"بيت العائلة الإبراهيمية".. محطة بارزة بمسيرة التعايش السلمي بين الديانات في الإمارات
يضم كنيسة وكنيساً ومسجداً
كمنصة فريدة لإلهام دول العالم، قيم التفاهم والتعايش المتناغم والسلام بين مختلف أبناء الديانات، اتخذت دولة الإمارات العربية المتحدة، قرارا بإنشاء "بيت العائلة الإبراهيمية". الذي دشنه الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهیان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، ومعالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح والتعايش، ليكون منارة جديدة للحوار والمعرفة، وصرحاً ثقافياً ضمن منطقة السعديات الثقافية
وتم الإعلان عن إنشاء بيت العائلة الإبراهيمية لأول مرة يوم 5 فبراير 2019، غداة توقيع وثيقة "الأخوة الإنسانية" التي أطلقها شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب وبابا الفاتيكان البابا فرانسيس.
ويعد "بيت العائلة الإبراهيمية"، الذي يضم كنيسة ومسجداً وكنيساً يهوديا في صرح واحد، ترجمة لوثيقة "الأخوة الإنسانية" التاريخية، والتي تدعو لنشر ثقافة التسامح وقبول الآخر واحترام حُرية الاعتقاد.
وبجانب دور العبادة الإسلامية والمسيحية واليهودية يضم المشروع مركزا تعليمياً، ويُقام على جزيرة السعديات التي تمثل مركز الثقافة وقلبها النابض في العاصمة الإماراتية أبوظبي.
ويجسد تصميم بيت العائلة الإبراهيمية القيم المشتركة بين اليهودية والمسيحية والإسلام، إذ يعكس الصرح تميز الديانات السماوية الثلاث، ويجمع أوجه الشبه وأوجه الاختلاف، ويعكس الملامح المتفردة لكل ديانة.
ويشار إلى الديانات السماوية في الشرق الأوسط بـ"الديانات الإبراهيمية"، حيث يؤمن أتباع تلك الرسالات بالوحدانية للإله على اختلاف بينهم في ماهيته، كما أن أنبياء تلك الأديان كلهم من نسل إبراهيم بن آزر.
مجمع ديانات
في مجمع "بيت العائلة الإبراهيمية"، يدخل الزائر إلى المنطقة التي أُقيمت فيها دُور العبادة، فيجد ثلاثة أبنية منفصلة، لتُذكر البشرية بأن الديانات اليهودية والمسيحية والإسلامية أصلها جميعًا واحد.
وتشبه المباني الثلاثة أشجاراً مختلفة في غابة واحدة، تصل جميعها إلى الضوء نفسه الذي يمنحها الحياة، فيما ستقام شعائر كل ديانة بشكل منفصل في الدار المخصصة لها.
ويمثل مشروع "بيت العائلة الإبراهيمية" في أبوظبي معلمًا حضاريًا ومركزاً للحوار والتفاهم بين الأديان، وفضاءً ملهمًا للتثقيف وممارسة العبادات.
ويرمز لقيم التفاهم والتعايش السلمي، ويجسد المبادئ والمشتركات الثقافية للديانات الإبراهيمية الثلاث الإسلام والمسيحية واليهودية.
ويحظى "بيت العائلة الإبراهيمية" بمتابعة وثيقة من كل من فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر وقداسة بابا الفاتيكان.
وحصل تصميم البيت على مصادقة فضيلة الإمام الأكبر وقداسة البابا، وتشرف على المشروع اللجنة العليا للأخوة الإنسانية.
تعايش مشترك
ويضم تصميم المشروع الذي نفذه المُصمم العالمي ديفيد أدجاي مسجدًا وكنيسةً وكُنيسًا يهوديًا، بما يبرز القيم المشتركة بين الإسلام والمسيحية واليهودية، ويحفظ في ذات الوقت لكل دين خصوصيته.
ويجسد الصرح العالمي تواصل الحضارات الإنسانية والرسالات السماوية، ويعكس قيم الاحترام المتبادل والتفاهم بين أتباع الديانات السماوية الثلاث.
وفي السياق، تم الكشف رسميًا عن الأسماء التي من المقرر أن تحملها أماكن العبادة الثلاثة، حيث يرفع المسجد اسم "الإمام الطيب" فيما أطلق اسم "القديس فرنسيس" على الكنيسة، أما الكُنيس اليهودي فمن المقرر أن يحمل اسم "موسى بن ميمون".
موسى بن ميمون (1135-1204) هو طبيب وفيلسوف ولاهوتي يهودي، عرف عند العرب باسم "أبي عمران عبيدالله"، وكان من أطباء البلاط السلطاني في عهد الناصر صلاح الدين الأيوبي، وأحد المقربين منه.
