«حق للجميع».. تقرير دولي يحذر من خصخصة قطاعات مياه الشرب
«حق للجميع».. تقرير دولي يحذر من خصخصة قطاعات مياه الشرب
للمياه، كغيرها من السلع الطبيعية المتجددة، وظائف وقيم متعددة، غير أننا إذا قارنا تلك الوظائف والقيم بالوظائف والقيم المستمدة من استخدام الأخشاب -على سبيل المثال- فإن فروقا مهمة تبرز، فإدارة المياه وإدارة الأخشاب تستوجبان الحفاظ على استدامة النظم الإيكولوجية المائية والحرجية، إذ لا يمكن إدارة الغابات كمخازن للأخشاب ولا يمكن إدارة الأنهار كقنوات للمياه بل كنظم إيكولوجية حية يتعين ضمان استدامتها.
جاء ذلك في تقرير المقرر الخاص المعني بحق الإنسان في مياه الشرب المأمونة وحقه في خدمات الصرف الصحي، بيدرو أروخو– أغودو، بعنوان "الصلة بين المياه والاقتصاد.. إدارة المياه للاستخدامات الإنتاجية من منظور حقوق الإنسان"، المقدم لمجلس حقوق الإنسان في دورته الـ57 التي انطلقت في 9 سبتمبر الماضي، وتتواصل حتى 9 أكتوبر الجاري، واطلع "جسور بوست" على نسخة منه.
وأشار المقرر الخاص، إلى أن الترويج لنهج قائم على حقوق الإنسان في إدارة المياه يتطلب إعطاء الأولوية للاستخدامات والوظائف التي تحافظ على الحياة، ولا سيما عيش الناس وكرامتهم، ويضع المقرر الخاص لذلك مفهوماً هو الماء من أجل الحياة، وينبغي أن يشمل مفهوم الماء من أجل الحياة ضمان الحصول على مياه الشرب والصرف الصحي كحق أساسي من حقوق الإنسان؛ وتوفير المياه للمجتمعات المحلية الريفية لإنتاج غذائها، وهو ما يتماشى مع حق الإنسان في الغذاء والحفاظ على النظم الإيكولوجية المائية وصيانتها لضمان بيئة صحية ومستدامة.
إدارة الأولويات الأخلاقية
ويعتقد المقرر الخاص أن السوق ليست الأداة المناسبة لإدارة الأولويات الأخلاقية أو حقوق الإنسان أو صحة النظام البيئي وكما يقول المثل الإسباني، لا ينبغي أن نطلب الكمثرى من شجرة الدردار؛ بل ينبغي أن نطلب الكمثرى من أشجار الكمثرى، فاعتماد نهج الإدارة المستدامة القائم على حقوق الإنسان يتجاوز النهج القائم على القيمة النقدية.
وسلط المقرر الخاص الضوء على مشهد نهج القيم، الذي يسلم بتنوع القيم ويوفر منهجية عملية لتوجيه عمليات صنع القرار.
ومن منظور متعدد التخصصات، يحدد القيم غير القابلة للقياس، بما في ذلك القيم الأساسية المتعلقة بالصحة والاستدامة والروحانية والمبادئ المرتبطة بحوكمة الموارد المائية، مثل الإنصاف والعدالة البيئية والعدالة عبر الأجيال.
ويرى المقرر الخاص أن المياه التي نستخرجها من الطبيعة لمختلف الاستخدامات ينبغي أن تدار كمنفعة عامة، متاحة للجميع وليست ملكا لأحد… وفي رأيه، ينبغي النظر إلى النظم الإيكولوجية التي يتم الحصول على المياه منها على أنها تراث طبيعي مشترك، ويجب ضمان استدامتها لصالح الجميع، بما في ذلك الأجيال القادمة.
سلعة خاضعة لمنطق السوق
وينظر إلى المياه، من المنظور الليبرالي الجديد، كسلعة خاضعة لمنطق السوق؛ ويعتمد الوصول إلى المياه واستخدامها والاستفادة منها على قدرة الفرد على الدفع وفقا للعرض والطلب، والهدف الأولي هو تحقيق أقصى قدر من الكفاءة من خلال حوافز المنافسة المفتوحة، وتصبح إدارة خدمات المياه والصرف الصحي مجالا خاصا بالشركات، حيث يترك الوصول إلى المعلومات في أيدي حملة أغلبية أسهم الشركات.
لكن المقرر الخاص يرى أن هذا النهج يتعارض مع مفهوم المياه كمنفعة عامة ولا يتسق مع النهج القائم على حقوق الإنسان في إدارة المياه.
وقال أغودو، إن القوة المؤسسية والقانونية للإدارة العامة للمياه والملك العام للنظم الإيكولوجية المائية التي فرضت طوال القرن العشرين، بعد فشل النماذج الليبرالية لخصخصة المياه في القرن التاسع عشر أدت إلى تطوير استراتيجيات خصخصة متطورة تتجنب تحدي الملك العام للمياه بشكل مباشر.
وظهرت نماذج الخصخصة في إدارة خدمات المياه والصرف الصحي القائمة على استراتيجيات الشراكة بين القطاعين العام والخاص وأسواق حقوق الامتياز، كما ظهرت استراتيجيات متعددة الأمولة المياه، مثل إدخال حقوق الامتياز في أسواق العقود الآجلة بمنطق المضاربة المالية.
العقود الآجلة للمستثمرين
وتشكل العقود الآجلة للمستثمرين في المياه تحديات أمام تطوير نهج إداري قائم على حقوق الإنسان لعدة أسباب، ففترات الامتياز، التي غالبا ما تكون أطول من 25 سنة، يصعب معها إنهاء الامتياز دون تكاليف كبيرة، إذ سيطلب المشغل تعويضا عن الأرباح المتوقعة طيلة فترة الامتياز بأكملها.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن رسوم الامتياز، التي هي عبارة عن سلفة يدفعها المشغل للمؤسسة العامة ويستردها من خلال التعريفات هي حافز للخصخصة يستغل الصعوبات المالية للمؤسسات المحلية لأنها لا تستخدم لتحسين الخدمة.
ورغم أن المياه تظل مشمولة بالملك العام نظريا، فإن الإدارة تحت بحكم الواقع على الاستيلاء التدريجي للقطاع الخاص على المياه.
وخلال فترات الجفاف، يتم تشجيع المضاربة والأسعار التعسفية، مع تغليب مصالح أصحاب الامتياز على اعتبارات حقوق الإنسان.
وعرض المقرر الخاص في تقريره المواضيعي الخاص عن تغير المناخ وحق الإنسان في المياه والصرف الصحي، استراتيجيات وتدابير لمنع وتقليل الأضرار الناجمة عن تغير المناخ، استناداً إلى تعزيز القدرة على التحمل البيئي والاجتماعي.