هل تنجح احتجاجات طلاب أمريكا في إجبار الجامعات على سحب استثماراتها مع إسرائيل؟

هل تنجح احتجاجات طلاب أمريكا في إجبار الجامعات على سحب استثماراتها مع إسرائيل؟

تحولت العديد من الجامعات الأمريكية إلى ساحة للاحتجاج على الحرب الدائرة في غزة، مع تصاعد وتيرة المظاهرات الطلابية التي تطالب بوقف إراقة الدماء في الصراع الذي أودى بحياة آلاف المدنيين بالقطاع المحاصر وسحب جامعاتهم استثماراتها مع الشركات الداعمة لإسرائيل.

وانطلقت احتجاجات الطلاب المناصرين للفلسطينيين من جامعة كولومبيا في نيويورك، ثم انتشرت على نطاق واسع في الجامعات الأمريكية الأخرى، حيث نُظمت مظاهرات واعتصامات رفعت شعار "سحب الاستثمارات" من إسرائيل، ضمن مطالب أخرى.

وتكرر مطلب سحب الاستثمارات في إسرائيل أو مع الشركات ذات الصلة معها في لافتات المحتجين وافتتاحيات صحف الطلاب وخلال التجمعات العارمة التي اجتاحت الجامعات. فما هي طبيعة الاستثمارات التي تستهدفها موجة الغضب الطلابي؟ وكيف تفاعلت المؤسسات الجامعية مع مطالباتهم؟

جامعة كولومبيا

في جامعة كولومبيا، حيث تم القبض على أكثر من 100 متظاهر مؤيد للفلسطينيين، الأسبوع الماضي، حددت المجموعات الطلابية التي دخلت في اعتصام، 5 مطالب رئيسية.

وتشمل هذه المطالب سحب الاستثمارات من الشركات التي "تستفيد من نظام الفصل العنصري الإسرائيلي والإبادة الجماعية والاحتلال في فلسطين"، على حد وصفهم، والمزيد من الشفافية حول استثمارات الجامعة وقطع علاقاتها مع المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، بما في ذلك المركز العالمي لجامعة كولومبيا في تل أبيب وبرنامجها للحصول على شهادات مشتركة مع جامعة المدينة ذاتها.

ويدعو الطلاب جامعتهم إلى سحب استثماراتها المباشرة أو حصصها في الشركات التي تقوم بأعمال تجارية في إسرائيل أو معها، بما في ذلك شركتا أمازون وغوغل، اللتان أبرمتا عقدا بقيمة 1.2 مليار دولار مع الحكومة الإسرائيلية، لتزويدها بقدرات متقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي.

وطالب المحتجون أيضا بسحب الاستثمارات من شركة مايكروسوفت، التي تقدم خدماتها لوزارة الدفاع والإدارة المدنية الإسرائيليتين. بالإضافة إلى شركات الصناعات الدفاعية التي تستفيد من الحرب مثل شركة "لوكهيد مارتن"، التي أفادت، الثلاثاء، بارتفاع أرباحها بنسبة 14 بالمئة، وفقا لصحيفة الغارديان.

واستهدفت الاحتجاجات أيضا استثمارات الجامعة في شركة تأجير واستئجار أماكن للسكن عبر الإنترنت "AIRBNB" وذلك بسبب إتاحتها خدماتها في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية.

ويطالب المحتجون جامعتهم أيضا بقطع صلاتها مع شركة "كاتربيلر" التي خضعت علاقاتها مع إسرائيل للتدقيق لعقود من الزمن، وزادت حدتها بعد عام 2003، عندما دهست جرافة مدرعة صنعتها الشركة للجيش الإسرائيلي الناشطة الأمريكية المؤيدة للفلسطينيين، راشيل كوري، وسحقتها حتى الموت، بينما كانت تسعى إلى وقف هدم منازل لفلسطينيين.

ولم ترد سوى شركة غوغل على استفسارات من الإذاعة الوطنية العامة "إن بي آر"، قائلة إن عملها لا يشمل "أي أعباء عمل حساسة للغاية أو سرية أو عسكرية تتعلق بالأسلحة أو الاستخبارات"، بينما لم تعلق باقي الشركات المذكورة، وفقا للإذاعة.

ووفقا لصحيفة "نيويورك تايمز"، لا تمثل الأموال المستهدفة بمطالبات سحب الاستثمارات حصة كبيرة من المعلومات المتاحة للجمهور بشأن أوقاف الجامعات. حيث تشكل الاستثمارات التي يعتبرها المحتجون إشكالية أقل من عشر بالمئة، من وقف جامعة كولومبيا البالغ 13.6 مليار دولار.

وتضيف الصحيفة، أن المحتجين يطالبون بشفافية أكبر من الجامعة بشأن ممتلكاتها الخاصة للحصول على فهم أفضل لحجم استثماراتها الإجمالية في إسرائيل.

ويسعى طلاب الجامعات الأمريكية أيضا إلى سحب استثماراتها من صناديق "بلاك روك" وهي أكبر شركة لإدارة الأصول عبر العالم، والتي تمتلك أسهما في كل الشركات المتداولة علنًا تقريبًا من خلال صناديقها المتداولة في البورصة.

وأشار نشطاء في جامعة كاليفورنيا بيركلي، وكذلك في كولومبيا إلى امتلاك الشركة لحصص في شركات تصنيع الأسلحة كمبرر لمطالباتهم للجامعة بسحب استثماراتها لديها.

ووفقا لموقع "Weapon Free Funds"، الذي يدعو المستثمرين لسحب أموالهم من أسهم شركات السلاح، فإن الشركة تستثمر حوالي 3 بالمئة فقط من صندوق Core S&P 500 ETFالتابع لشركة "بلاك روك" في شركات الصناعات الدفاعية بما في ذلك شركتا "ريثيون" و"بوينغ".

جامعة يال

في جامعة يال، حيث اعتقلت الشرطة 48 محتجا، في وقت سابق من هذا الأسبوع، دعا المحتجون مؤسساتهم إلى سحب استثماراتها من شركات تصنيع الأسلحة العسكرية  التي تساعد في الهجوم الإسرائيلي، والكشف عن كيفية استثمار الجامعة لأموالها.

ويعد وقف جامعة يال البالغ 27.2 مليار دولار ثاني أكبر وقف جامعي في الولايات المتحدة، بعد هارفارد.

وأعلنت جامعة يال في بيان، الأسبوع الماضي، أنها لن تسحب استثماراتها من شركات تصنيع الأسلحة العسكرية، قائلةً إن لجنتها الاستشارية المعنية بمسؤولية المستثمرين لم تقرر أن "مثل هذا النشاط يستوفي معايير سحب الاستثمارات".

وقال بيان الجامعة، إن التصنيع العسكري "يدعم الاستخدامات الضرورية اجتماعيا، مثل إنفاذ القانون والأمن القومي".

جامعة برينستون

من جانبهم، حدد المحتجون في جامعة برينستون قائمة من المطالب، على رأسها "سحب استثماراتها والانفصال عن إسرائيل".

ودعا المحتجون الجامعة إلى الكشف عن أبحاثها الممولة من وزارة الدفاع الأميركية والمتعلقة بـ"أسلحة الحرب"، فضلا عن إنهائها، مشيرين إلى أن الولايات المتحدة ترسل مساعدات عسكرية وتكنولوجيا إلى إسرائيل أكثر من أي دولة أخرى.

وتشمل هذه الأبحاث أيضا "برمجيات آلية وتقنيات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في تمكين الإبادة الجماعية"، وفقا للمصدر ذاته.

ودعوا المدرسة إلى إصدار بيان، يدعم وقفا دائما لإطلاق النار و"يدين حملة الإبادة ضد الفلسطينيين"، بالإضافة إلى قطع العلاقات مع المؤسسات والشركات الإسرائيلية، ووقف تسهيل رحلات الطلاب إلى إسرائيل.

وبينما لا تناقش جامعة برينستون استثماراتها علنا، وفقا لموقع طلابي يتتبع أخبار الجامعة، فإنه يبقى من غير الواضح إن كانت ممتلكاتها تشمل استثمارات في الشركات الإسرائيلية المرتبطة بالحرب، غير أن داعمي الاحتجاجات يقولون، إنه حتى لفتة رمزية من قبل مؤسسة رفيعة المستوى مثل برينستون يمكن أن يكون لها وزن.

جامعة جنوب كاليفورنيا (USC)

وأصبحت جامعة جنوب كاليفورنيا مؤخرا أول جامعة كبرى تلغي حفل تخرج بسبب الاحتجاجات، حيث اعتقلت الشرطة ما يقرب من 100 شخص هذا الأسبوع لمشاركتهم في اعتصامات طلابية.

وحدد تحالف للمجموعات الطلابية المحتجة، قائمة من 6 مطالب؛ أبرزها إنهاء برامج الدراسة في الخارج في إسرائيل، وقطع الروابط الأكاديمية والبحثية مع الجامعات الإسرائيلية، ودعم وقف دائم لإطلاق النار.

ويطالب المحتجون جامعة جنوب كاليفورنيا أيضا بالكشف عن استثماراتها في الشركات الإسرائيلية، وسحبها.

جامعة هارفارد

ودعا المحتجون في جامعة هارفارد، إلى الكشف عن أي استثمارات للجامعة الأمريكية الأغنى، في إسرائيل وسحبها.

كما دعت مجموعة "هارفارد خارج فلسطين المحتلة" المؤسسة إلى "إعادة استثمار الموارد في المبادرات الأكاديمية التي تدعم الثقافة الفلسطينية".

وطالبوا أيضا بـ"إسقاط جميع التهم" الموجهة ضد الطلاب لمشاركتهم في الاحتجاجات.

هل للجامعات الأمريكية استثمارات بإسرائيل؟

ومع تصاعد دعوات المحتجين إلى وقف الاستثمارات في إسرائيل، أفاد موقع "يو إس إيه توداي"، بأن هذا يعد تبسيطا لما تقوم به الجامعات بأموالها.

وبحسب الاقتصادية ساندي باوم، الزميلة البارزة في معهد أوربان والمتخصصة في دراسة تمويل الكليات الجامعية، فإن من الصعب تحديد ماهية "الاستثمار" في إسرائيل بالضبط.

وأوضحت الخبيرة الاقتصادية أن الاستثمارات الضخمة تكون أكثر وضوحا مقارنة بالاستثمارات الأصغر حجما المندرجة ضمن الصناديق الاستثمارية المشتركة، وهي أداة استثمارية تقوم بتجميع رؤوس الأموال وتوزيعها على مجموعة متنوعة من الأصول، وهو الأسلوب الذي تعتمد عليه الكثير من الكليات الجامعية في استثماراتها.

وأوضحت باوم، أن الجامعات تستأجر شركات خاصة لإدارة أوقافها للحفاظ على أموالها على المدى الطويل.

وأشارت إلى أن النقاشات حول استثمارات أوقاف الجامعات "معقدة"، إذ يرى بعض المهتمين بشؤون الجامعات أن الهدف يجب أن يكون تحقيق أقصى عائد ممكن على الاستثمار من أجل تمويل التدريس والبرامج الأكاديمية والخدمات الأساسية التي تقدمها الجامعة.

وقالت: "الغرض من الوقف هو امتلاك أموال تسمح للجامعة بتوفير فرص تعليمية بشكل دائم حتى لا تضطر إلى الخروج وجمع أموال جديدة كل عام لمواصلة العمل".

وبحسب الخبيرة الاقتصادية، فكلما كان وقف الجامعة أكبر، كان هناك المزيد من المخاطر بشأن طريقة استثمارها. وهذا هو أحد الأسباب التي تدفع الطلاب المؤيدين للفلسطينيين في الجامعات الغنية للنضال بقوة هذا الأسبوع، بحسب  باوم التي تشير إلى أنه "ستكون هناك دائما اختلافات في الرأي حول ما لا تريد الاستثمار فيه".

موقف الجامعات 

حتى الآن، رفضت الجامعات الأمريكية بشكل قاطع تعديل استثماراتها استجابةً للضغوط الطلابية، مكتفية بعقد بعض إدارييها اجتماعات مع الطلاب، لكن الرسالة العامة كانت أنهم لن يغيروا محافظهم الاستثمارية أو يبيعوا أصولهم المرتبطة بإسرائيل، وفقا لنيويورك تايمز.

وأوضحت جامعة هارفارد، التي يصل إجمالي وقفها إلى 51 مليار دولار تقريبا، كأكبر جامعة أمريكية، أنها "تعارض الدعوات لسياسة مقاطعة إسرائيل ومؤسساتها الأكاديمية".

من جهتها، قالت جامعة يال، إنها لن تسحب استثماراتها من شركات تصنيع الأسلحة، لأن ذلك لا "يصل إلى حد الضرر الاجتماعي الجسيم" الذي يستدعي سحب الاستثمار، وفقا للجنة الاستثمار المسؤول التابعة لمجلس إدارة الجامعة، التي تسعى لضمان أن تكون استثمارات الجامعة أخلاقية

ومن بين الجامعات الأخرى التي رفضت سحب استثماراتها من إسرائيل، خلال موجة الاحتجاجات الأخيرة: جامعة ولاية ميشيغان، التي قال مجلس أمنائها،  في وقت سابق من هذا الشهر، إنه لن ينظر في سحب الاستثمارات "من أي نوع"، وكذلك كان الوضع بالنسبة لجامعة ميشيغان والجامعة الأميركية.

وسبق أن أقرت مجموعات طلابية في بعض الجامعات قرارات غير ملزمة تدعو لسحب الاستثمارات. وعلى سبيل المثال، أقرت جمعية الحكومة الطلابية بالجامعة الأمريكية، الأحد، قرارا يدعو الجامعة لسحب دعمها عن إسرائيل، لكن رئيسة الجامعة، سيلفيا بيرويل، قالت إن المؤسسة لن تمتثل لمطالبهم.

فرصة نجاح حملات الطلاب

ومطالبات سحب الاستثمارات من إسرائيل ليست جديدة ولا ترتبط بالحرب الدائرة في غزة منذ السابع من أكتوبر، بل سبق أن رفعها طلاب بالجامعات الأمريكية خلال السنوات الأخيرة، في إطار عمل "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات".

وفي عام 2009، سحبت كلية هامبشاير استثماراتها من صندوق استثماري متبادل يمتلك حصصا إسرائيلية بعد مواجهة ضغوط من نشطاء هذه الحركة. غير أن إدارة المؤسسة نفت رسميا أن القرار جاء بسبب دعوات المقاطعة.

وسبق للجنة طلابية في جامعة براون، أن أوصت في عام 2020، بأن تسحب الجامعة استثماراتها من بعض الشركات التي "تجني أرباحا من انتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين"، لكن رئيسة الجامعة كريستينا باكسون، رفضت المضي قدما في هذا الاقتراح، وفق ما ذكرته "نيويورك تايمز".

وتشير الصحيفة إلى أن تلك التوصيات، ولو تمت بالإجماع، لا يمكن أن تجبر الجامعة على فرض قرارات معينة، وأن القرارات المتعلقة بسحب الاستثمارات تعود لرئيس الجامعة ومجلس إدارتها. 

وتشبه مطالب طلاب براون اليوم كثيرا ما اقترحوه عام 2020، إذ يدعون الجامعة إلى سحب استثماراتها من شركة "RTX Corporation" المصنعة للأسلحة، وشركة "Northrop Grumman" المتخصصة في الصناعات العسكرية، وشركتي بوينغ وآيرباص، وغيرها من الشركات، حسب ما نقلته صحيفة "الغارديان".

وقال متحدث باسم جامعة براون، إن المؤسسة "لا تستثمر بشكل مباشر في أي أسهم لشركات صناعة الدفاع أو كبرى الشركات المصنعة للذخيرة". وأضاف أن الجامعة  ممنوعة بموجب "بنود السرية" من مشاركة تفاصيل الأصول التي تمتلكها من خلال شركات الاستثمار الخارجية.

وفي رسالة وجهتها إلى الطلاب، في فبراير الماضي، قالت كريستينا باكسون، رئيسة الجامعة، إنها لا تنوي طرح مسألة سحب الاستثمارات خلال اجتماعات مجلس إدارة الجامعة.

وعلى الرغم من مواجهتهم معركة شاقة، يقول مؤيدو سحب الاستثمارات إن حملاتهم قد أثارت الوعي بالقضايا التي يسلطون الضوء عليها.

وقال مدير شبكة العمل ضد النفط والغاز ومن أوائل المدافعين عن سحب استثمارات الوقود الأحفوري في الولايات المتحدة مات ليونارد لصحيفة "الغارديان"، إن الحملات ضد الملوثين جعلت من الصعب على عمالقة صناعة النفط استقطاب الكفاءات الشابة للعمل لديها.

وقال إنه يأمل أن يتكرر الأمر مع من يجنون الأرباح من الحرب في غزة، بما في ذلك شركتا لوكهيد مارتن ورايثيون التي تصنع نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي المعروف باسم القبة الحديدية.

لكن كما ألهمت الحركات بعضها البعض، فإن ردود الفعل المضادة، ألهمت بعضها البعض أيضا. فعلى سبيل المثال، في عام 2021، أقرت ولاية تكساس قانونا يحظر على الولاية التعامل مع كيانات "تقاطع شركات الطاقة".

وقد استوحي هذا القانون، الذي أثار تشريعات مماثلة في عدة ولايات أخرى، من قانون صدر في عام 2017 صُمم لمنع الولاية من التعامل مع كيانات تدعم "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات".

 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية