب الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة.
كما أشار الخبراء إلى أن بعض المحاكمات أُجريت خلف أبواب مغلقة، دون السماح للمراقبين المستقلين بالحضور، وهو ما يتناقض مع التزامات بيلاروسيا الدولية.
وأبرز التقرير أن النساء والناشطات البيلاروسيات تعرضن لأشكال خاصة من الاستهداف، شملت الاعتداءات الجنسية أثناء الاعتقال، والتهديد بأذى أفراد الأسرة. كما سجل التقرير حالات لنساء طُردن من وظائفهن بسبب مشاركتهن في احتجاجات سلمية أو لأنشطتهن الحقوقية.
وأشار الخبراء إلى أن الأقليات والفئات المهمشة، بما في ذلك مجتمع الميم، واجهوا تضييقًا إضافيًا، مع فرض قيود على حرية التجمع والتنظيم، وتعرض بعضهم لاعتقالات تعسفية بسبب ميولهم أو هويتهم.
أزمة الإفلات من العقاب
وشددت مجموعة الخبراء على أن أحد أخطر ملامح الوضع في بيلاروسيا هو الإفلات التام من العقاب. فحتى مع تزايد الأدلة على الانتهاكات الجسيمة، لم يُفتح أي تحقيق مستقل، ولم يُحاسب أي مسؤول رفيع المستوى عن الجرائم المرتكبة.
وأكد التقرير أن غياب المساءلة يعزز مناخ الرعب ويشجع على استمرار الانتهاكات، مشيرًا إلى أن السلطات رفضت التعاون مع آليات الأمم المتحدة، وامتنعت عن الرد على رسائل الخبراء أو منحهم حق الوصول إلى البلاد.
وأوضح التقرير أن هذه الانتهاكات الممنهجة تركت آثارًا كارثية على النسيج الاجتماعي في بيلاروسيا. فقد تزايدت حالات النزوح والهجرة القسرية، حيث اضطر آلاف المواطنين إلى مغادرة البلاد خوفًا من الملاحقة. كما عانى المجتمع المدني من تفكك واسع، نتيجة إغلاق المنظمات وتقييد المبادرات المستقلة.
وحذر الخبراء من أن استمرار هذه السياسات سيؤدي إلى عزلة بيلاروسيا الدولية، ويقوض فرص الإصلاح السياسي والاجتماعي، ويزيد من معاناة المواطنين.
دعوة للتحرك الدولي
وأنهى التقرير باستعراض مجموعة من التوصيات، ركزت على دعوة المجتمع الدولي لاتخاذ خطوات عاجلة لوقف الانتهاكات، وضمان المساءلة عن الجرائم المرتكبة.
وحث الخبراء الدول الأعضاء على استخدام آليات العدالة الدولية، ودعم المجتمع المدني البيلاروسي في مواجهة القمع.
كما دعا التقرير السلطات في بيلاروسيا إلى الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين، ووقف التعذيب وسوء المعاملة، وضمان استقلال القضاء، وتهيئة بيئة مواتية لعمل منظمات المجتمع المدني والإعلام المستقل.