انتشرت بسبب الحروب.. الأوبئة تزيد معاناة شعوب 5 دول عربية
بينها شلل الأطفال والطاعون والكوليرا
بحرب أخرى ربما تكون أكثر قسوة وشراسة من طلقات الرصاص وأزيز المدافع والصواريخ، تنتشر الأوبئة والأمراض في صمت خبيث لتحصد أرواح الأبرياء في 5 بلدان عربية تعاني من ويلات الحروب والصراعات.
وتنتشر الأمراض الوبائية في فلسطين والسودان واليمن وسوريا والصومال جراء انهيار الأوضاع الصحية وهدم المستشفيات ونقص المستلزمات الطبية والدواء، وندرة توافر المياه وغيرها، جراء اندلاع الحروب والصراعات الأهلية.
وأعادت الحروب والصراعات أوبئة كانت قد انتهت منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، إذ انتشرت أوبئة مثل الكوليرا، وشلل الأطفال، والملاريا، والحصبة، والتهاب الكبد الوبائي وغيرها.
فلسطين
في 16 أغسطس الجاري، كشفت وزارة الصحة الفلسطينية في بيان، عن تسجيل أول إصابة مؤكدة بمرض شلل الأطفال في غزة لرضيع يبلغ من العمر 10 أشهر، وذلك قبل أيام من إتمام عام كامل على الحرب الإسرائيلية بالقطاع.
وبهذا الإعلان الرسمي، يعود الوباء إلى فلسطين بعد أن غادرها بنحو 25 عاما، لينذر بانتشار الإصابات جراء انهيار المنظومة الصحية، واستهداف المستشفيات، ونقص فادح في الأدوية والمستلزمات الطبية، وتلوث المياه وتراكم النفايات.
وأوضحت الوزارة في بيانها آنذاك، أن "نقص احتياجات النظافة الأساسية، وعدم توفر خدمات الصرف الصحي، وتراكم النفايات في الشوارع وأماكن إيواء النازحين، وعدم توفر مياه الشرب الآمنة، قد خلقت بيئة مواتية لتفشي وانتقال العديد من الأوبئة ومنها الأمراض المنقولة بالمياه مثل فيروس شلل الأطفال".
وفي غضون الأيام المقبلة، تستعد الوزارة الفلسطينية لتنفيذ حملة تطعيم تستهدف الأطفال تحت سن 10 سنوات، وسط مطالب أممية ودولية بضرورة إعلان هدنة 7 أيام في غزة لتطعيم الأطفال.
وشلل الأطفال هو فيروس شديد العدوى ينتشر في المقام الأول عن طريق تناول طعام أو المياه الملوثة ببراز شخص مصاب، وقد يغزو الجهاز العصبي ليسبب الشلل في غضون ساعات قليلة من الزمن.
وفي يوليو الماضي، اكتُشفت آثار فيروس شلل الأطفال في مياه الصرف الصحي في دير البلح وخان يونس، وهما منطقتان في جنوب ووسط قطاع غزة، وشهدتا نزوح مئات الآلاف من الفلسطينيين بسبب الحرب الإسرائيلية المدمرة.
وفي مطلع أغسطس الجاري، سجلت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) قفزة هائلة في أعداد الإصابات بالتهاب الكبد الوبائي بين النازحين في قطاع غزة، لا سيما بين الأطفال.
وحذرت الوكالة الأممية من خطر تفشي الوباء، بعد أن ارتفعت حالات التهاب الكبد الوبائي "أ" من 85 حالة فقط تم الإبلاغ عنها قبل الحرب، إلى ما يقرب من 40 ألف حالة حتى الآن، مرجعة ذلك إلى النزوح الجماعي للناس واكتظاظ الملاجئ ونقص المياه النظيفة والصابون وغيرها من مستلزمات النظافة.
والتهاب الكبد "A" هو إصابة شديدة العدوى تنجم عن فيروس (HAV) الذي ينتشر عند تناول طعام أو شراب ملوث بالبراز الموبوء وقد تنتقل العدوى أيضاً من خلال المخالطة الجسدية الحميمة لشخص مصاب بالعدوى، ويرتبط المرض بالمياه أو الأغذية غير الآمنة، وبعدم كفاءة الصرف الصحي، وسوء النظافة الشخصية، وفقاً لموقع "منظمة الصحة العالمية.
ولا يسبب التهاب الكبد "A" مرضاً مزمناً في الكبد، لكن يمكن أن ينجم عنه أعراض منهكة، تتراوح من خفيفة إلى حادة، وتشمل الحمى وفقدان الشهية والإسهال والغثيان وآلام البطن، واليرقان (اصفرار العينين والجلد).
وبحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية، فإن ما يزيد على 312 ألف شخص يعانون التهاب الجهاز التنفسي الحاد في غزة، بينما يعاني أكثر من 220 ألف مريض الإسهال الحاد، أكثر من نصفهم من الأطفال دون سن الخامسة، إضافة إلى إصابة أكثر من 6600 حالة بالجدري المائي في القطاع، وسط تداعيات مخاطر نزوح ما يقارب مليون ونصف مليون نازح في شتى أنحاء غزة.
السودان
منذ أبريل 2023، يشهد السودان حربا بين قوات الجيش والدعم السريع، خلفت نحو 18 ألفا و800 قتيل وأكثر من 10 ملايين نازح ولاجئ، في ظل تصاعد وتيرة اجتياح وباء الكوليرا للبلاد تحت وطأة النيران والرصاص.
وفي 17 أغسطس الجاري، أعلن وزير الصحة السوداني تفشي وباء الكوليرا في البلاد، نتيجة الأوضاع البيئية والمياه غير الصالحة للشرب في عدد من المواقع والمناطق، لافتا إلى أن ولايتي كسلا والقضارف (شرقي السودان) هما الأكثر تضررا من الوباء.
وجاء اعتراف المسؤول السوداني، غداة إعلان المسؤولة في منظمة الصحة العالمية مارجريت هاريس أن الأزمة الإنسانية الناجمة عن الحرب الأهلية في السودان أدت إلى تفاقم انتشار الأمراض منها الكوليرا، حيث تم الإبلاغ عن 11327 حالة إصابة بالكوليرا و316 حالة وفاة جراء الوباء.
وأشار المسؤولة الأممية إلى أن حالات حمى الضنك والتهاب السحايا في ارتفاع مستمر في السودان، قائلة: "يتوقع أن تكون أعداد الإصابات والوفيات من الأوبئة أكثر مما يتم الإبلاغ عنه".
والكوليرا هي عدوى إسهالية حادة تنتج من تناول طعام أو ماء ملوث، ويتسبب بالإسهال والجفاف الشديد الذي قد يؤدي إلى الوفاة خلال ساعات، فيما تعد حمى الضنك عدوى فيروسية ينقلها البعوض إلى البشر، أما التهاب السحايا هو عَدوى تصيب السائل والأغشية الثلاثة (السحايا) التي تحمي الدماغ والحبل النخاعي.
ولا تزال الأوبئة المزمنة في السودان تشكل خطرا أكبر من تداعيات الحرب، إذ كشف ممثل منظمة الصحة العالمية في السودان شبل صحباني مؤخرا، عن تفشي 5 أمراض على الأقل في البلاد، وهي الكوليرا والملاريا والحصبة والتهاب السحايا وحمى الضنك.
وأشار صحباني في تصريحات صحفية إلى أكثر من 11 ألف حالة كوليرا، و1.6 مليون إصابة ملاريا المتوطن بالبلاد منذ سنوات، ونحو 95 ألف حالة مشتبه بها لحمى الضنك، و4920 مريضا بالحصبة، و134 حالة لالتهاب السحايا.
وتعود أبرز أسباب تفشي الأوبئة إلى تأثير الحرب سلبا على القطاع الطبي والنقص الحاد في الكوادر والمعدات الطبية واللقاحات والأدوية، فضلا عن تلوث مياه الشرب وانعدام تصريف مياه الصرف الصحي، بحسب تقارير إعلامية وأممية.
اليمن
منذ اندلاع الحرب في اليمن عام 2014، لا تزال الأوبئة تجد مساحة انتشار مقلقة في البلاد، حيث أعلنت إيديم وسورنو مديرة العمليات والمناصرة في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في أبريل الماضي، عودة انتشار وباء الكوليرا بطريقة مثيرة للقلق، وتفشٍ بسرعة في مناطق سيطرة الحوثيين.
وحذّر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، مارتن غريفيث، من تفشّي وباء الكوليرا في أنحاء اليمن، الأمر الذي ينذر بوقوع كارثة صحية خطيرة.
وخلال العام الخامس من الحرب باليمن، وتحديدا في عام 2019، ظهر وباء إنفلونزا الخنازير، وانتشر بشكل لافت في محافظتي تعز وصنعاء، حيث وصلت حالات الإصابة والاشتباه بهذه الإنفلونزا إلى أكثر من 650 حالة توفي منها 125 حالة، في عموم المدن اليمنية، وفق تقديرات رسمية.
واستمر وباء الكوليرا في الانتشار وحصد أرواح المئات منذ ظهوره الأول باليمن عام 2016، إذ بلغت حالات الإصابة بالوباء منذ يناير حتى ديسمبر 2019 أكثر من 854 ألف شخص، توفي منهم أكثر من ألف مواطن، بحسب إحصائيات وزارة الصحة بصنعاء.
وتؤكد أرقام وزارة الصحة في صنعاء، ارتفاع حالات الإصابة بحمى الضنك خلال عام 2019، إلى أكثر من 650 حالة، حيث تسبب الوباء بوفاة أكثر من 270 شخصا، كما بلغت حالات الإصابة بمرض الدفتيريا خلال العام نفسه إلى أكثر من أربعة آلاف إصابة، بينهم 253 حالة وفاة.
وبلغت حالات الإصابة بالملاريا خلال 2019 أكثر من مليون وعشرين ألف حالة إصابة واشتباه، وقد تأكدت وزارة الصحة بصنعاء عن طريق الفحوصات المخبرية من 150 ألف حالة مصابة، وقد توفي بسببها 17 شخصا.
وفي سبتمبر 2023، كشفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) عن إصابة 4105 شخص في اليمن بالكوليرا وشلل الأطفال، خلال النصف الأول من العام ذاته.
وخلال سنوات الحرب، عرف اليمن أول موجة شرسة من وباء الكوليرا في أكتوبر من 2016، ووصلت إلى ذروتها عام 2017 مع تسجيل أكثر من 2000 حالة وفاة في ذلك العام، واستمرت الموجات الشرسة من الوباء حتى نوفمبر 2021، حيث بلغ المصابون خلال تلك الفترة أكثر من 2.5 مليون حالة، وأكثر من 4000 وفاة، وهو ما اعتبرته الأمم المتحدة أسوأ أزمة إنسانية في العالم وقتها.
وتشير الإحصائيات الأممية إلى أن 14 مليون يمني لا يستطيعون الحصول على خدمات صحية مباشرة، كما أن هناك 50 بالمئة من المرافق الصحية معطلة والبقية لا تؤدي خدماتها بشكل كامل، بسبب نقص الأدوية، فضلا عن أن أكثر من 15 مليون يمني لا يحصلون على مياه نظيفة، الأمر الذي تسبب في انتشار الكثير من الأوبئة.
سوريا
تشهد سوريا حربا مدمرة منذ عام 2011 قلت وتيرتها خلال السنوات الأخيرة نسبيا، لكن ذلك لم يحول دون انتشار الأمراض والأوبئة، لا سيما في ظل تدمير البنى التحتية.
وفي أكتوبر 2013، أفادت منظمة الصحة العالمية بمعاودة انتشار وباء شلل الأطفال في سوريا، وذلك بعد أن خلت البلاد تماما من انتشار هذا الوباء منذ عام 1999.
وفي يونيو 2017، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن مرض شلل الأطفال في سوريا تسبب في إصابة 177 طفلا على الأقل، واصفة الوضع بأنه خطير للغاية.
وقالت المنظمة الأممية آنذاك إن مرض شلل الأطفال تفشى في شمال شرق سوريا بعدما ظهر على الأرجح في باكستان وإنه يشكل تهديدا لملايين الأطفال في أنحاء الشرق الاوسط.
الصومال
يواجه الصومال عدم استقرار أمني ومواجهات عسكرية مستمرة مع مسلحين، ووفق تقديرات أممية فإن 6 ملايين نسمة يتعرضون إلى خطر الإصابة بالكوليرا في بلد يعيش فيه نحو 13 مليون نسمة، فيما يتعرض مليونان لخطر الإصابة الوخيم.
وتتوطن الكوليرا في الصومال حيث أُبلغ عن فاشيات متكررة منذ عام 2017 وكان بدء الفاشية الحالية للكوليرا في ديسمبر من العام ذاته، مع إبلاغ مقديشو عن اكتشاف 6817 حالة ووقوع 46 وفاة.
وسجل الصومال عددًا من حالات الكوليرا والإسهال المائي الحاد في الأشهر الستة الأولى من عام 2024 يفوق متوسط عدد الحالات في الفترة نفسها من السنوات الثلاث الماضية، وفق بيانات المنظمة الأممية.
وفي مارس الماضي ذكر ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، من أن عدد المصابين بالكوليرا والإسهال الحاد في الصومال منذ بداية العام بلغ نحو 4400 مصاب، توفي منهم 54 شخصا، في ازدياد كبير مقارنة بالسنوات السابقة.