دراما رمضان 2023 وثلاثية المشاهدات والتسليع والقيم الحقوقية

دراما رمضان 2023 وثلاثية المشاهدات والتسليع والقيم الحقوقية

يقال: "لا شيء أكثر رداءة من تسليع الثقافة والفن"، وربما ذاك الحسم القابع في حرف "لا" نابع من عدم مراعاة الفن "التجاري"، قيم حقوق الإنسان وكل ما من شأنه الارتقاء بمستوى الوعي الذهني والحس الوجداني للشعوب، بما يجعله أكثر تحضراً وإحساساً بالآخر، وغيرها من الصفات التي تسهم في تقدم الأمم. 

الأمر تتضح خطورته من دور الدراما التلفزيونية وتأثيرها في أذهان مجتمعات لا يزال ما يقرب من ثلثها أميًا، ولا تقوم مؤسساتها التربوية بدورها المأمول، عندئذ يصبح ما يعرض في هذا الجهاز المنزلي المسيطر هو المثل والقدوة. 

منطقيًا، ما المانع من موازنة الدراما بين تحقيق مكاسب مادية ومراعاتها قيما حقوقية، فلا تقتصر حقوق الإنسان على القوانين فحسب، بل يمكن للفن أن يعبّر عنها أيضًا.

وإذا كانت بعض المسلسلات تميل لاعتبار نفسها مجرد مساحات للتسلية، إلا أن انتشار مبدأ اعتبار الدراما التلفزيونية بعد تاريخها الطويل، مجرد وسيلة من وسائل الترفيه وغياب الدور الثقافي والاجتماعي والإنساني لها في إرساء مبادئ تمس الإنسان وحقوقه، أمر يضر بالعقل الجمعي المصري، الذي تُشكل الدراما جزءا من وعيه منذ الستينيات حتى الآن، عبر مئات الأعمال الدرامية ذات الموضوعات والأشكال المختلفة، والشخصيات المؤثرة، والتفاصيل التي خرجت من الشاشة وصارت جزءا من اللغة والتاريخ والمجتمع والوجدان العام. 

ويرى نقاد ومحللون، أنه ثمة مشكلات تواجه الإنتاج الدرامي، فأحد الأسباب المهمة في حدوث مثل هذه المتغيرات، هو انسحاب قطاعات الإنتاج التي كانت تسهم فيها الدولة، من إنتاج الأعمال الدرامية، ودخول الفضائيات ووكالات الإعلان كطرف فاعل في إنتاجها، واقتصار الإنتاج على جهتين فقط.

وفيما نجد المجلس الأعلى للإعلام المصري يهتم بالدراما ويضع لها ضوابط، نجد هذه الضوابط لا تشتمل على وجود لحقوق الإنسان بمبادئها المعروفة، فهي وكما نشرها المجلس على صفحته الرسمية ومن بعدها الصحف، “الالتزام بالكود الأخلاقي والمعايير المهنية والآداب العامة، فضلًا عن احترام عقل المشاهد، والحرص على قيم وأخلاقيات المجتمع، وتقديم أعمال تحتوي على المتعة والمعرفة، وتشيع البهجة وترتقي بالذوق العام، وتُظهر مواطن الجمال في المجتمع”.

ولا تخلو الساحة الدرامية في مصر من ضوابط ومعايير تعود بالأساس لقيم ومعايير حقوق الإنسان، حيث يقيم المجلس القومي لحقوق الإنسان المصري، حفلاً سنوياً لتكريم مبدعي الأعمال الدرامية التي تعرض في شهر رمضان من خلال اللجنة الثقافية، التي بدأت عملها عام 2011، واستمرت تمارسه سنوياً حتى الآن، التي تقوم بتوزيع جوائز الإنتاج الدرامي المتميز في مجال حقوق الإنسان، ويتم اختيارها وفقاً لمعايير تقيمها اللجنة الفنية والمكونة من 6 نقاد، أهمها أن يكون سياقها الدرامي متسقاً لمبادئ نشر ثقافة حقوق الإنسان من خلال قالب فني مُحكم وجاذب، يضمن وصول الرسالة للمشاهد. 

ويعتبر موسم رمضان هذا العام واحدا من أقوى المواسم الدرامية خلال الأعوام الأخيرة، ويشهد مشاركة عدد كبير من نجوم وصناع الدراما، يتنافسون بأعمالهم المتنوعة بين التشويق والأكشن والكوميديا والدراما الصعيدية والتاريخية والدينية وغيرها، كما يشهد منافسة ساخنة بين الفضائيات المختلفة والمنصات الرقمية التي تعرض المسلسلات دون إعلانات، ما يوفر فرصا أكبر للمتابعة لدى الجمهور.

وتصل الأعمال إلى 37 عملا دراميا، بعضها ينتمى لنوعية الـ15 حلقة، عرض في النصف الأول من رمضان، وأخرى تعرض خلال النصف الثاني من رمضان، من تلك الأعمال "الكتيبة 101، الكبير أوي، تحت الوصاية، سره الباتع، جعفر العمدة، كامل العدد" وغيرها.

ولكن هل راعت دراما 2023 حقوق الإنسان من خلال ما قدمته، موازنة بين كونها أعمالاً تجارية تستهدف تحقيق أرباح وبين قيم إنسانية وجودها حتمي؟

"جسور بوست"، ناقشت الأمر مع أربعة من الكُتّاب ونقاد الفن في مصر. 

مسلسلات رمضان 2023 - صورة أرشيفية

حقوق الإنسان حاضرة ولكن

قال الكاتب الصحفي والناقد الفني جمال عبدالناصر، إن الدراما الرمضانية هذا العام، تناولت قضايا حقوق الإنسان بأشكال مختلفة كقضية الميراث ووصاية الجد على الأولاد الذين توفي عنهم والدهم، وكيف أن القانون لا يسمح للأم بالوصاية المالية على أولادها، في مسلسل "تحت الوصاية"، وتأتي مناقشته القضية بهدف تعديل القانون على أن يؤول الميراث والوصاية المالية للزوجة حتى تنفقها على احتياجات الأولاد، خاصة ربما يكون الجد شخصا متسلطا، وإن كان دور الدراما العرض وليس تغيير القوانين.

وأضاف جمال عبدالناصر في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست"، رغم مراعاة بعض الأعمال الفنية الجانب الحقوقي، فإن البعض لم يفعل، ففي مسلسل "جعفر العمدة" الذي عرض قضية تعدد الزوجات، قدم النموذج السيئ للدراما الاجتماعية، رغم تحقيقه نسبة مشاهدة عالية، وذلك لاعتماده على "الخلطة الحراقة والتحابيش الدرامية"، كتلك التي خلعت زوجها دون علمه وتزوجت من آخر فيراها الزوج المخلوع في فرحها ويتفاجأ بأنها كانت تعيش معه في" الحرام"، وكذلك جعفر العمدة المتزوج من 4 يعشن جميعهن في بيت واحد، والغريب أن الزوجات الثلاث غاضبات لزواجه من رابعة.. المسلسل به خلل للمبررات الدرامية، كذلك في تعامله مع الزوجات فيه إهانة للمرأة، وكذلك تعامل أمه مع الزوجات فيه إهانة وعنف، أيضًا الصفع على الوجه ضد حقوق الإنسان.

واستطرد الكاتب الصحفي، مسلسل "سره الباتع" تناول قضية مهمة، فعند احتلال نابليون لقرية شطانوف عُيِّن بها قائد فرنسي دموي يقتل الفلاحين، وعند أسره من قبل الفلاحين ليقتلوه، رفض شيخ المسجد لأنه أسير وله حق الحماية، وهنا نرى أن المسلسل ناقش قضية مهمة جدًا وهي حقوق الأسرى المهدرة في كافة أنحاء العالم، فكان من الإيجابي عرض المسلسل لها، وهي مبادئ كان الإسلام أول من وضعها، فلا يجوز تعذيب الأسير أو تجويعه أو قتله.

Aucune description de photo disponible.

الجانب الحقوقي ليس هدفاً للدراما أصلاً

من زاوية مختلفة علق الكاتب الصحفي والروائي أحمد سمير بقوله: “إذا نظرنا لضوابط المجلس الأعلى للإعلام، سنجد أنها لا تتعرض لحقوق الإنسان، هي فقط تعرضت للصورة الذهنية لقيم الأسرة وأمور من هذا القبيل، فالجانب الحقوقي ليس ذا أهمية ولا يوجد ككود أخلاقي عند منتجي هذه المرحلة، وكيف سيدعم المنتج والمجلس الأعلى للإعلام شيء قُرر سلفًا بعدم وجوده أصلًا”.

وأضاف سمير في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست"، أمر آخر يتعلق بالكاتب ذاته، لقد حظينا يومًا بكتاب لهم رؤية ومعالجة جيدة وموقف مثل أسامة أنور عكاشة ووحيد حامد، لكن السائد حاليًا هو ما يعرف بـ"الورش"، وقد تكون ذات تكنيك جيد من حيث الكتابة لكنها تفتقد للرؤية والقضية، فضلًا عن عدم وجود تعددية إنتاجية، الغالبية صادرة عن جهتين محددتين هما "شاهد والمتحدة"، وكل هذا يجعل الأفكار فيها قدر من التكرار.

وعن تعدد الزوجات استطرد سمير، لا نستطيع القول إنه أمر جديد أو يتعلق بدراما هذا العام، هذا نوع من الفن الشعبي الذي يلقى رواجًا من قبل، كمسلسل نور الشريف الشهير "الحاج متولي"، ولكن المشكلة في عدم وجود التنوع وعدم وجود أفكار جديدة.

Aucune description de photo disponible.

حقوق الإنسان موجودة.. والتراجع فني

وقالت الكاتبة والناقدة الفنية فايزة هنداوي، إننا لا يمكننا القول إن هناك تجاهلا لحقوق الإنسان بشكل مطلق، فكما أن هناك مسلسل "جعفر العمدة"، الذي تناول قضية تعدد الزوجات وعرضها على أنها ميزة، هناك مسلسلات تدعو لحقوق الإنسان مثل "حضرة العمدة".

وتابعت فايزة في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست"، ليس هناك تراجع في حقوق الإنسان ولكن التراجع فني، وهناك العديد من المسلسلات التي تناولت قضايا مهمة، مثل مسلسل "حضرة العمدة" الذي يناقش قضية الميراث، ويرى أن من حق المرأة أن ترث مثلها مثل الرجل، وآخر يحارب التمييز، مثل تحت الوصاية والهرشة السابعة وكامل العدد جميعها يدعم حقوق الإنسان.

Peut être une image de 1 personne

الترفيه مشروع ولكن

يقول الناقد الفني عمرو صحصاح، إن عنصر التشويق والإمتاع والترفيه هو هدف مشروع للدراما التلفزيونية، بمعنى إذا كان الهدف الوحيد أو الأول من الدراما هو تحقيق هذا العنصر، فلا غبار على صناع العمل بشرط عدم خدش حياء المشاهد، أو نشر رسائل، لا يحمد عقباها، خاصة وأن في مجتمعنا المصري تعاني نسبة كبيرة من الأمية وعدم تفسير الأمور بشكل صحيح، فإذا تم تناول قضية ما مثل تعدد الزوجات وإظهارها للمشاهد بأنها حق مكفول لكل زوج لإرضاء نزواته، دون تقديم السلبيات التي تترتب على هذا الأمر فإن الدراما بذلك تتعارض مع حق المرأة لأنها أظهرتها كسلعة للإمتاع فقط. 

Aucune description disponible.

وأضاف صحصاح في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست"، أيضًا القضايا المهمة مثل الميراث، فإذا تم تقديم البطل الذي يسطو على ميراث أشقائه، دون تقديم عقوبة له وسط أحداث العمل أو تقديم نهاية مأساوية له، فإن الدراما في هذا الحالة تتعارض ليس فقط مع حقوق الإنسان ولكن أيضا مع حقوق الدين، خاصة وأن الدين الإسلامي حرم ذلك في آيات عدّة من القرآن الكريم، فلا مانع من تقديم جميع القضايا بشرط تقديم عواقب الخير وكذلك عواقب الشر، خاصة في ظل تأثر البسطاء من الشعب المصري والعربي بالدراما إلى حد كبير.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية