المرأة العمانية.. تأثير طاغٍ يقاوم الأعراف القبلية والمجتمعية

رغم المحاولات الحثيثة

المرأة العمانية.. تأثير طاغٍ يقاوم الأعراف القبلية والمجتمعية

يعد وصول السلطان الراحل قابوس بن سعيد إلى سدة الحكم في سلطنة عمان، بمثابة الشرارة الأولى التي انطلقت ‏معها مسيرة المرأة نحو التطور والتمكين السياسي.

والسلطان قابوس بن سعيد بن تيمور (1940-2020) هو السلطان التاسع لسلطنة عُمان وكان يلقب بصاحب أطول فترة حكم من بين الحكام العرب والتي امتدت لنحو 50 عاما.

وشرّعت سلطنة عمان حق النساء في الحصول على التعليم والعمل، ‏إضافة إلى منحها حق المشاركة السياسية (التصويت والترشح) وصولا إلى المناصب القيادية في الحكومة ومؤسسات ‏المجتمع المدني.

وشاركت المرأة بفاعلية على مدى نصف قرن في شتى مناحي الحياة، وصولاً إلى أحدث نظام أساسي للدولة في عهد السلطان ‏هيثم بن طارق آل سعيد والذي نص صراحة على المساواة بين الرجل والمرأة.‏

ورغم أن الحكومة العمانية هي التي قادت هذه التحولات حيث كانت أكثر إيماناً بحقوق المرأة مقارنة بالثقافة ‏المجتمعية السائدة ذات التوجه المحافظ؛ فإن المرأة لا تزال تعاني بعض التمييز وتطالب بإلغائه.

الحق في العمل

تعتبر المرأة العمانية أن العمل هو نافذتها للفضاء العام، ويضمن حقها في الحصول على فرص متكافئة ‏لإدارة شأنها الخاص وخلاصها من التبعية والتهميش اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.

إلا أن واقع الحال يؤكد ‏أن المرأة العمانية لا تزال تواجه شبح البطالة، بل وتشكل النسبة الأكبر بين الباحثين عن فرص العمل في البلاد.

والملاحظ أنه كلما ارتفع المستوى التعليمي للمرأة ارتفعت نسب البطالة بين هذه الفئة، إذ أظهرت دراسة أجراها المركز الوطني ‏للإحصاء والمعلومات (رسمي) أن ٥٨.٤ بالمئة من النساء العاطلات عن عمل في عمان هنّ من حملة الشهادة ‏العليا.

وتشكل النساء أكبر نسبة بين الباحثين عن عمل بما يتجاوز ٥٦ بالمئة، إذ تبلغ نسبة النساء العاملات في سن (١٩-٣٠ عاما) نحو ٢١ بالمئة فقط من إجمالي العمالة الوطنية.

وتشير الإحصاءات بشكل صارخ إلى وجود حالة من التمييز ضد المرأة في التوظيف وغياب مبدأ تكافؤ ‏الفرص الذي ينص عليه النظام الأساسي للدولة. 

ويأتي ذلك من خلال استبعاد النساء من العديد من الوظائف، كما يقف النظام المتبع في المنافسة على الوظائف عائقاً ‏أمام النساء بالفعل في كثير من فرص العمل.

وحتى الآن لا تملك ‏الحكومة العمانية مبررات ناجعة لتهميش النساء من كثير من الوظائف والمناصب، ومن جهة أخرى، يتعاطى المجتمع ‏العماني مع فكرة عزل المرأة عن سوق العمل والحياة العامة.

ولذلك تتعالى الأصوات النسائية المطالبة بإزالة كل أوجه التمييز في مجالات التوظيف وإعادة النظر في هذه المسألة من أجل تمكين المرأة.

بيئة عمل آمنة

تلعب الأعراف الاجتماعية السائدة دوراً مؤثراً في حرمان النساء من المشاركة الاقتصادية، ومن ثم فإن عدم ‏توفر بيئة عمل آمنة للنساء هو أحد أسباب انسحابها من سوق العمل.

وكذلك اللجوء إلى التقاعد ‏المبكر، خصوصاً أن المجتمع يُصنف الوظائف إلى أعمال مقبولة اجتماعياً للمرأة وأخرى غير مقبولة متأثراً ‏بالصور النمطية للأدوار بين الرجل والمرأة.

وبالتالي تحرم العديد من النساء العمانيات من العمل في المرافق العامة والمؤسسات الرسمية وتواجه عددا من أوجه التمييز والتحرش والمضايقات في مختلف مجالات العمل.

تجنيس الأبناء

ويمثل تمرير العمانيات الجنسية لأبنائهن ثالث أهم القضايا الشائكة بعد التمكين السياسي والوظيفي، والتي عادة ما يدور حولها جدلا واسعا في المجتمع.

