خمسمئة يوم على صراع السودان.. كابوس للمدنيين ودوامة لا تنتهي من الفوضى

خمسمئة يوم على صراع السودان.. كابوس للمدنيين ودوامة لا تنتهي من الفوضى

كيف حرم النزاع في السودان ملايين الأطفال من التعليم؟

إجمالي عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس في السودان 19 مليون طفل

لجنة المعلمين السودانيين: أكثر من 6000 مدرسة ما عادت صالحة للتعليم بصورة كلية أو جزئية

أكثر من 3 ملايين طفل صاروا مهددين بالارتداد للأمية

محامو الطوارئ: أبرز الانتهاكات المرتكبة في السودان تتمثل في القصف الذي يحصد أرواح المدنيين

جرائم الاعتقال والاختطاف والتهجير القسري حاضرة في سجلات الحرب

طرفا الحرب أسهما في المجاعة ونقص الغذاء في كل أنحاء السودان

 

السودان– الفاتح وديدي

مع نهاية الأسبوع الماضي كان خالد المأمور، المعلم بمدارس محلية أمبدة، غربي العاصمة السودانية، يكابد معاناة معتادة لأهالي المنطقة جراء أمطار جارفة غمرت أم درمان وضواحيها.

لم يدر المأمور حينها أن السماء كانت تعده وأنجاله بما هو  أكثر فداحة؛ إذ تساقطت بالتزامن الصواريخ من الطيران الحربي على منزله فسوّته بالأرض، وغيبت أفراد أسرته، بمن فيهم زوجته المعلمة، إلى الأبد.

في المساء أصدرت لجنة المعلمين السودانيين بيانا أدانت فيه الجريمة النكراء، وأفادت بأن الأنباء حول مصير المأمور متضاربة بعد دخوله المستشفى في حالة حرجة، فيما لم يتسن لهم التواصل مع أي من زملائه بسبب رداءة الشبكة، للتعرف على أحواله.

وطبقا للناطق الرسمي باسم لجنة المعلمين السودانيين سامي الباقر، خلال إفادته لـ"جسور بوست" فإن المعلم خالد توفي في مشفاه متأثراً بالقصف، ليلتحق برفيقة دربه وبقية أفراد أسرته، كضحايا جدد ضمن مئات الطلاب والتلاميذ والمعلمين الذين قضوا نحبهم في حرب السودان الكارثية.

لكن صندوق باندورا الذي انفتح قبل خمسمئة يوم لم تندلع شروره في وجه المعلمين وأطفالهم فحسب، إذ إن سلسلة جرائم الحرب لم تغادر كل موبقة، ودفتر أحزان السودانيين في حرب زعمائهم ما زال يتسع لجملة من المحن التي لا تنقضي؛ ابتداء من القتل والسبي والنهب، مرورا بمآسي الجوع والنزوح والفاقة واللجوء، وليس انتهاء بالتدهور البائن والمريع في السجل الحقوقي للبلاد، وتفشي جرائم السرقة، والإخفاء القسري والاختطاف، والاغتصاب، والعنف ضد النوع، والزواج القسري والاسترقاق الجنسي، والاتجار بالنساء والفتيات بالإضافة لعشرات الجرائم الأخرى.

خسائر مروعة

بالنسبة للمتحدث باسم لجنة المعلمين فإن الصراع المتواصل منذ 500 يوم يشكل كابوساً للمدنيين في السودان الذي يستغرق في دوامة من الفوضى، مع تفاقم الأزمة الإنسانية والخسائر المروعة التي خلفها النزاع على المدنيين في بؤر النزاع في جميع أنحاء البلاد.

ويعود الباقر ليؤكد أن النزاع يلقي بتبعاته على العملية التعليمية برمتها وعلى المعلمين بشكل أخص؛ معتبراً أن العنف الذي لا هوادة فيه يجب أن ينتهي، فكل روح بريئة تزهق تقف بمثابة شهادة مروعة على الوحشية المطلقة للحرب.

وتقول الإحصاءات الأممية، إن الصراع حرم ملايين الأطفال السودانيين من التعليم، حيث بلغ إجمالي عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس في السودان 19 مليون طفل.

ردة نحو الأمية

ويتفق مع الباقر زميله في لجنة المعلمين السودانيين، عمار يوسف، الذي يقول لـ"جسور بوست"، إن قطاع التعليم مثله وباقي القطاعات تأثر بشكل كبير جراء الحرب، فبجانب عدم عودة الطلاب لمقاعد الدراسة خلال عامين دراسيين من عمر السودان ومستقبل الأجيال، كذلك هناك آثار واضحة وبينة على البيئة التعليمية، بحسبه، إذ إن أكثر من 6000 مدرسة ما عادت صالحة للتعليم بصورة كلية أو جزئية؛ إما بسبب القصف المباشر، أو إثر تحويلها لثكنات عسكرية، أو جراء تحويلها لمراكز إيواء معالجات حتى تعود إلى البيئة التعليمية.

لكن الفداحة تتراءى بصورة جلية، كما يقول عمار، إذا علمنا أن أكثر من 3 ملايين طفل صاروا مهددين بالارتداد للأمية، لأنه حسب الرأي التربوي -والحديث ما زال على لسان عمار- فإن الانقطاع عن التعليم في السنين الأولى لفترة تزيد على تسعة أشهر يرتد بعده التلاميذ مباشرة إلى الأمية.

ويواصل عضو لجنة المعلمين في إفادته لـ"جسور بوست"، قائلا: لدينا في الأصل، قبل الحرب، فاقد تربوي حسب إحصاءات يونيسيف يبلغ 6 ملايين طفل خارج العملية التعليمية، ما يعني خسارة 9 ملايين طفل مقعد دراسي وعقول مدخرة للبناء ضاعت على البلاد.

سلاح التهجير القسري

بالنسبة لعضو المكتب التنفيذي لمجموعة محامي الطوارئ في السودان محمد صلاح، فإن أبرز الانتهاكات المرتكبة في السودان خلال 500 ليلة من الصراع تتمثل في القصف الجوي والمدفعي الذي ظل يحصد أرواح المدنيين في مختلف أنحاء السودان ويتسبب في مقتل المواطنين ممن لا ذنب لهم.

ويسترسل صلاح خلال إفادته التي خص بها جسور بوست مشيراً إلى أنه وبخلاف القتل الجزافي توجد أيضا جرائم الاعتقال والاختطاف والإخفاء القسري، وكذلك هناك مسألة التهجير القسري؛ حيث يهاجم الدعم السريع القرى والمناطق الآمنة ثم يشرع منسوبوه في عمليات نهب واسعة وسرقة وقتل مؤداها تهجير قسري لأهل المنطقة المعتدى عليها.

مرحلة قاتمة أخرى

طبقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية فإن نحو 25.6 مليون شخص –أي أكثر من نصف سكان السودان– يواجهون خطر الجوع الحاد بما في ذلك أكثر من 755 ألف شخص على حافة المجاعة.

وبحسب آخر التحليلات فإن خطر المجاعة مرتفع في 14 منطقة في ولايات دارفور الكبرى وكردفان الكبرى والجزيرة وبعض النقاط الساخنة في الخرطوم إزاء تصاعد النزاع وتقييد وصول المساعدات الإنسانية وعدم قدرة الأسر على الانخراط في الزراعة وغيرها من الأنشطة الاقتصادية. 

وبحسب صلاح، عضو محامي الطوارئ، فإن الأطراف المتقاتلة لا تبدي حرصا على حماية المدنيين وحياتهم، مشيراً إلى أنها أسهمت عبر ممارساتها في المجاعة ونقص الغذاء في جميع أنحاء السودان.

ودأب المجتمع الإنساني على قرع ناقوس الخطر بشأن كارثة الجوع التي تتكشف وخطر المجاعة بينما يحتدم النزاع في السودان، ما يتسبب في النزوح وتعطيل الخدمات الأساسية وتدمير سبل العيش وتقييد إتاحة وصول المساعدات الإنسانية.

وبعد مرور 500 يوم على القتال يقدر عدد النازحين في السودان الآن بنحو 10.7 مليون شخص يمثلون زهاء مليوني أسرة، بحسب تقديرات آلية تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة.

وقد عبر نحو 2.1 مليون شخص الحدود إلى دول الجوار منذ 15 أبريل 2023 بما في ذلك إلى مصر وتشاد وجمهورية جنوب السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى وإثيوبيا وليبيا وأوغندا.

أكبر أزمة نزوح

تصف التقارير الأممية الوضع الإنساني في السودان بأنه واحدة من أكبر حالات النزوح وانعدام الأمن الغذائي وأزمة الأطفال في العالم؛ إذ إن نحو نازح من كل 7 أشخاص في جميع أنحاء العالم من السودانيين، وغالبية هؤلاء النازحين هم من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً.

ويؤكد المتحدث باسم لجنة المعلمين أن قطاع التعليم هو أكثر القطاعات تأثراً بهذه الحرب في جميع محاور العملية التعليمية؛ بدءا بالتلميذ والطالب الذي أصبح لاجئاً أو نازحاً، معتبراً أنه الضحية سواءً أكان في مناطق النزاع أو في المناطق الباردة، التي تسمى مجازا بالمناطق الآمنة. 

ويشير الباقر إلى توقف صرف مرتبات المعلمين لما يقارب 16 شهراً، واضطرار مجموعة كبيرة منهم إلى النزوح واللجوء.

وفي وقت فيه تشكو التقارير الأممية عدم حصول أكثر من 7.4 مليون طفل سوداني على مياه شرب آمنة، ويحتاج ما يقرب من مليوني طفل إلى لقاحات منقذة للحياة بشكل عاجل.

يسرد الباقر إحصاءات رسمية لليونيسيف مفادها أن 90 في المئة من الأطفال في عمر التعليم -البالغ تعدادهم نحو 19 مليون طفل في السودان- لم يتمكنوا من الوصول للتعليم الرسمي، وأنهم ما زالوا بحاجة إلى مساعدات أخرى بسبب النزوح القسري واللجوء وأسباب أخرى.

وهو نداء يردده معه زميله عمار يوسف في خاتمة مقابلته مع “جسور بوست” بالقول إن ما حاق بهذا الجيل يصعب تعويضه في المدى القريب، وإن الطاقات الآن ينبغي أن تتضافر لوقف هذه الحرب اليوم، قبل الغد، لآثارها الكارثية على حاضر ومستقبل الأمة السودانية.

 


 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية