تُعيد إنتاج القمع.. كيف تُسهم التربية الذكورية في تدمير وعي الفتيات؟

تُعيد إنتاج القمع.. كيف تُسهم التربية الذكورية في تدمير وعي الفتيات؟
احتجاجات ضد انتهاكات حقوق المرأة- أرشيف

تكشف بُنية مجتمعاتٍ عربية عديدة لا تزال خاضعة لهيمنة ذهنية ذكورية راسخة، عن منظومة تربية تقوم على الخوف والمنع والطاعة العمياء، حيث تُنشأ الفتاة منذ طفولتها على الامتثال لسلطة الأب والأخ، وتُراقَب تفاصيل حياتها اليومية من لباسها وصوتها إلى طريقة تفكيرها وحقها في إبداء الرأي. 

وتُصنَّف أي محاولة للاعتراض أو النقاش على أنها انحراف أو "تربية خاطئة"، فيما يُلقى اللوم غالباً على الأم وحدها، ويُعفى المجتمع ككل من أي مساءلة حقيقية عن هذا القمع المنهجي، بحسب ما ذكرت وكالة "أنباء المرأة"، اليوم الخميس.

وتوضح الناشطة الحقوقية، آمال الجبر، أن المجتمع لا يزال ينظر إلى الفتاة باعتبارها كائناً "ناقصاً" مهما بلغت من تعليم ووعي واستقلال، في مقابل النظر إلى الفتى بوصفه الامتداد الطبيعي لاسم العائلة وضمانة الحماية المستقبلية للأم وركيزة الميراث والمنزل. 

وتؤكد أن هذا التمييز يزرع شعوراً دائماً بالدونية لدى الفتيات، ويقوّض ثقتهن بأنفسهن منذ الصغر، ليصبح القمع جزءاً من التكوين النفسي اليومي.

بين القهر وإعادة الإنتاج

تشير الجبر إلى أن الأم، رغم كونها الضحية الأولى لهذا النظام، تُجبر في كثير من الأحيان على إعادة إنتاجه، فتلقّن ابنتها مبادئ الخضوع وخفض الصوت والطاعة المطلقة، ليس اقتناعاً بل خوفاً من الوصم الاجتماعي ونظرة المجتمع

وتضيف أن الفتاة المتعلمة والعاملة تُسحق بدورها تحت ضغط الأعراف، فتُجبر على الصمت تجاه الظلم أو العنف، وتُحرم من حقوقها، خصوصاً في قضايا الميراث، بدافع الخوف أو الشعور بعدم الأهلية.

وتشرح خريجة الإرشاد النفسي، ريم الغجري، أن الأخطاء التربوية تنتقل عبر الأجيال بشكل غير واعٍ، خاصة عندما تكون الأم قد نشأت في بيئة قائمة على السيطرة والمنع. 

وتؤكد أن الطفل يقتدي بهذه الأنماط باعتبارها "الصواب"، ما يرسّخ أنماطاً نفسية غير صحية، ويجعل التغيير صعباً دون وعي وشجاعة.

الخلط بين الحماية والسيطرة

تحذّر الغجري من الخلط الشائع بين الحماية والسيطرة، موضحة أن السيطرة تضعف الطفلة نفسياً، وأن التربية السليمة تقوم على الحوار والتوازن لا الفرض والإكراه. 

وتنتقد تحميل الفتاة وحدها عبء "الشرف"، معتبرة أن هذا المفهوم يُستخدم أداة قمع لا حماية، وتدعو إلى تربية استراتيجية واعية للفتيات والفتيان معاً.

وتخلص الخبيرتان إلى أن كسر الحلقة المفرغة للقمع التربوي يتطلب بيئة صحية، وتعاوناً حقيقياً بين الأبوين، وشجاعة في مواجهة الإرث الاجتماعي، باعتبار أن التربية الواعية هي السبيل الوحيد لبناء جيل متوازن قادر على كسر قيود الماضي وصناعة مستقبل أكثر عدلاً.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية