خريطة انتشار جدري القرود.. تقييم حقوقي للتحديات الصحية والأزمات الإنسانية

خريطة انتشار جدري القرود.. تقييم حقوقي للتحديات الصحية والأزمات الإنسانية

أفق الوباء.. سيناريوهات تطور تفشي جدري القرود والإجراءات الوقائية الضرورية

حقوقي: انتشار جدري القرود ينتهك حقوق الإنسان في ظل أزمة صحية عالمية

أستاذ فيروسات: التوقعات المستقبلية والإجراءات الوقائية تحدد طريقة مواجهة تفشي الفيروس

 

في ظل التحديات الصحية المتنامية التي يشهدها العالم، تبرز حالة جدري القرود كأحد أبرز المخاطر التي تستدعي استجابة دولية عاجلة، حيث أعلنت منظمة الصحة العالمية عن تفشي المرض في إفريقيا كحالة طوارئ صحية عامة تثير قلقاً دولياً، وهو نفس المستوى من التحذير الذي تم استخدامه في حالات تفشي الإيبولا وكوفيد-19، وكذلك تفشي جدري القرود في أوروبا عام 2022.

مع تصاعد حالات الإصابة بجدري القرود، يركز المجتمع الدولي اهتمامه على تحديد المناطق الأكثر تأثراً، واستراتيجيات التصدي لهذا الوباء. 

بناءً على الإحصاءات الأخيرة، يمكن رسم خريطة توضح الدول المتأثرة بالفيروس، مع تقديم نظرة عامة عن الأعداد الرئيسية والمشكلات التي تواجهها هذه الدول، حيث يسلط التقرير الضوء على تفشي المرض في 34 دولة إفريقية، مع التركيز بشكل خاص على الوضع الحرج في جمهورية الكونغو الديمقراطية وتوسع المرض إلى دول جديدة. 

ستساعد هذه الخريطة في فهم نطاق التفشي وتحديد أولويات الاستجابة العالمية.

وتظهر الإحصاءات الأخيرة أن 34 دولة في إفريقيا، إما أبلغت عن إصابات بجدري القرود أو تعتبر "معرضة لخطر كبير" ويُعَدّ الوضع في جمهورية الكونغو الديمقراطية الأكثر حدة، حيث سجلت البلاد أكثر من 14,000 حالة إصابة و524 حالة وفاة منذ بداية العام الجاري 2024. 

ويبرز هذا الرقم بشكل ملحوظ لأنه يعادل إجمالي حالات الإصابة التي تم تسجيلها خلال عام 2023، ما يشير إلى تصاعد حاد في عدد الحالات. 

التفشي الحالي لا يقتصر على مناطق معينة بل يمتد إلى مقاطعات جديدة لم تشهد تفشياً مماثلاً من قبل، ما يفاقم من تعقيد الوضع.

وتم الإبلاغ عن حالات عدوى في الدول المجاورة لجمهورية الكونغو الديمقراطية، بما في ذلك بوروندي وكينيا ورواندا وأوغندا، التي لم تسجل حالات إصابة بجدري القرود سابقاً، هذا التوسع الجغرافي يعكس الطبيعة المتنقلة للفيروس وقدرته على عبور الحدود الوطنية، ما يزيد من المخاوف من تفشٍ أوسع.

الارتفاع الحالي في عدد حالات الإصابة يُعزى بشكل كبير إلى اكتشاف سلالة جديدة من الفيروس تُعرف بالسلالة الأولى ب. تم تحديد هذه السلالة لأول مرة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وقد أكدت التحاليل وجودها أيضاً في كينيا ورواندا وأوغندا. 

وتشير الدراسات إلى أن هذه السلالة الجديدة تعزز من انتشار الفيروس من شخص لآخر، حيث يُنتقل بشكل رئيسي عبر الاتصال الجنسي، بالإضافة إلى الاتصال الجسدي المباشر من شخص لآخر، والملامسة للمواد الملوثة مثل الفراش والمناشف. 

هذا التغيير في نمط الانتقال يمثل تحولاً عن الطريقة السابقة لانتقال الفيروس، التي كانت تعتمد بشكل أساسي على تناول لحوم الطرائد المصابة.

