تقرير أممي يدعو للانتقال لاقتصاد أخضر قائم على حقوق الإنسان
ضمن فعاليات الدورة الـ54 لمجلس حقوق الإنسان
خلص تقرير تستعرضه مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ضمن فعاليات الدورة الـ54 لمجلس حقوق الإنسان المنعقدة خلال الفترة من 11 سبتمبر إلى 6 أكتوبر 2023، إلى أن تغير المناخ أثر على الطريقة التي يعمل بها الناس، مطالبة الدول باتخاذ تدابير وإجراءات فعالة للتخفيف من آثار تغيير المناخ والتكيف معه، بما في ذلك تغييرات في أنماط الإنتاج والاستهلاك، والانتقال العادل إلى اقتصاد أخضر قائم على حقوق الإنسان بما في ذلك الحق في العمل.
واستند تقرير مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، الذي جاء تحت عنوان "مستقبل الحق في العمل من زاوية الإجراءات المتعلقة بتغير المناخ وعمليات التصدي له وآثاره في سياق اقتصادات مستدامة وشاملة للجميع"، على نتائج ورشة عمل عقدها مجلس حقوق الإنسان، في سبتمبر 2022 تحت عنوان "مستقبل الحق في العمل" برئاسة ألمانيا، ومشاركة نائبة مفوض الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ندى الناشف، وسفير مصر لدى الأمم المتحدة، أحمد إيهاب جمال الدين.
وضمت 4 محاورين، هم: نائب المدير العام لشؤون السياسات في منظمة العمل الدولية، فيكتور فان فورين، والمقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان في سياق تغير المناخ، إيان فراي، والمبعوث الخاص المعني بتمويل خطة التنمية المستدامة لعام 2030 وبطل تغير المناخ رفيع المستوى للدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، محمود محيي الدين، والأمينة العامة للاتحاد الدولي لنقابات العمال، شاران بورو.
وخلصت المفوضية، إلى أن العمل المناخي يتطلب إجراء تغييرات في اقتصادات العالم والطريقة التي يعمل بها الناس، وبذل جهود منسقة وحاسمة على الصُعد الدولية والوطنية والإقليمية والحكومية والفردية، بما في ذلك مستوى مؤسسات الأعمال، من أجل التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه.
ودعت المفوضية الحكومات إلى اعتماد سياسات اقتصادية تتماشى مع التزاماتها في مجال حقوق الإنسان في ما يتعلق بالعمل المناخي عن طريق الحد بشكل جذري من انبعاثات الغازات الدفيئة الناجمة عن العمل والإنتاج والاستهلاك، مع القيام في الوقت نفسه بتعزيز الانتقال العادل نحو اقتصادات ومجتمعات مستدامة بيئيا للجميع.
وأشارت "الناشف" إلى أن أزمة المناخ تتطلب من الدول اتخاذ إجراءات وتدابير من شأنها خلق وظائف جديدة في قطاع الطاقة النظيفة والمتجددة وإزالة وظائف أخرى منها على سبيل المثال تلك الموجودة في صناعات الفحم والغاز والنفط.
وشددت على أن هذا الانتقال يتطلب حماية العاملين من البطالة من خلال اعتماد سياسات تدعم معايير حقوق الإنسان، وتولي الاهتمام الكافي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مشيرة إلى أن التعليم يؤدي دورا محوريا في تحقيق ذلك.
دور المرأة
شدد تقرير مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، على ضرورة كفالة حقوق المرأة وضمان مشاركتها الهادفة في الاقتصاد، حيث يوجد 740 مليون امرأة يكسبن عيشهن في الاقتصاد غير الرسمي.
وأشارت نائبة مفوض حقوق الإنسان، إلى أن الانتقال بعيدا عن اقتصادات الوقود الأحفوري سيتيح الفرصة للاستثمار في قطاع الرعاية، وهو مجال يعمل فيه كثير من النساء، والذي يتسم بوضعه غير المستقر وأنه لا يتيح الوصول إلى التأمينات الاجتماعية، مشيرة إلى أن الاستثمار في هذا القطاع يدعم حق المرأة في التمتع بأوضاع عمل آمنة وعادلة.
ومن جانبه، قال السفير "جمال الدين"، إن الحق في العمل ليس فقط ضروريا لإعمال حقوق الإنسان الأخرى ولكن هو أيضا جزء لا يتجزأ من كرامة الإنسان والعدالة الاجتماعية، ولا بد منه للبلوغ إلى هداف التنمية المستدامة 2030.
وشدد "جمال الدين" على أن المجتمع الدولي مدعو لمواجهة التحدي الذي تشكله التغيرات المناخية بصورة جماعية فعالة وسريعة، بما في ذلك تغطية العمال والمجتمعات المتأثرة بالتغيرات المناخية بالحماية الاجتماعية، من خلال استثمارات أوسع نطاقا تهدف إلى خلق فرص اقتصادية، فضلا عن التدريب المناسب ومساعدة الباحثين عن عمل، لضمان تحقيق انتقال عادل.
وشدد "فورين" على أن العمل أمر أساسي لوجود كل فرد من البشر، وكذلك لتماسك المجتمعات ولسير عمل الاقتصادات، وأنه جزء لا يتجزأ من خطة التنمية المستدامة 2030 عن طريق الهدف 8,
واعترفت منظمة العمل الدولية بأن عالم العمل يمر بتغير تحويلي، ودعت إلى ضمان الانتقال العادل إلى مستقبل للعمل يسهم في التنمية المستدامة.
ومن بين تلك التحديات، ووفقا لمنظمة العمل الدولية، يمكن بحلول 2030 فقدان ما يعادل من 80 مليون وظيفة بدوام كامل، إما لأن الجو أحر مما ينبغي للعمل أو لأنه يكون على العمال أن يعملوا بوتيرة أبطأ بسبب الحر.
ووفقا لتقديرات المنظمة، يمكن خلق 24 مليون وظيفة جديدة بحلول 2030 إذا جرى العمل على تنفيذ اتفاق باريس بشأن تغير المناخ، ويمكن خلق 78 مليون وظيفة أخرى في سياق الانتقال إلى اقتصاد دائري، وفي حين أن التحول إلى الاقتصادات منخفضة الكربون سيؤدي إلى فقدان نحو 78 مليون وظيفة، سيظل هناك رصيد إيجابي من الوظائف الجديدة.
واستدرك "فوين" قائلا إنه ينبغي عدم الاستهانة بحجم وصعوبات التحولات الهيكلية، ومن بينها التوزيع الجغرافي غير المتكافئ لخلق فرص عمل وفقدان أخرى، مشيرا إلى أن الانتفال إلى الاقتصاد الأخضر لا يؤدي تلقائيا إلى تحقيق نتائج شاملة ومنصفة للجميع، بل إنه قد يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة القائمة، وخاصة بين النساء والأشخاص ذوي الإعاقة والشعوب الأصلية والعمال المهاجرين.
البلدان النامية
قال "فراي"، إن البلدان النامية تواجه تحديا مزدوجا يتمثل في توفير العدالة في مجال الطاقة لسكانها، والقيام في الوقت نفسه بإيجاد خيارات الاكتفاء الذاتي والطاقة المتجددة للوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاق باريس.
وكثير من البلدان النامية، وخاصة البلدان الأقل نموا تفتقر إلى التكنولوجيا اللازمة للانتقال إلى اقتصاد الطاقة المتجددة وتوفير شبكات الأمان اللازمة للعاملين بالتدريب على المهارات كوسيلة للبحث عن فرص عمل بديلة.
واختتم المقرر الخاص كلمته بالقول إن تغير المناخ يؤثر تأثير هائلا على اقتصادات كثير من البلدان النامية، وهذا يؤثر بدوره على فرص ملايين الناس في الحق في العمل، رغم أن هذه التغيرات المناخية لم تكن من صنعهم، إذ تقع المسؤولية على البلدان الرئيسية المنتجة للغازات الدفيئة، وقد حان الوقت لأن يدفع الملوثون تكلفة الخسائر والأضرار التي يتسببون فيها.
ومن جانبه، قال "محيي الدين" إنه من غير الواقعي القيام بعمل مناخي دون وضع أهداف التنمية المستدامة في الاعتبار، مشيرا إلى الهدف 8 من أهداف التنمية المستدامة المتعلق بفرص العمل اللائق والنمو الاقتصادي، وأن الانتقال العادل إلى نموذج اقتصادي يتسم بانخفاض الانبعاثات والقدرة على الصمود إزاء تغير المناخ يعني ضمان أن يحمي العمل المناخي كوكب الأرض والناس والاقتصاد.
وقالت "بورو"، إنه لا توجد أزمة أكبر من تلك الناشئة عن سوء استخدامنا للوقود الأحفوري، مشيرة إلى أن الأزمة هي أزمة انعدام مساواة وتتطلب توفير التمويل لأولئك الذين لم يخلفوا حالة الطوارئ الحالية، ولكنهم يعانون من تأثيرها.
واتفق المشاركون في ورشة العمل على أن البلدان بحاجة إلى التقدم نحو الاقتصاد الأخضر، وفقا لإعلان المئوية من أجل مستقبل العمل الصادر عن منظمة العمل الدولية، مع اتخاذ إجراءات طموحة للتخفيف والتكيف تسترشد دائما بنهج يراعي حقوق الإنسان والفوارق بين الجنسين من أجل إيجاد بيئات شاملة وتمكينية للجميع.