الاقتصاد التشاركي.. طوق نجاة لتحسين الأوضاع المعيشية وتحقيق التنمية المستدامة
وسط الأزمات الاقتصادية والمالية العالمية
على مدى سنوات اتجه العالم إلى الحديث عن نموذج اقتصادي متصاعد يرتكز على تنشيط النمط التشاركي أو التعاوني، والذي يُمكن من توزيع وتبادل وإعادة استخدام فائض السلع والخدمات.
ويشير مصطلح الاقتصاد التعاوني أو التشاركي "sharing economy" إلى مشاركة ما لدى الأشخاص من مهارات أو ممتلكات دون حواجز، ما يعني أن المستهلكين سوف يسعون للحصول على ما يحتاجون إليه فيما بينهم بدلًا من الذهاب إلى المنظمات والهيئات والشركات وغيرها.
وخلال السنوات الماضية، انتشرت مبادرات ومشروعات تحفز الاقتصاد التعاوني، لا سيما خلال فترات الإغلاق الذي فرضها تفشي فيروس كورونا، إذ أسهم هذا التوجه في توفير فرص عمل للسيدات اللاتي يجدن صعوبة في النزول إلى سوق العمل.
ووفق تقارير دولية متخصصة، بلغ حجم مبيعات الاقتصاد التشاركي أو الاقتصاد التعاوني 15 مليار دولار، ومن المتوقع أن يتجاوز حجم مبيعاته 335 مليار دولار بحلول عام 2025.
وتعمل التعاونيات في العديد من قطاعات الاقتصاد المختلفة، كما تسهم في تعزيز القدرة على مواجهة الأزمات، وخلق وظائف جيدة، والإسهام في الأمن الغذائي، والحفاظ على رأس المال داخل المجتمعات المحلية، والإسهام في تحقيق السلام وتحسين الظروف المادية للأفراد.
ويرتكز الاقتصاد التعاوني على المحور الإنساني وليس المحور المادي فحسب، ولذلك فإنه لا يركز على مسألة تكدس رأس المال، بقدر تركيزه على توزيع الثروة توزيعا عادلا.
ويعزز هذا النمط من الاقتصاد المساواة، حيث إنه قائم على فكرة المجتمع، وبالتالي فهو ملتزم بالتنمية المستدامة للمجتمعات في مختلف المجالات.
والتعاونيات هي مجموعة أشخاص يتحدون طوعياً من أجل العمل الاقتصادي المشترك، لضمان دخولهم السوق جماعة وليس أفرادا، والقيام بمهام معينة بطريقة أكثر كفاءةً وبجودة أفضل، بهدف دعم المصالح الاقتصادية لجميع الأعضاء بالاعتماد على الجهود الذاتية وليس بمساعدة أطراف ثالثة أو بدعم من الدولة.
وتأتي أهمية التعاونيات بوصفها رابطات ومؤسسات، يستطيع المواطنون من خلالها تحسين حياتهم فعلاً، فيما يسهمون في النهوض بمجتمعهم وأمتهم اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وسياسياً، وبات من المُسلَم به أنها واحدة من الأطراف المؤثرة المتميزة والرئيسية في الشؤون الوطنية والدولية.
وتتيح العضوية المفتوحة للتعاونيات إمكانية تكوين ثروة والقضاء على الفقر، وينتج عن ذلك المبدأ التعاون المتصل بالمشاركة الاقتصادية للأعضاء، حيث يسهم الأعضاء إسهاما متساويا ومنصفا وديمقراطيا في التحكم برأس مال التعاونية.
خلفية تاريخية
وظهرت أولى التعاونيات في اسكتلندا في مارس 1761، وفي عام 1844 أنشأت مجموعة من 28 حرفيا من العاملين في مصانع القطن في شمال إنجلترا مؤسسة تعاونية حديثة.
وتتسم الحركة التعاونية بقدر كبير من الديمقراطية والاستقلالية والتكامل الدولي، كما أنها تعد أحد أشكال تنظيم الرابطات والمؤسسات التي تعتمد على مسؤولية المواطنين في تحقيق غايات لا تشمل أهدافاً اقتصادية فحسب، ولكن تشمل أيضا أهدافاً اجتماعية وبيئية، من قبيل القضاء على الفقر، وكفالة العمالة المنتجة وتشجيع الاندماج الاجتماعي وغيرها.
واحتفلت الأمم المتحدة، باليوم الدولي للتعاونيات، مطلع إبريل من كل عام، تحت شعار "شركاء لتسريع التنمية المستدامة" بهدف إبراز أهميتها في تعزيز إنجازات المشاركة الاقتصادية والتنمية المستدامة ومواجهة الأزمات في جميع أنحاء العالم.
وعلى الصعد العالمي، يوحد التحالف الدولي للتعاونيات -تأسس عام 1895- الجمعيات والمؤسسات التعاونية في جميع أنحاء العالم ويمثلها ويقدم لها الخدمات اللازمة، كما يعد واحدا من أقدم المنظمات غير الحكومية من حيث الأعضاء الممثلين (يمثل التحالف ما يزيد على مليار عضو).
ويعمل التحالف الدولي للتعاونيات، مع الحكومات والمنظمات العالمية والإقليمية، بهدف إتاحة البيئات التشريعية التي تسمح بتكوين التعاونيات ونموها في مختلف المجالات.
ونظرًا لأن الحركة التعاونية هي واحدة من أقدم وأكبر شبكات الأعمال في العالم، فقد كانت أول مجموعة من الشركات في العالم لتزكية أهداف التنمية المستدامة، واُعترف بها شريكا في تحقيق هذه الأهداف.
موارد مهدرة
بدوره قال عضو مجلس إدارة الاتحاد العام للتعاونيات المهندس عصام بدوي، إن الاقتصاد التعاوني قائم على فلسفة تقديم السلع أو الخدمات للمجتمع دون استغلال أو احتكار.
وأشار بدوي، في تصريح لـ"جسور بوست" إلى أن نشأة فكرة التعاون بدأت في المجتمعات الرأسمالية بهدف حل المشكلات الاقتصادية المعقدة، من هنا جاءت فكرة التعاونيات.
وأكد بدوى، أنه لا يوجد لدى المجتمعات العربية الثقافة التعاونية، قائلا: "لدينا الكثير من الأصول لو تم استغلالها سيكون لدينا قيمة كبيرة جداً، وسيتم تقديم السلع والخدمات بأسعار تنافسية".
وشدد على ضرورة إيجاد دعم مالي في صورة تسهيلات للمشروعات الصغيرة للجمعيات التعاونية، لافتا إلى ضرورة الربط والتشبيك وتبادل الخبرات بين الجمعيات التعاونية في مختلف دول العالم.
واختتم بدوي، قائلا: "نأمل أن يمنح الاقتصاد التعاوني أو التشاركي فرصة للإسهام في حل الأزمات الحالية في مختلف المجالات الزراعية والاستهلاكية والإسكانية والمصرفية والتعليمية غيرها".
بدورها لفتت استشاري قضايا التمكين الاقتصادي والاجتماعي منى عزت، إلى أن المجتمعات العربية في أشد الاحتياج إلى تعزيز الاقتصاد التعاوني القائم على رؤوس الأموال الصغيرة ومتناهية الصغر.
وأوضحت منى في تصريح لـ"جسور بوست"، أن التعاونيات تساعد على توفير الموارد المالية لتحسين الإنتاجية وتطوير خطة للتسويق وزيادة القدرات والمهارات للمنتجين، وتعزيز التكامل بدلا من المنافسة، ومن ثم ضمان استمرارية العائد الربحي.
وأضافت: "العائد الربحي في التعاونيات عادة ما يوزع بالتساوي بين المتعاونين وفق حصة الأسهم في المؤسسة التعاونية، الأمر الذي يساعد على تعزيز وتطوير المشروعات وزيادة رأس المال".
وينتمي ما يزيد على 12 بالمئة من سكان العالم إلى واحدة من 3 ملايين مؤسسة تعاونية في العالم، ووصل إجمالي مبيعات أكبر 300 تعاونية إلى ما يزيد على ملياري دولار أمريكي.
وتوظف التعاونيات 280 مليون شخص حول العالم (أي 10 بالمئة من مجموع العاملين في العالم)، وفق تقديرات الأمم المتحدة.