وتستمر أنواع أخرى من الفيروس في الانتشار، حيث تسجل جمهورية الكونغو الديمقراطية حالات إصابة بالسلالة الأولى، بينما تم الإبلاغ عن السلالة الثانية في الكاميرون وساحل العاج وليبيريا ونيجيريا وجنوب إفريقيا، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، والوضع الحالي يأتي في ظل مستويات عالية من انعدام الأمن في المنطقة وأزمة المناخ التي تقرب البشر من بيئتهم الطبيعية، ما يفاقم من خطر تفشي المرض، كما يشير رئيس مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها في إفريقيا الدكتور جان كاسيا.

وتلعب كيفية انتقال جدري القرود دوراً مهماً في تفشي المرض، ينتقل الفيروس بشكل أساسي عبر الأشخاص المصابين أثناء تنقلهم بين البلدان على سبيل المثال، تم تشخيص مرض جدري القرود لدى سائق شاحنة لمسافات طويلة كان أيضاً في رواندا وتنزانيا وأوغندا، علاوة على ذلك فإن شبكات الاتصال الجنسي تسهم في انتشار الفيروس، حيث شكل العاملون في مجال الجنس نسبة كبيرة من الحالات خلال تفشي المرض على مستوى العالم في عام 2022. 

وقد لوحظت أنماط مشابهة في إفريقيا، ولكن الوضع الحالي يظهر أن الأطفال دون سن الخامسة عشرة يمثلون أكثر من 70% من حالات المرض و85% من الوفيات في جمهورية الكونغو الديمقراطية. هذا التفاوت في التأثير يعكس ضعف أنظمة المناعة لدى الأطفال، والذي قد يكون ناتجاً عن معدلات سوء التغذية المرتفعة، ما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة.

كبار السن في المنطقة قد يكونون قد تلقوا لقاح الجدري في الماضي، مما يوفر لهم بعض الحماية، ولكن الأجيال الأصغر سناً لم تستفد من هذه الحماية، في الوقت ذاته تعاني المخيمات المزدحمة باللاجئين من وضع خاص.

هناك نحو 345 ألف طفل يعيشون في ظروف غير صحية في خيام، ما يزيد من صعوبة تنفيذ تدابير الوقاية ويزيد من القلق بشأن انتشار الفيروس في هذه المخيمات، كما يوضح جريج رام، مدير منظمة "أنقذوا الأطفال" في الكونغو.

وتعتبر الاستجابة الدولية لتفشي جدري القرود من أبرز التحديات التي تواجهها المجتمعات العالمية اليوم، يعاني النظام الصحي من نقص في توافر وسائل التشخيص المختبري، والأدوية المضادة للفيروسات، واللقاحات، ما يعزز الحاجة إلى استجابة منسقة على مستوى عالمي.

توفر اللقاحات الحالية ضد الجدري بعض الحماية ضد جدري القرود، ولكن يتطلب الأمر دراسات وافية لتحديد فاعليتها وسلامتها في سياق التفشي الحالي.

وعلى الرغم من أن العديد من البلدان خارج إفريقيا لم تتأثر بشدة بعد، فإن خطر انتشار الفيروس إلى مناطق جديدة يظل قائماً، قد يؤدي عدم الكشف المبكر عن الحالات، والتقصير في الترصد الفعال، ووجود ثغرات في استراتيجيات الاستجابة إلى تفشٍ أوسع وأكثر تعقيداً، لذا يتطلب التصدي لهذا التهديد تفاعلاً دولياً وتعاوناً بين الدول والمنظمات المعنية.

ويرى خبراء أن مواجهة تفشي الأمراض المعدية تتطلب استجابة شاملة تدمج بين التدابير الصحية، والبحث العلمي، والاهتمام بحقوق الإنسان، فالأزمات الصحية لا تتوقف عند حدود البلدان، بل هي مسؤولية عالمية تستدعي التعاون والتنسيق بين جميع الأطراف، وجدري القرود يشكل تذكيراً بمدى تداخل قضايا الصحة العامة والحقوق الإنسانية، ويعكس الحاجة إلى استجابة منسقة ودقيقة لمواجهة التحديات الصحية العالمية.

خريطة تفشي جدري القرود

1- جمهورية الكونغو الديمقراطية

   - الحالات: أكثر من 14,000

   - الوفيات: 524

   - المشكلات: تفشٍ حاد مع انتشار إلى مناطق جديدة.

2- بوروندي

   - الحالات: تسجيل حالات جديدة

   - المشكلات: احتمالية قرب تفشٍ واسع.

3- كينيا

   - الحالات: تسجيل حالات إصابة جديدة

   - المشكلات: انتشار السلالة الجديدة (السلالة 1b).

4- رواندا

   - الحالات: تسجيل حالات إصابة جديدة

   - المشكلات: انتقال الفيروس إلى مناطق جديدة.

5- أوغندا

   - الحالات: تسجيل حالات إصابة جديدة

   - المشكلات: تفشٍ في مناطق جديدة.

6- الكاميرون

   - الحالات: تسجيل حالات إصابة بالسلالة الثانية

   - المشكلات: استمرار التفشي.

7- ساحل العاج

   - الحالات: تسجيل حالات إصابة بالسلالة الثانية

   - المشكلات: تفشي محدود.

8- ليبيريا

   - الحالات: تسجيل حالات إصابة بالسلالة الثانية

   - المشكلات: استمرار التفشي.

9- نيجيريا

   - الحالات: تسجيل حالات إصابة بالسلالة الثانية

   - المشكلات: تفشٍ مستمر.

10- جنوب إفريقيا

    - الحالات: تسجيل حالات إصابة بالسلالة الثانية

    - المشكلات: ظهور السلالة الجديدة.

تأثير تفشي جدري القرود على حقوق الإنسان

وقالت الأكاديمية والحقوقية السورية البارزة، الدكتورة ترتيل درويش، إن تفشي مرض جدري القرود في العديد من الدول يمثل انتهاكاً صارخاً للحقوق الأساسية ويكشف عن مدى هشاشة بعض المجتمعات في مواجهة الأزمات الصحية، فالأثر العميق لهذا المرض على الحياة اليومية يبرز الحاجة الملحة لضمان احترام حقوق الإنسان وتعزيز الاستجابة الإنسانية في مواجهة الأوبئة.

وأضافت ترتيل درويش، في تصريحاتها لـ"جسور بوست"، إن أحد المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان هو الحق في الصحة، والذي يشمل الوصول إلى الرعاية الصحية والعلاج الكافي، ويكشف تفشي جدري القرود عن فشل الأنظمة الصحية في تلبية هذا الحق، في المناطق المتضررة، تعاني البنية التحتية الصحية من نقص حاد في الموارد والأدوية، مما يضع حياة المرضى في خطر ويعزز من معاناة الفئات الأكثر ضعفاً، مثل الأطفال وكبار السن، هذا النقص يتعارض مع المبادئ العالمية لحقوق الإنسان، التي تضمن لكل فرد الحق في الحصول على الرعاية الصحية اللازمة دون تمييز.

وأكدت ترتيل درويش أن الأثر الاقتصادي والاجتماعي للمرض يتجاوز تأثر الأفراد بصحتهم، ليشمل تداعيات أوسع على حقوق العمل وسبل العيش، وفقدان العمل أو تعطل النشاط الاقتصادي في المجتمعات المتأثرة يهدد بالانزلاق إلى مزيد من الفقر، ما يتعارض مع الحق في مستوى معيشي مناسب، وهذا التدهور الاقتصادي يخلق حلقة مفرغة من عدم الاستقرار، حيث تؤدي الضغوط الاقتصادية إلى تفاقم الأزمة الصحية وزيادة الصعوبات التي تواجهها الأسر.

وعن الحق في التعليم أوضحت ترتيل درويش، أيضاً في سياق الأزمات الصحية يؤثر إغلاق المدارس وتعطيل العملية التعليمية على حق الأطفال في التعليم الجيد، وهو حق مكفول بموجب الاتفاقيات الدولية، التأخير في التعليم يمكن أن يكون له تداعيات سلبية على مستقبل الأطفال، ويعزز الفجوة التعليمية بين المجتمعات المتضررة والأخرى.

وشددت على أن المرض يعزز حالة القلق والتوتر بين الأفراد، ما يشكل انتهاكاً للحق في الصحة النفسية، كما يسهم الخوف من العدوى والعزلة الاجتماعية في تفاقم الاضطرابات النفسية، ما يتطلب توفير الدعم النفسي الاجتماعي للمجتمعات المتأثرة كجزء من الاستجابة الإنسانية الشاملة.

واختتمت قائلة: تؤكد هذه الأزمة ضرورة تعزيز التعاون الدولي وتنسيق الجهود لضمان احترام حقوق الإنسان خلال الأزمات الصحية، لا يمكن تجاهل حقيقة أن الأوبئة لا تعترف بالحدود وتؤثر على حياة الأفراد في كل أنحاء العالم، ما يتطلب استجابة منسقة تعكس التزاماً عالمياً بحماية الحقوق الأساسية، إن التصدي لتفشي جدري القرود يجب أن يشمل تعزيز النظم الصحية، ودعم حقوق العمل والتعليم، وتوفير الرعاية النفسية لضمان احترام كرامة الإنسان وحمايته من الآثار المدمرة للأوبئة.

الدكتورة ترتيل درويش

التوقعات المستقبلية لانتشار جدري القرود

وبدوره، قال أستاذ علم الفيروسات الدكتور أيمن الشبيني، تشكل توقعات انتشار جدري القرود استجابة حاسمة للتحديات الصحية العالمية الحالية، ومع استمرار تفشي الفيروس يتطلب الوضع تحليلاً دقيقاً للسيناريوهات المستقبلية وإجراءات فعالة للوقاية، وبناءً على الاتجاهات الحالية يمكن تصور عدة سيناريوهات لتطور الوضع، حيث تسعى المجتمعات الصحية إلى التخفيف من تأثير المرض.

وتابع الشبيني، في تصريحاته لـ"جسور بوست"، إن أحد السيناريوهات المحتملة هو تسارع انتشار الفيروس إلى مناطق جديدة، بالنظر إلى الزيادة المستمرة في حالات العدوى وظهور سلالات جديدة، مثل السلالة الأولى ب، ومن المتوقع أن يمتد التفشي إلى دول إضافية لم تشهد إصابات سابقة، وهذه الديناميكية يمكن أن تتعزز بفعل الحركة الدولية المكثفة، بما في ذلك السفر التجاري والسياحي، ما يزيد من خطر انتقال الفيروس عبر الحدود علاوة على ذلك، فإن الأوضاع الصحية والاجتماعية الضعيفة في بعض المناطق قد تسهم في تسريع انتشار المرض، حيث يواجه الأفراد صعوبة في الحصول على الرعاية الصحية اللازمة والموارد الأساسية.

واستطرد: يمكن أن تكون السيطرة على التفشي ممكنة إذا تم تنفيذ تدابير وقائية فعّالة، ويشمل ذلك تعزيز برامج التلقيح وتوسيع نطاقها لتشمل المجتمعات الأكثر عرضة للخطر، وتوفر اللقاحات الحالية ضد الجدري بعض الحماية ضد جدري القرود، ولكن يتطلب الأمر دراسة شاملة لتحديد فاعليتها وسلامتها في سياق التفشي الحالي.

الدكتور أيمن الشبيني

واسترسل خبير علم الفيروسات: إن تحسين نظم الترصد والإنذار المبكر يمثل إجراءً حاسماً آخر، حيث يتعين تعزيز القدرة على الكشف المبكر عن حالات الإصابة ومراقبة انتشار الفيروس بفاعلية من خلال الاستثمار في التكنولوجيا والموارد البشرية في مجال الصحة العامة، وهذا يشمل تعزيز الشبكات الصحية لتحسين تتبع الحالات والحد من انتشار الفيروس، بالإضافة إلى ذلك، توجيه الجهود نحو التوعية والتثقيف الصحي يعد أمراً أساسياً، فتجب زيادة وعي المجتمعات حول طرق انتقال الفيروس ووسائل الوقاية الشخصية، مثل تجنب الاتصال المباشر مع المصابين والالتزام بممارسات النظافة الشخصية، وكذلك يمكن لبرامج التثقيف الصحي أن تلعب دوراً حيوياً في الحد من انتشار المرض من خلال تعزيز السلوكيات الوقائية.

وشدد على أن التعاون الدولي يُعد عنصرًا رئيسيًا في الاستجابة الفعالة للأوبئة، حيث يتطلب التصدي لتفشي جدري القرود تنسيقًا عالميًا يشمل تبادل المعلومات والتقنيات، وتقديم الدعم اللازم للدول المتضررة، ودعم البحث العلمي لتطوير علاجات جديدة واللقاحات يوفر حلولاً إضافية لمواجهة الفيروس.

وأتم: يعتمد تطور الوضع بشكل كبير على فاعلية الاستجابة العالمية، وتتطلب السيطرة على تفشي جدري القرود استجابة منسقة تشمل التلقيح، وتحسين نظم الترصد، والتوعية الصحية، والتعاون الدولي، ما يسهم في تقليل تأثير الفيروس وحماية المجتمعات من التهديدات الصحية المستقبلية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية