"فايننشيال تايمز": بنات إيران الأوليمبيات يجسدن النضال من أجل الحقوق الأساسية
"فايننشيال تايمز": بنات إيران الأوليمبيات يجسدن النضال من أجل الحقوق الأساسية
وقفت ابنتا إيران على جانبين متقابلين من الملعب في دورة الألعاب الأولمبية في باريس الأسبوع الماضي، وكان لقاؤهما نموذجًا مصغرًا لنضالات الأمة العميقة الجذور، تنافست كيميا علي زاده، بطلة التايكوندو الرائدة التي غادرت إيران في عام 2020، تحت العلم البلغاري، وكانت في مواجهتها ناهد كياني، النجمة الصاعدة في إيران، والتي فازت بالميدالية الفضية في فئة 57 كجم.. لم يكن عناقهما على منصة التتويج مجرد فعل من الروح الرياضية.. بل كان لحظة مؤثرة جعلت العديد من الإيرانيين يذرفون الدموع.
وفقا لصحيفة "فايننشيال تايمز"، كان رد الفعل على هزيمة كيميا بعيدًا عن الاحتفال، بل أثار بدلاً من ذلك مزيجًا معقدًا من المشاعر، يعكس الاختيار الصعب الذي يواجه ملايين الإيرانيين: المغادرة أو البقاء.. إن أولئك الذين يهاجرون، مثل كيميا، يواجهون الواقع المؤلم المتمثل في ترك تاريخهم وعائلاتهم ووسائل الراحة البسيطة في وطنهم، مثل رائحة الخبز الفارسي الطازج، وبالنسبة للعديد من الناس، فإن الزيارات المنتظمة إلى إيران غير ممكنة.
وتبقى "كيميا"، نموذجا يحتذى لعدد لا يحصى من المراهقين، لم تعد منذ مغادرتها، مشيرة إلى قمع النساء كسبب.
ولكن بالنسبة لأولئك الذين بقوا، فإن التحديات هائلة، ومع تضاؤل الأمل في المستقبل يرى العديد من الشباب الإيرانيين -رجالا ونساء على حد سواء- الهجر باعتبارها المسار الوحيد القابل للتطبيق إلى الأمام.

كيميا علي زاده وناهد كياني
سارعت الحكومة الجديدة في عهد الرئيس الإصلاحي مسعود بيزيشكيان إلى مد غصن الزيتون، قائلة إن كيميا ستكون موضع ترحيب في الوطن، ومع ذلك، فإن احتمالات الهجرة العكسية تقابل بالتشكك، والخوف الأكبر الآن هو الخسارة المحتملة لمزيد من المواهب مثل ناهد.. لقد استيقظ الساسة أخيرا على حقيقة مفادها أن أعظم أصول إيران -شبابها- تتلاشى.
ووصف أحد الأستاذة في جامعة شريف هجرة الأدمغة بأنها هجرة لا هوادة فيها، وشبهها بأوراق الشجر المتساقطة في الخريف، مشددا على أن البلاد تنزف المواهب، وبدون إصلاحات كبيرة لا يوجد أمل يذكر في وقف المد.
ومع ذلك، لا تُظهِر الجمهورية الإسلامية اهتمامًا كبيرًا بالسعي إلى التغيير الكبير، بالنسبة للعديد من الشباب الإيرانيين، أصبح النضال من أجل الحقوق الأساسية مرهقًا عقليًا وعاطفيًا، ناهيك عن معالجة القضايا الطويلة الأجل مثل تنمية بلد يزداد فقرًا ويعيش في ظل عدم اليقين مثل الحرب مع إسرائيل.
تتساءل الفتيات الصغيرات عن المنطق وراء الحجاب الإلزامي أو الرقابة على الإنترنت في عالم حيث يمكنها الوصول إلى نفس المعلومات والمنصات الاجتماعية مثل أقرانها في لندن أو سيئول.
عندما طرح محمد خاتمي، الرئيس آنذاك، فكرة الإصلاح في عام 1997، كانت غالبية الإيرانيين لا تزال تؤمن بنظام حكم ديني، ولكن كما يلاحظ كبير خبراء استطلاعات الرأي عباس عبدي، فقد تحول المد بشكل كبير، في ذلك الوقت كان 30% فقط من السكان يؤيدون النظام العلماني، ولكن في إيران، لا تزال نسبة النساء اللاتي يرتدين الحجاب مرتفعة، واليوم تجاوز هذا الرقم 70%.
ورغم هذه التغيرات الاجتماعية العميقة، يظل المتشددون مقاومين للإصلاح وقد يعرقلون أي جهود من جانب بيزيشكيان لإحياء الأمل، ولكن من غير المرجح أن تتراجع النساء الإيرانيات عن التقدم الذي أحرزنه، فقد شاركت ناهد في المنافسة مرتدية الحجاب، كما هو مطلوب، في حين لم تفعل كيميا، التي تحررت من مثل هذه القيود.
والسؤال هو: هل ستلتزم النساء مثل ناهد إلى الأبد بقواعد اللباس الإسلامي إذا لم يؤمنوا بها؟ وهل تستطيع كيميا العودة إلى إيران بشروطها الخاصة؟ والإجابة عن السؤالين تبدو بالنفي.
ومع ذلك، فإن هذا الصراع بين الأيديولوجية والواقع هو في كثير من النواحي مجرد واجهة، والحقيقة أن العديد من النساء في إيران يتحدين بالفعل قواعد اللباس في حياتهن اليومية، ومن الشائع أن نراهن في الشوارع ومراكز التسوق والبازارات التقليدية والمقاهي والمطاعم دون حجاب، وتستمر حفلات الزفاف الباذخة في طهران وغيرها من المدن الكبرى، وغالباً بموافقة ضمنية من السلطات.
قد تحافظ الجمهورية الإسلامية على موقفها الأيديولوجي، لكنها في الممارسة العملية مجبرة على الاعتراف بالواقع.
ومع ذلك، فإن هذا التعايش المضطرب له عواقبه، ربما تراجعت حملات القمع في عهد بيزيشكيان، على الأقل في الوقت الحالي، لكن الخوف من فقدان جيل آخر بسبب الهجرة لا يزال ملموسا.
يشعر الإيرانيون بالحزن الشديد عند التفكير في شعور أطفالهم بأنهم مجبرون على المغادرة، وربما عدم العودة أبدًا، بالنسبة للعديد من الأشخاص على وسائل التواصل الاجتماعي.