قبيل اليوم العالمي للسلام.. بابا الفاتيكان يطلق نداء أخلاقياً ضد توظيف الدين في الصراعات

قبيل اليوم العالمي للسلام.. بابا الفاتيكان يطلق نداء أخلاقياً ضد توظيف الدين في الصراعات
بابا الفاتيكان - البابا لاوون الرابع عشر

وجّه بابا الفاتيكان، البابا لاوون الرابع عشر، الخميس، انتقاداً لاذعاً للزعماء السياسيين الذين يستغلون المعتقدات الدينية لتبرير الصراعات أو دعم السياسات القومية والعنف والحروب، معتبراً أن هذا السلوك يشكل خطيئة جسيمة وتجديفاً بحق جوهر الإيمان، وجاءت هذه المواقف في رسالة رسمية صدرت اليوم الخميس، قبيل اليوم العالمي للسلام الذي تحتفل به الكنيسة الكاثوليكية في 1 يناير، في تقليد سنوي يعكس رؤية الفاتيكان للقضايا العالمية الملحة.

ورغم أن بابا الفاتيكان لم يذكر في رسالته أسماء قادة أو دول بعينها، فإن مضمون الرسالة حمل إشارات واضحة إلى واقع دولي متوتر، تتداخل فيه السياسة بالدين، وتُستغل فيه الرموز الدينية لتبرير سياسات الإقصاء والعنف، ودعا البابا إلى عدم الصمت إزاء هذا التوظيف، مطالباً إياهم بمقاومة أي محاولات لتحويل الإيمان إلى أداة صراع أو غطاء أخلاقي للحرب وفق وكالة رويترز.

الدين ليس وقوداً للصراع

قال البابا في رسالته إن جزءاً متزايداً من المشهد المعاصر بات يشهد استخدام لغة الإيمان لتغذية الصراعات السياسية وتبرير القومية والعنف والحروب باسم الدين، وأضاف أن على المؤمنين أن يعملوا بنشاط للتنديد بهذه الممارسات، واصفاً إياها بطرق تجديفية تتناقض مع الرسالة الحقيقية للأديان، التي تقوم على السلام والرحمة وصون الكرامة الإنسانية.

ويرى البابا أن الخطر لا يكمن فقط في العنف المباشر، بل في التشويه العميق لمعنى الإيمان حين يُستخدم كأداة تعبئة سياسية، الأمر الذي يؤدي إلى تقسيم المجتمعات، وتأجيج الكراهية، وتبرير انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.

تحذير من الذكاء الاصطناعي في الحروب

إلى جانب إدانته لاستغلال الدين، خصص البابا جزءاً مهماً من رسالته للتحذير من الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي في النزاعات المسلحة، وأعرب عن قلقه من اعتماد القادة السياسيين والعسكريين على الآلات لاتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بحياة البشر وموتهم، معتبراً أن ذلك يؤدي إلى تآكل خطِر في مفهوم المسؤولية الأخلاقية.

وأوضح بابا الفاتيكان أن هذا الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا العسكرية يخلق حالة من تخفيف المسؤولية، حيث يصبح القرار القاتل منفصلاً عن الضمير الإنساني المباشر، ووصف هذا المسار بأنه خيانة غير مسبوقة ومدمرة للمبادئ القانونية والفلسفية الإنسانية التي قامت عليها الحضارات عبر التاريخ، محذراً من أن الحرب الآلية تهدد بإلغاء البعد الأخلاقي من الصراعات.

قلق من سباق التسلح العالمي

كما عبّر البابا لاوون الرابع عشر عن أسفه العميق للارتفاع المتواصل في الإنفاق العسكري العالمي، معتبراً أن هذا الاتجاه يعكس اختلالاً في أولويات العالم المعاصر، واستشهد في رسالته بأرقام صادرة عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، تشير إلى أن الإنفاق العسكري العالمي ارتفع بنسبة 9.4 بالمئة خلال عام 2024، ليصل إلى نحو 2.7 تريليون دولار، أي ما يعادل 2.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وأشار البابا إلى أن هذه الأرقام تعكس منطقاً تصادمياً بات يهيمن على السياسة العالمية، حيث تُضخ موارد هائلة في أدوات الحرب بدلاً من توجيهها لمعالجة الفقر والجوع وتغير المناخ والأزمات الإنسانية المتفاقمة.

منطق المواجهة يهدد استقرار العالم

حذّر البابا من أن المنطق التصادمي الذي يسيطر على العلاقات الدولية اليوم يمثل أحد أبرز مصادر زعزعة الاستقرار على كوكب الأرض، وأكد أن هذا النهج لا يولد سوى المزيد من العنف وانعدام الثقة، ويغذي دوائر مغلقة من الصراع يصعب كسرها.

ودعا إلى تبني مقاربات سياسية وأخلاقية جديدة تقوم على الحوار والتعاون واحترام القانون الدولي، معتبراً أن السلام لا يمكن أن يتحقق عبر القوة وحدها، بل من خلال معالجة جذور النزاعات والاعتراف المتبادل بكرامة جميع الشعوب.

دعوة للمسؤولين 

لم تقتصر رسالة البابا على توجيه النقد، بل حملت أيضاً دعوة صريحة لقادة العالم لتحمل مسؤولياتهم الأخلاقية، وشدد على أن الإيمان الحقيقي لا ينفصل عن السعي للسلام، وأن الصمت أمام استغلال الدين أو التكنولوجيا في تدمير الإنسان يُعد تواطؤاً غير مباشر مع الظلم.

وأكد أن الكنيسة الكاثوليكية، التي يبلغ عدد أتباعها نحو 1.4 مليار شخص حول العالم، ستواصل رفع صوتها دفاعاً عن السلام وحقوق الإنسان، ومناهضة كل أشكال العنف المبرر دينياً أو تقنياً.

تأتي رسالة بابا الفاتيكان في سياق عالمي يتسم بتصاعد النزاعات المسلحة، وازدياد الخطاب القومي والديني المتشدد في عدد من الدول، إلى جانب تطور سريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي العسكرية، وخلال السنوات الأخيرة، ركزت رسائل الفاتيكان على قضايا سباق التسلح، والحروب الحديثة، وتأثير التكنولوجيا على الإنسان، محذرة من أن غياب البعد الأخلاقي في السياسة العالمية يفتح الباب أمام أزمات أعمق وأكثر تدميراً، وتؤكد هذه الرسائل أن السلام المستدام لا يتحقق فقط بوقف الحروب، بل بإعادة الاعتبار للقيم الإنسانية المشتركة التي تضع حياة الإنسان وكرامته في صميم أي قرار سياسي أو عسكري.

اليوم العالمي للسلام

اليوم العالمي للسلام هو مناسبة سنوية تحتفل بها الكنيسة الكاثوليكية في الأول من يناير من كل عام، وتهدف إلى تعزيز قيم السلام والعدالة وحقوق الإنسان في العالم، وتسليط الضوء على القضايا التي تهدد السلم الدولي مثل الحروب والعنف والفقر والتمييز وانتهاكات الكرامة الإنسانية، وقد 

أُقر هذا اليوم عام 1967 بمبادرة من البابا بولس السادس، الذي أراد أن يكون مطلع كل عام فرصة عالمية للتأمل في مسؤولية الأفراد والدول والمؤسسات تجاه بناء السلام، ومنذ ذلك الحين، يوجّه بابا الفاتيكان في هذه المناسبة رسالة رسمية سنوية إلى قادة العالم والمؤمنين والرأي العام الدولي، تتناول موضوعاً محورياً مرتبطاً بالسلام، مثل نزع السلاح، الحوار بين الأديان، العدالة الاجتماعية، حماية البيئة، أو مخاطر التكنولوجيا الحديثة.

ولا يقتصر اليوم العالمي للسلام على بعد ديني فقط، بل يحمل بعداً إنسانياً وأخلاقياً واسعاً، إذ يدعو إلى حل النزاعات بالطرق السلمية، واحترام القانون الدولي، وحماية المدنيين، وتعزيز ثقافة الحوار بدل المواجهة. ويُنظر إليه كمنبر أخلاقي عالمي يستخدمه الفاتيكان للتأثير في النقاشات الدولية حول السلم والأمن، والتذكير بأن السلام الحقيقي يقوم على كرامة الإنسان والعدالة والمصالحة، وليس على القوة أو الهيمنة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية