إلى متى تعاني منطقة الساحل الإفريقي؟
إلى متى تعاني منطقة الساحل الإفريقي؟
تمتد منطقة الساحل من المحيط الأطلسي شرقا إلى البحر الأحمر وتضم السودان وإفريقيا الوسطى، وتعاني هذه المنطقة منذ العام 2010 أزمة حادة في الغذاء، الأمر الذي دفع منظمة الأمم المتحدة حينها إلى جمع 2 مليار دولار من أجل 20 مليون شخص في منطقة الساحل الإفريقي في عام 2013، كانوا يواجهون أزمة غذاء حادة، وقد تلقت الأمم المتحدة من المانحين 60% فقط من هذا المبلغ عام 2013، إذ جمعت 1،7 مليار دولار.
وأشار تقرير الأمم المتحدة آنذاك إلى أن الدول المهددة بأزمة غذاء حادة هي موريتانيا وغامبيا ومالي والنيجر ونيجريا وبوركينا فاسو والسنغال والكاميرون، وأضاف أن وضع أعداد كبيرة من السكان في منطقة الساحل، التي تعد إحدى أفقر المناطق في العالم، مقلقة للغاية.
ظلت الأزمة تتفاقم بلا حلول جذرية، وفي العام 2018 جدد المسؤولون الأمميون قلقهم إزاء الوضع، حيث حذر مسؤول الشؤون الإنسانية والمساعدات الطارئة في الأمم المتحدة، من تفاقم الأزمة الغذائية في منطقة الساحل الإفريقي والتي رفعت معدلات سوء التغذية إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2012.
جعلت هذه الأزمة 1.5 مليون طفل يعانون نقصا حادا في التغذية، كما أن مخزونات الغذاء لملايين الأشخاص قد نفدت، أصبحت العائلات تخفض عدد الوجبات وتسحب الأطفال من المدارس وتهمل العناية الطبية اللازمة من أجل توفير المال لشراء الطعام.
والآن في أحدث التقارير، كشف برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة عن ارتفاع عدد الأشخاص المعرضين للمجاعة في جميع أنحاء منطقة الساحل الإفريقي بنحو 10 أضعاف خلال السنوات الثلاث الماضية، فيما زادت نسبة النزوح بحوالي 400%، وسط أزمة غذاء مروعة في المنطقة.
حيث لاحظت الوكالة الأممية أن هذه المنطقة الواسعة الممتدة في جنوب الصحراء تواجه في الوقت الحالي أحد أسوأ أوضاع أزمة الغذاء منذ عدة سنوات.
وقال المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، ديفيد بيزلي، في تصريحات من بنين بعد زيارة تفقد خلالها عمليات البرنامج في النيجر وتشاد، "هناك أزمة مطلقة تتكشف أمام أعيننا في منطقة الساحل"، وأفاد في بيان للأمم المتحدة بأن عدد الأشخاص المعرضين للمجاعة قد ارتفع بمعدلات تثير القلق، خلال 3 سنوات الماضية فقط، فقد قفز العدد من 3.6 مليون إلى 10.5 مليون شخص في بلدان الساحل، بوركينا فاسو، وتشاد، ومالي، وموريتانيا والنيجر.
ومن المتوقع أن تتجاوز الأزمة الحالية السنوات السابقة بسبب عوامل متعددة، من ضمنها انعدام الأمن، وزيادة الفقر بفعل جائحة كورونا (كوفيد-19)، والزيادات الهائلة في تكلفة المواد الغذائية الأساسية.
ونقل البيان عن بيزلي قوله تحدثتُ مع الأسر التي عانت بأكثر مما يمكن تصوره، فقد طاردتهم الجماعات المتطرفة من منازلهم، وأصابهم الجوع الشديد بسبب الجفاف، وأصبحوا بلا أمل بسبب التداعيات الاقتصادية السلبية جراء تفشي وباء كوفيد-19 في العامين السابقين.
ولاحظ بيزلي أن الاحتياجات كبيرة للغاية في هذه المنطقة، وبالرغم من ذلك فإن استجابة المجتمع الدولي ضحلة، حيث إن تعبئة الموارد لدعم الفئات الضعيفة أصبحت في أسوأ أحوالها، الأمر الذي يجبر برنامج الأمم المتحدة للأغذية على اتخاذ إجراء صعب للغاية يتمثل في الأخذ اضطرارا من الجائعين لإطعام المتضورين جوعا، ففي النيجر، على سبيل المثال، دفع نقص تمويل برنامج الأغذية العالمي لخفض الحصص الغذائية بمقدار النصف.
وكشف البيان أن برنامج الأغذية العالمي يحتاج إلى 470 مليون دولار أمريكي خلال الأشهر الستة القادمة لمواصلة العمليات في منطقة الساحل، وعلى الرغم من الظروف الأمنية الصعبة، إلا أن الوكالة الأممية عملت مع الشركاء في المجال الإنساني للحفاظ على الدعم المنقذ للأرواح، ليغطي 9.3 مليون شخص في البلدان الخمسة في عام 2021.
وتعاون برنامج الأغذية العالمي، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، مع المجتمعات المحلية لتحويل 270 ألف فدان من الحقول غير صالحة للزراعة في منطقة الساحل في 5 بلدان إلى أراضٍ زراعية ورعوية منتجة، وتحسين حياة أكثر من 2.5 مليون شخص.
وأصبحت المجتمعات التي استفادت من أنشطة بناء القدرات على الصمود بشكل أفضل نسبياً في مواجهة هذه الأزمة الغذائية غير المسبوقة، مع تمكينها من زراعة ما يكفي من الغذاء لتغطية احتياجاتها وتنويع إنتاجها ودخلها.
إجمالا، تشير الأوضاع في دول الساحل إلى استمرار تفاقم مشكلة نقص الغذاء إلى أجل غير منظور، بسبب تملص المجتمع الدولي من التزاماته، كما أن النزاعات المسلحة المتزايدة وتدهور الأوضاع الأمنية وانتشار الفقر وتأثير تغير المناخ، تشكل مجتمعة تهديداً حقيقياً لبلدان الساحل الإفريقي، الأمر الذي يعطي الأوضاع المزيد من التعقيد ويحول دون الوصول لحل للأزمة الغذائية.
لا بد من أن يضطلع المجتمع الدولي وبخاصة أوروبا، بالتزاماته نحو إفريقيا وخصوصاً منطقة الساحل القريبة من السواحل الشمالية لإفريقيا، فإذ لم تساعد أوروبا في إنهاء هذه الأزمة، قد تشهد موجات من الهجرة غير الشرعية نحوها هرباً من الأزمة الغذائية والظروف المعيشية.