فيما يؤكد النظام الأساسي للدولة –بشكل صريح– في الباب الثالث المتعلق بالحقوق والواجبات ‏‏(المادة ٢١) أن المواطنين جميعهم سواسية ولا تمييز بينهم لأي سبب.

إلا أن الواقع لا يعبر عن هذه النصوص ويجسد نوعا من التمييز والتهميش ضد المرأة، ويأتي ذلك رغم توقيع السلطنة على اتفاقية سيداو لمنع كل أشكال التمييز ضد المرأة.

وأبقت الدولة العمانية ‏تحفظها على بعض المواد ومن ضمنها الفقرة الثانية من المادة رقم 9 التي تقتضي بمنح المرأة ذات الحق ‏المشروع في توريث الجنسية للأبناء أسوة بالذكور. 

وتتحدث الكثير من العمانيات عن هذا النوع من التمييز ‏حيث لا يتيح القانون للعمانيات المتزوجات من أجانب تمرير الجنسية لأطفالهن، كما أن غالبية مؤسسات ‏المجتمع المدني لا تقف مع مطالبهن. 

الأكثر من ذلك، دائماً ما يتم توجيه اللوم للنساء العمانيات على خيار الزواج من ‏الخارج واستنكار مطالبهن والتذرع بالمخاوف الأمنية لمنع توريث الجنسية لأبناء المواطنات.

العنف المجتمعي

ومنذ بدء النهضة العُمانية على يد السلطان قابوس، بدا حضور المرأة في الحياة السياسية ضعيفاً وباهتا بل يكاد يكون معدوماً، وسط قبول مجتمعي على العزلة والتغييب.

وتؤثر الصورة النمطية للمجتمع العماني بشكل ملحوظ على حضورها في المناصب السياسية، إذ لا يزال المجتمع يمارس وصايته وقوامته على المرأة، وهو ما يكون جلياً مع نتائج كل انتخابات في البلاد.

و‏تشير النتائج إلى أن العمل السياسي ذكوري وغير لائق للنساء، بحسب ما تتمخض عنه آراء الناخبين؛ وهو ما ‏يجعل النساء -إلى جانب أسباب أخرى- أقل حظّاً في التمثيل النيابي.‏

وتتصدر أولوية حماية المرأة من العنف الأسري الخطاب النسوي في السلطنة منذ أعوام، وهي القضية التي تواجه تجاهلاً من الهيئات والمؤسسات المعنية بتلقي بلاغات وقوع العنف ‏الأسري رغم تصدرها لوسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإعلامية لفترات طويلة.‏

مأزق عميق

بدورها، تقول الصحفية العمانية رفيعة الطالعي: "تواجه النساء مأزقا نيابيا عميقاً، فلا يعرف على وجه ‏التحديد من يمثل المرأة في عُمان، أو أي جهة يمكن اللجوء إليها لمعالجة أو مناقشة قضايا المرأة بشكل عام".

وأوضحت الطالعي في تصريح لـ"جسور بوست": "لا تتبنى جهة مستقلة قضايا النساء والدفاع عن حقوقهن والمطالبة بها، سواء على المستوى الوطني أو ‏على مستوى المجتمعات المحلية، رغم وجود أكثر من 60 فرعا لجمعيات نسوية تشرف عليها وزارة ‏التنمية الاجتماعية".‏

وأضافت: "يظهر في الساحة العمانية صوتان يسيران في خطين متوازيين لا يلتقيان في نقاط اتفاق أو نقاط ‏انطلاق موحدة، وهما المؤيد لكل سياسات الحكومة تجاه المرأة ولا ينتقد القوانين التمييزية ولا ‏الأعراف التي لا تمنح النساء حقوقاً عادلة ومتساوية، والآخر صوت ضعيف ‏يغرد خارج السرب وينتقد القوانين والسياسات غير المنصفة".

وتابعت: "مشكلة هذا النوع هو أنه غير منظم وغير موحد، ولا يعمل تحت مظلة واحدة، وفي ‏الوقت نفسه يواجه انتقادات شعبية عارمة، ويُتهم في الغالب بأنه يحمل أجندات غربية أو خارجية لا تتناسب مع ‏عادات وتقاليد المجتمع العماني الذي له خصوصية تميزه عن بقية المجتمعات البشرية".‏

واستطردت: "معظم القوانين والسياسات تمنح الرجل حقوقا لا تمنح للمرأة مثل حق ‏منح الجنسية لأبنائه من غير العمانية، وقانون الأحوال الشخصية التي ترد فيه مواد تميز بين الرجل ‏والمرأة".‏
 
 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية