الذكرى الـ11 للثورة الليبية.. أنين الذكريات بين ما كان مأمولاً وما حدث

الذكرى الـ11 للثورة الليبية.. أنين الذكريات بين ما كان مأمولاً وما حدث

أحيا الليبيون يوم الخميس 17 فبراير الذكرى الحادية عشرة لانطلاق الثورة التي أسقطت نظام العقيد معمر القذافي عام 2011، هذه الثورة التي خرج بها الشعب على أمل دفع الأمور للأحسن والاتجاه نحو تحول ديموقراطي يأخذ بيد الدولة نحو الرخاء والاستقرار وكل ما هو أفضل للأجيال الليبية الحالية والقادمة، لكن سقطت آمالهم في الهاوية حيث وجدوا أنفسهم في منحنى منزلق صعب الخروج منه، وأضحوا أمام زمن يمر فيه الانتقال إلى الديموقراطية على جسر هش كشعرة الرأس يثير المخاوف من تجدد العنف، على وقع تصاعد الخلاف السياسي بين جميع الأطراف.

حيث تحل الذكرى السنوية للثورة في وقت تتعاظم فيه الانقسامات بين الشرق والغرب، فقد وجدت البلاد نفسها منذ العاشر من فبراير أمام رئيسي وزراء متنافسين في طرابلس، جراء عدم تقدمها نحو الاستحقاق الانتخابي الذي كان محددا نهاية العام 2021، فقد كان مفترضا أن يضع هذا الاستحقاق الانتخابي ليبيا على سكة وحدة الصف والتحول الديموقراطي من خلال صناديق الاقتراع والتقدم نحو حياة سياسية طبيعية؛ لكن الظروف والانقسامات حالت دون ذلك.

وبعد عدم المقدرة على تحقيق الاستحقاق الانتخابي المأمول، عين مجلس النواب الذي يتخذ من الشرق الليبي مقراً له، وزير الداخلية السابق والسياسي المخضرم فتحي باشاغا رئيسا للحكومة محل عبد الحميد الدبيبة، لكن الدبيبة وضح بشكل كامل عدم استعداده التخلي عن السلطة إلا لسلطة منتخبة، الأمر الذي شكل وضعاً سياسياً معقداً، ويثير مخاوف من تجدد الصراع المسلح.

وبمناسبة ذكرى الثورة التي بدأت في خضم ما عرف بالربيع العربي، وهو في واقع الأمر خريف، تزينت شوارع طرابلس باللون الأحمر والأسود والأخضر، ألوان الشعار الوطني الذي تم اعتماده بعد سقوط النظام السابق، أقيمت حفلات موسيقية مع أغانٍ ثورية وألعاب نارية في ساحة الشهداء في طرابلس حيث كان القذافي يحب إلقاء خطاباته، قبل أن يسقطه الشعب في 17 فبراير 2011.

وبين ما كان مأمولا وما يحدث في الواقع، تعد الانقسامات العميقة والتدخلات الخارجية وانعدام الأمن أكبر ما يعوق المأمول، ويجعل ليبيا عاجزة عن الخروج من أزمتها التي تُسبب آثاراً كبيرة على سكانها السبعة ملايين، فعلى الرغم من احتياطيات النفط الوفيرة في البلاد التي يفترض أن تضمن لليبيين مستوى معيشيا مريحاً، ألا أن الحادث يرفض مقابلة المأمول.

فعلى الصعيد السياسي، مر على ليبيا منذ سقوط نظام القذافي ما لا يقل عن 9 حكومات، وخاضت حربين أهليتين وفي الأخير لم تنجح في تنظيم انتخابات رئاسية.

والآن تتصاعد التوترات بعد التعيين المثير للجدل لرئيس الوزراء الجديد، فقد اجتمعت المجموعات المسلحة في مصراتة في طرابلس في نهاية الأسبوع السابق، للتعبير عن دعمها للدبيبة، واستعراض قوة في قلب العاصمة طرابلس، وهذا يشير إلى احتمالية تفاقم الأمور والانزلاق في حرب أهلية مرة أخرى، لكن هذه المرة قد تسقط ليبيا في مستنقع المجهول ويحدث أكبر مخاوفنا وهو تقسيم ليبيا.

فبعدما كان هناك أمل حقيقي في التهدئة، في نهاية العام 2020، بعد ما تم التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار تلاه إطلاق عملية سلام أنتجت سلطة تنفيذية موحدة للمؤسسات في عموم البلاد، حيث جاء هذا الاتفاق بعد فترة وجيزة من فشل المشير خليفة حفتر، رجل الجيش العتيد، في غزو طرابلس، لكن سرعان ما اتضح عدم كفاية هذا الاتفاق لتحقيق الوحدة المبتغاة، في ظل صراع محموم على السلطة.

ومن خلال هذا الاتفاق، عُين الدبيبة قبل سنة على رأس حكومة انتقالية، بعدما فازت قائمته على قائمة عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، وكانت مهمة هذه الحكومة هي توحيد المؤسسات وقيادة البلاد نحو انتخابات رئاسية وتشريعية، حدد موعدها في 24 ديسمبر 2021 الماضي.

لكن الخلافات العميقة حالت دون ذلك، وأدت في نهاية المطاف إلى تأجيل هذه الانتخابات إلى أجل غير مسمى، بعدما كان المجتمع الدولي والمحلي يعلقان آمالاً كبيرة على هذه الانتخابات، التي كانت ستساهم في استقرار البلاد التي تحولت إلى منصة انطلاق للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، ومستنقع تسبح فيه الجماعات المتطرفة.

لكن وعلى الرغم من كل السلبي الذي ذُكر سابقاً، ألا أن هناك بعض الأحداث الإيجابية التي تشير إلى بصيص من الأمل، فمثلاً لم تشهد ليبيا أي معارك كبيرة بالأسلحة النارية منذ يونيو 2020، والعديد من الفرقاء والأطراف المتعادية قبل عامين أصبحوا يتحدثون ويتقابلون، بل ويتحالفون في بعض الحالات.

باشاغا ذاته المُعين رئيساً للوزراء من قبل من مجلس النواب، أظهر في ديسمبر الماضي أي قبل تأجيل الانتخابات التي كان مرشحاً لها، تقارباً مع السلطة المنافسة التي كانت تتخذ من الشرق مقرا، عندما سافر إلى بنغازي والتقى اللواء حفتر، بالرغم من وصفه لحفتر في وقت سابق بـالدكتاتور المتعطش للسلطة.

وعلى وقع بصيص الأمل هذا، يمكننا توقع اتجاه البلاد إلى تشكيل سلطة تنفيذية جديدة منفتحة على جميع الفرقاء دون استثناء، بما في ذلك قيادة الجيش، وإلى تحقيق اتفاق عملي بين مجلسي النواب والدولة، تمهيداً لتنظيم انتخابات تحظى بموافقة الجميع على قبول نتائجها، كما قد يستطيع الدبيبة وباشاغا الوصول إلى توافقات، فالذي جعل باشاغا يزور حفتر الذي كان يصفه بالدكتاتور، هو نفسه الذي قد يجعله يصل لتفاهمات مع الدبيبة. 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية