الذكاء الاصطناعي يسهم في تحسين الخدمات الحكومية بالوطن العربي
العرب والذكاء الاصطناعي "4"
في عصر التكنولوجيا الرقمية المتسارعة، يشهد العالم تحولًا هائلاً في تقديم الخدمات الحكومية، وذلك بفضل استخدام التقنيات المبتكرة مثل الذكاء الاصطناعي.
تتبنى الدول العربية هذه التكنولوجيا الحديثة بخطى ثابتة، بهدف تحسين الخدمات الحكومية وتبسيط الإجراءات الإدارية، وتعزيز الشفافية والمساواة.
في هذا التقرير، وفي حلقة جديدة من "العرب والذكاء الاصطناعي"، سنستكشف كيف يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحقيق هذا الهدف في الوطن العربي.
الأسس الأساسية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الخدمات الحكومية
تتميز التقنية العصرية للذكاء الاصطناعي بقدرتها على معالجة كميات ضخمة من البيانات وتحليلها بشكل ذكي، ما يمكِّن الحكومات من اتخاذ قرارات أفضل وأكثر فاعلية.
هناك محاولات عربية متنوعة ورغبة واضحة في اللحاق بموقع متقدم ضمن منافسات الذكاء الاصطناعي، وهو ما أظهره المؤشر الذي كشفت عنه جامعة "ستانفورد" مؤخراً ويصنف مجموعة من الدول حسب قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي على المستوى العالمي، ويتمحور حول محاور ثلاثة هي: (التنفيذ والابتكار والاستثمار) ويعتمد على عدة معايير منقسمة إلى سبع ركائز فرعية وهي (تحت محور التنفيذ: المواهب والبنية التحتية والبيئة التشغيلية)، (وتحت محور الابتكار: البحث والتطوير)، (وتحت محور الاستثمار: الاستراتيجية الحكومية والتجارة).
واحتلت دولة الإمارات المرتبة الأولى على الصعيد العربي، والـ28 عالمياً، تلتها المملكة العربية السعودية في المرتبة الثانية عربياً والـ31 عالمياً، ثم قطر في المرتبة الـ42 عالمياً، ومصر في المرتبة الـ52 عالمياً.
وتستكشف العديد من الدول إمكانات الذكاء الاصطناعي (AI) لتحسين خدماتها الحكومية، ومع ذلك فإن ليس كل تقنيات الذكاء الاصطناعي مناسبة لكل خدمة أو عملية حكومية، خاصةً مع الأخذ في الاعتبار أن الشفافية والمساءلة تظلان من أهم الاهتمامات في القطاع العام.
وفي مقال جديد نُشر في المجلة الدولية للبحوث الحكومية الإلكترونية (IJEGR)، حلل مدير مركز التكنولوجيا في الحكومة (CTG UAlbany) جيل جارسيا، والبروفيسور يي لونج من جامعة شنغهاي للعلوم السياسية والقانون، عمليات الذكاء الاصطناعي التي تُستخدم حاليًا في الصين لإدارة الخدمات الحكومية.
وجد الباحثان أن مبادرة "الفحص والموافقة الذكية" (SEA) في الصين، وهي ابتكار حكومي يعتمد على الذكاء الاصطناعي، لديها العديد من المزايا، مثل الكفاءة وسرعة المعالجة ومع ذلك، فإنها تثير أيضًا بعض التحديات المتعلقة بالشفافية والمساءلة.
على سبيل المثال، يمكن أن يكون من الصعب تتبع القرارات التي يتخذها النظام الذكي، ما قد يجعل من الصعب التحقق من العدالة والنزاهة، بالإضافة إلى ذلك يمكن أن تكون الأنظمة الذكية عرضة للتحيز، ما قد يؤدي إلى التمييز ضد بعض الفئات السكانية.
بناءً على بحثهما، يقترح جارسيا ويي أن الحكومات يمكن أن تفكر في مناهج هجينة لدمج الذكاء الاصطناعي في خدماتها الحكومية على سبيل المثال، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لعمليات التحقق الأولية، بينما يمكن ترك القرارات النهائية لموظفي الحكومة البشريين.
ويقترح الباحثون تصنيفًا للخدمات من خلال النظر في مدى الأتمتة وشفافية العمليات المطلوبة لأنواع مختلفة من الخدمات على سبيل المثال، قد تكون الخدمات التي تتطلب قدرًا كبيرًا من التقدير أو الحكم البشري أقل ملاءمة للذكاء الاصطناعي من الخدمات التي يمكن أن يتم معالجتها بقواعد محددة.
ويخلص جارسيا ويي لونج إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي في الخدمات الحكومية يمكن أن يكون له العديد من الفوائد، ولكن من المهم أيضًا أن تكون على دراية بالتحديات المحتملة.
من خلال إجراء البحوث والتخطيط الدقيق، يمكن للحكومات أن تستفيد من الذكاء الاصطناعي بطريقة شفافة ومسؤولة.
وفي المجال الحكومي، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين عدة جوانب، بما في ذلك تبسيط الإجراءات الإدارية، ويتطلب الحصول على الخدمات الحكومية في العديد من الدول العربية إجراءات معقدة ومتعددة، ما يؤدي إلى تكرار الجهود وزيادة البيروقراطية، ومع استخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن تبسيط هذه الإجراءات من خلال التعرف على العمليات المتكررة وتطبيق الأتمتة، ما يوفر الوقت والجهد للمواطنين.
ومن خلال تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في الخدمات الحكومية، يمكن تحسين تجربة المواطنين من خلال توفير أنظمة اتصال فعالة ومتكاملة، وتقديم إجابات سريعة ودقيقة للاستفسارات، وتخصيص الخدمات وفقًا لاحتياجاتهم الفردية، إلى جانب تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد.

فوائد جمة
وعلق عضو مجلس النواب البحريني الدكتور علي زايد بقوله إن الذكاء الاصطناعي يعتبر أداة فعالة لتعزيز الشفافية في الخدمات الحكومية، حيث يمكن استخدامه في مراقبة العمليات والكشف عن أي نمط غير قانوني أو غير مشروع، ويمكن للذكاء الاصطناعي أيضًا تحليل البيانات واكتشاف الأنماط غير الملائمة والاتجاهات السلبية، مما يسهم في مكافحة الفساد وتعزيز النزاهة في العمل الحكومي، لقد شهدنا في السنوات الأخيرة تطبيقات ملموسة للذكاء الاصطناعي في الخدمات الحكومية في الدول العربية، في تحسين الخدمات الصحية، يمكن للتقنية الذكية تحليل البيانات الطبية وتوفير تشخيصات دقيقة وعلاجات ملائمة، ما يساعد على تحسين جودة الرعاية الصحية وتخفيف العبء عن المرضى والمؤسسات الصحية.
وأضاف الدكتور علي زايد لـ"جسور بوست"، يمكن أيضًا تحسين خدمات تؤدى في البرلمانات العربية، كأن يستخدم في تحليل بيانات الانتخابات ودقتها ومتابعتها وكذلك أبحاث النواب والمعلومات الخاصة بكل ما يقومون به حتى ما يتعلق بالدوائر الانتخابية، أيضًا تعاني العديد من المدن العربية من تحديات في مجال النقل العام، مثل الازدحام وعدم الكفاءة، باستخدام الذكاء الاصطناعي، ويمكن تحسين نظم النقل العام من خلال توقعات حركة المرور، وتحسين جداول الرحلات، وتوفير معلومات دقيقة للمسافرين، وتعزيز تجربة النقل العام بشكل عام.
واستطرد: من الخدمات التي يؤديها أيضًا الذكاء الاصطناعي، تعد الإجراءات الجمركية من بين أكثر العمليات التي تتطلب الكثير من الوقت والجهد في الحكومات، باستخدام الذكاء الاصطناعي، ويمكن تسهيل وتسريع هذه الإجراءات من خلال تحليل المستندات والتحقق من البيانات، وبالتالي تحسين كفاءة الجمارك وتقليل الازدحام والتأخيرات.

الدكتور علي زايد
وأتم: يمكن أن يسهم الذكاء الاصطناعي في تبسيط الإجراءات الإدارية، وتحسين تجربة المواطنين، وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، ومع ذلك يجب على الدول العربية أن تستثمر في التحسين التكنولوجي وتطوير نفسها وتعميم استخدام الذكاء الاصطناعي.
التحديات المحتملة
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي الدولي، خالد الشافعي: على الرغم من الفوائد الكبيرة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في تحسين الخدمات الحكومية في الوطن العربي، إلا أنه ما زال هناك تحديات تحتاج إلى توجيه الاهتمام لتحقيق النتائج المرجوة، تشمل هذه التحديات البنية التحتية والتكنولوجية، فقد تكون البنية التحتية الرقمية ضعيفة في بعض الدول العربية، وهذا يعني أنه يجب على هذه الدول الاستثمار في تحسين البنية التحتية التكنولوجية لدعم تطبيقات الذكاء الاصطناعي، أيضًا الخصوصية والأمن، فيجب أن تكون هناك ضمانات قوية لحماية البيانات الحكومية وخصوصية المواطنين عند استخدام التقنيات الذكية، كما يجب وضع سياسات وإجراءات فعالة للحفاظ على سرية البيانات ومنع الوصول غير المصرح به.
وأضاف الشافعي، في حديثه لـ"جسور بوست": من المهم والواجب أن يكون هناك تركيز على التوعية والتدريب لدى الموظفين الحكوميين حول استخدام التقنيات الذكية وفهم فوائدها وكيفية التعامل معها بشكل فعال، وبالنظر إلى المستقبل، يمكننا توقع تطور مستمر لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الخدمات الحكومية في الوطن العربي، ومن المتوقع أن يتم تطوير تطبيقات أكثر تطورًا وتعميق استخدام التقنيات الذكية مثل تعلم الآلة ومعالجة اللغة الطبيعية.
واستطرد: قد يتم توسيع نطاق استخدام الذكاء الاصطناعي في المجالات الحكومية الأخرى مثل الأمن الوطني والتخطيط الحضري وإدارة الكوارث، بالإضافة إلى ذلك قد يتم تعزيز التعاون بين الدول العربية في مجال استخدام الذكاء الاصطناعي لتبادل المعرفة والتجارب والممارسات الجيدة، وأنا أؤمن أن الدول العربية تستطيع أن تحقق تحسين كبير في تقديم الخدمات الحكومية باستخدام الذكاء الاصطناعي، من خلال تبسيط الإجراءات الإدارية، وتحسين تجربة المواطنين، وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون عاملاً محركاً للتقدم والتطور في المنطقة.
ومع ذلك، هناك تحديات تحتاج إلى التغلب عليها، مثل البنية التحتية التكنولوجية، والخصوصية والأمان، والتوعية والتدريب، ومن المتوقع أن يستمر التطور في مجال الذكاء الاصطناعي في الخدمات الحكومية، مع تطوير تطبيقات أكثر تطورًا وتوسع استخدام التقنيات الذكية في المجالات الأخرى، ويمكن أن يكون التعاون بين الدول العربية مهمًا في هذا السياق لتبادل المعرفة والتجارب وتعزيز التقدم في هذا المجال.

خالد الشافعي
الإمارات نموذجًا
وعن الدول العربية المستخدمة للذكاء الاصطناعي في تحسين خدماتها الحكومية قال الأكاديمي والخبير الاقتصادي، رشاد عبده، إن الدول العربية المستخدمة له كثيرة منها مصر والسعودية، وتعتبر الإمارات العربية المتحدة واحدة من الدول العربية الرائدة في استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في تحسين الخدمات الحكومية، وتستخدم الحكومة الإماراتية الذكاء الاصطناعي كأداة استراتيجية لتحقيق رؤيتها في تطوير مجتمع ذكي وتعزيز رفاهية المواطنين، وفي عام 2017، أطلقت الإمارات استراتيجية الذكاء الاصطناعي بغرض تعزيز التنمية الاقتصادية والابتكار وتحسين الخدمات الحكومية، تهدف الاستراتيجية إلى جعل الإمارات العربية المتحدة قائدة في مجال الذكاء الاصطناعي على المستوى العالمي، كما تم إنشاء مكتب الذكاء الاصطناعي في الإمارات العربية المتحدة لتنفيذ استراتيجية الذكاء الاصطناعي وتعزيز التعاون بين القطاع العام والخاص والأكاديمي في هذا المجال.
وأضاف عبده، في حديثه لـ"جسور بوست": تم تطوير روبوتات حكومية تعمل بالذكاء الاصطناعي لتقديم الدعم والمساعدة للمواطنين، وتلبية استفساراتهم وتوجيههم في الخدمات الحكومية، كذلك يتم استخدام التقنيات الذكية مثل تحليل النصوص وتعلم الآلة لتسهيل إعداد التشريعات وتحليلها وتقديم الاقتراحات ذات الصلة لتحسين العملية التشريعية، والمميز أنه تم استخدام الروبوتات الذكية في الشرطة لتعزيز الأمن ومراقبة الأنشطة المشبوهة والتعامل مع الجرائم.
واستطرد: يتم استخدام الذكاء الاصطناعي في تحسين الخدمات الرعاية الصحية في الإمارات العربية المتحدة، مثل تشخيص الأمراض وتحليل الصور الطبية وتحسين إدارة المستشفيات، وتمتلك الإمارات العربية المتحدة سوقًا نشطًا للاستثمار في الذكاء الاصطناعي، حيث يتم جذب الاستثمارات المحلية والعالمية في هذا المجال، ووفقًا لتقرير لشركة PwC، من المتوقع أن يتجاوز حجم سوق الذكاء الاصطناعي في الإمارات 10 مليارات دولار بحلول عام 2030.

رشاد عبده
وأتم: تمتلك الإمارات العربية المتحدة بنية تحتية تكنولوجية متقدمة تدعم تطبيقات الذكاء الاصطناعي، كما تم تطوير مختبرات الذكاء الاصطناعي ومراكز البحث والابتكار في البلاد لتعزيز القدرات التقنية وتطوير الحلول المبتكرة، وتعتبر البيانات الضخمة أساسية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، وتحتفظ الإمارات العربية المتحدة بكمية كبيرة من البيانات الحكومية والمؤسساتية، ما يوفر فرصًا كبيرة لتحليل هذه البيانات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي المعتمدة على البيانات، كما تم إطلاق مبادرات تعليمية وبرامج تدريبية لتأهيل الشباب والموظفين في هذا المجال، وتعزيز قدراتهم على استخدام وتطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.