وفي محيط الموقع ستتوفر أيضًا مساحة رابعة تحتضن مركزًا ثقافيًا يهدف إلى دعوة الناس لإعلاء مشاعر الأخوة والتآزر ضمن مجتمع متفاهم يقدر قيم الاحترام المتبادل والتعايش السلمي.
وانطلاقا من ذلك، من المقرر أن ينظم "بيت العائلة الإبراهيمية" مجموعة متنوعة من البرامج والفعاليات اليومية، واستضافة المؤتمرات والقمم الدولية، التي تبرز التعايش الإنساني بين البشر.
روح المعاصرة
ويُمثل التصميم المجتمعات المتنوعة من المصلين والمقيمين والزائرين، كما أنه يُطلق العنان للروح المُعاصرة المستمدة من التقاليد والمستندة لرؤية مستقبلية متمثلة في مبادئ القبول والاندماج والسلام.
ويسعى التصميم لإيجاد صيغة مشتركة بين مباني الإيمان الثلاثة الضخمة؛ هادفاً لترسخيها بتناغمٍ بصريٍ خارجي مع ضمان احتفاظها بالملامح المتفردةِ لكل دينٍ على حدة.
وتتشابه الأحجام الثلاثة للنماذج مكعبة الشكل؛ فتظهر في الساحة الوسطية كأنها مبنى واحد؛ نظراً لكونها مُتطابقة من حيث القياس والمواد المستخدمة في البناء، ومُتحدة في ارتفاع واحد يضمن عدم طغيان أي مبنى على الآخر، في حين يعبّر كل مبنىً منها عن كيانه المستقل.
ويحتفي المسجد بالجمع بين المصلين ويوفر الخصوصية حيث يمنح الزائرين غير المسلمين فرصاً لمراقبة عادات الصلاة الإسلامية عبر الاستعانة بعتبات مفصلية تسمح بالمشاهدة دون الانضمام للصلاة.
ويأخذ تصميم المبنى زواره في رحلة إيقاعية تبدأ بالملاحظة والتأمل يتبعها الوضوء الشعائري الروحي، ثم ينتهي كل هذا بالصلاة الخاشعة بطريقة تتناغم مع مشاعر المصلين في هذا العصر.
وتعد قباب المسجد العمودية مصدر إلهام للزائرين، وتمنحهم إحساسًا بأنهم على مقربة من المشاعر الخالصة التي تفيض بالإيمان والخشوع.
وتُعطى الأولوية في الكنيسة للمراسم الجماعية والعمل الجماعي، أما مدخلها فمحاط بالماء من الخارج ليمثل طقس العبور، على عكس تصميم مدخل المسجد والمعبد اليهودي المتسلسل.
كونه أول كنيس بُني لهذا الغرض في دولة الإمارات، فإنه يُقدّم سلسلة من العتبات المعمارية التي تتوج هذا المبنى المقدس للصلاة الجماعية.
سوف تستحضر واجهة الكنيس اليهودي متعددة الطبقات في ذاكرة الزوار الاحتفال بعيد الصمت اليهودي عندما يتم حصاد ثمار النخيل وتنصُب المجموعات خيامها في حدائقهم كمناطق للتجمع وتناول الطعام.
ويتم الاحتفال بطقوس الصمت من خلال التسلسل الهرمي الإيقاعي للأعمدة حيث يتسنى للزوار التعرف على العقيدة اليهودية.
ويكمن الهدف الأسمى للمعبد في إنشاء التعارف بين الناس، وتم تصميم سلسلة من المساحات المتشابكة لخدمة فكرة التواصل والتفاعل بين الناس.
مثال للتسامح
وتعزز دولة الإمارات قيم التسامح والتعايش من خلال قانونها الاتحادي بشأن مكافحة التمييز والكراهية، واستحداثها وزارة للتسامح والتعايش، واعتمادها البرنامج الوطني للتسامح، وإقامة شراكات دولية لمنع العنف ومكافحة الإرهاب والجريمة مثل المعهد الدولي للتسامح، ومركز "هداية" لمكافحة التطرف العنيف، ومركز "صواب".
وتعتبر الإمارات مثالاً حياً للتسامح والإدماج والتعددية الثقافية حيث تضم أكثر من 200 جنسية تنعم بالحياة الكريمة والاحترام.
وفي يوليو 2015، أصدر الشيخ الراحل خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة السابق مرسوماً بقانون بشأن مكافحة التمييز والكراهية.
ويهدف القانون إلى إثراء ثقافة التسامح العالمي، ومواجهة مظاهر التمييز والعنصرية من خلال منظومة قانونية متينة لبيئة التسامح والتعايش والقبول.