طوفان الأقصى.. ماذا خسرت إسرائيل في أطول حرب خاضتها منذ 1948؟
على مدى عام
مع اكتمال العام الأول منذ اندلاع الحرب في غزة، تنغرس أقدام إسرائيل أكثر في معارك تشبه الرمال المتحركة، لتتوسع في جبهات جديدة مع الضربات الجوية والاجتياح البري في لبنان، دون إحراز انتصار حقيقي أو إلحاق هزيمة كاملة بحركة حماس.
وتعد عملية "طوفان الأقصى" التي فاجأت إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، والحرب الطويلة التي اندلعت ردا عليها، أطول حرب خاضتها الدولة العبرية منذ عام 1948، حيث حشدت لها نحو 360 ألف جندي احتياطي، في أكبر تعبئة منذ حرب أكتوبر عام 1973.
وباتت الحرب الدائرة في غزة بمثابة نقطة تحول استراتيجي لقوات الجيش الإسرائيلي في معاركه مع دول المنطقة، حيث طالت أمد الحروب لشهور متواصلة ولم تعد مجرد ضربات خاطفة، ومن ثم مضاعفة التداعيات الخطيرة والخسائر الفادحة التي يتكبدها الوضع الداخلي في إسرائيل.
وعادة ما تلجأ وزارة الدفاع الإسرائيلية في أوقات الحروب، إلى خطة التعتيم الإعلامي على الأضرار والخسائر البشرية في الجانب الإسرائيلي، وسط رقابة عسكرية مشددة تمنع وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي من الوصول للمعلومات.
وبخلاف الخسائر الاقتصادية المباشرة على إسرائيل، وتراجع العملة المحلية (شيكل)، وانخفاض البورصة الإسرائيلية، وهروب المستثمرين، وانهيار السياحة الوافدة إليها، تدفع تل أبيب أثمانا باهظة بشأن الخسائر غير الاقتصادية التي طالت جنودها ومواطنيها خلال عام الحرب على غزة.
أهداف الحرب على غزة
وتعلن إسرائيل منذ بداية العملية العسكرية أن أحد أهدافها الأساسية هو استعادة الرهائن الذين تم اختطافهم على يد حركة "حماس"، إذ يشكل الرهائن ورقة مساومة رئيسية بين الجانبين في المفاوضات بشأن الهدنة.
وقدرت الحكومة الإسرائيلية عدد المحتجزين بـ251 رهينة، فيما أدت الهدنة في نوفمبر 2023 إلى الإفراج عن 81 رهينة من النساء والأطفال المحتجزين لدى "حماس"، كما تم إطلاق سراح 24 مواطناً أجنبياً، لا يحملون الجنسية الإسرائيلية، خارج إطار صفقة الهدنة.
وأشارت التقديرات الرسمية الإسرائيلية إلى أن عدد الرهائن في غزة حالياً هو 101 بينهم 4 أشخاص تم احتجازهم بين عامي 2014 و2015، فيما تمكنت القوات الإسرائيلية من العثور على رفات 37 رهينة، وإنقاذ 8 أحياء.
وفي نوفمبر 2023، تمكن الجيش الإسرائيلي من استعادة رفات ثلاث رهائن، بينهم اثنان من جنود الجيش ومدني، وقالت حماس إنهم قتلوا في غارة جوية إسرائيلية، فيما نفت إسرائيل وقالت إنها ستحقق في الأمر.
وتمكنت القوات الإسرائيلية من انتشال سبع جثث لرهائن من منطقة جباليا داخل شبكة أنفاق أخرى في مايو 2024، إذ قال الجيش الإسرائيلي آنذاك إن الـ7 قتلوا على يد عناصر من حماس في 7 أكتوبر 2023 وجرى اختطاف جثثهم إلى غزة.
ولم تعثر القوات الإسرائيلية على رهائن آخرين في شمال غزة حتى الآن، وتعهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مرارا بمواصلة القتال حتى القضاء على "حماس"، لكن معارضيه ينتقدون فشل حكومته في إعادة الرهائن على قيد الحياة ويتهموه بـ"وضع مصالحه الشخصية فوق مصالح الرهائن".
خسائر بشرية بصفوف إسرائيل
وكشف الجيش الإسرائيلي في أغسطس الماضي، أن حصيلة القتلى من جنوده بلغت 690 جنديا وضابطا قتلوا، بينهم 330 بالمعارك البرية في قطاع غزة، منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر 2023.
وأوضح الجيش الإسرائيلي أن قسم إعادة التأهيل في وزارة الدفاع الإسرائيلية استقبل 10 آلاف و56 جنديا جريحا منذ بدء الحرب، بمعدل أكثر من ألف جريح جديد كل شهر، وقال الجيش إن 35 بالمئة من الجرحى الجنود يعانون القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة والصدمات النفسية.
وبحسب بيانات وزارة الدفاع الإسرائيلية، يعاني أكثر من 3700 من الجنود الجرحى من إصابات في الأطراف، بما في ذلك 192 إصابة في الرأس، و168 مصابا بجروح في العين، و690 مصابا بجروح في الحبل الشوكي، و50 مصابا من مبتوري الأطراف يعالجون في قسم إعادة التأهيل.
وأوضحت هيئة البث الإسرائيلية (رسمية) أن 68 بالمئة من الجنود الجرحى هم من جنود الاحتياط ومعظمهم من الشباب، حيث إن 51 بالمئة منهم تتراوح أعمارهم ما بين 18 و30 عاما، و31 بالمئة تتراوح أعمارهم ما بين 30 و40 عاما.
وتخصص وزارة الدفاع الإسرائيلية منذ بدء الحرب على غزة، 10 مراكز لإعادة التأهيل بهدف علاج الجرحى والمعاقين في الجيش والذين يعانون من اضطرابات نفسية وعقلية وإعاقات جسدية، لا سيما في ظل التزايد المستمر في أعداد الجنود والضباط الجرحى والمعاقين.
وفي محاولة لاحتواء الأزمات الناجمة عن الحرب، دعا المدير العام لوزارة الدفاع العقيد إيال زمير، إلى فتح نقاش عاجل بشأن إقرار استراتيجية لاستيعاب وعلاج آلاف جرحى من الجنود، إلى جانب استمرار علاج 62 ألف معاق في الجيش والمؤسسة الأمنية من الحروب السابقة.
وأعلنت هذه الإحصاءات بالتزامن مع اتهام إسرائيل بالتكتم على الحصيلة الحقيقية لقتلاها وجرحاها في قطاع غزة، بينما يقول مسؤولون إسرائيليون مرارا إن الجيش يدفع "أثمانا باهظة" في معاركه داخل القطاع، ويخوض "قتالا شرسا" مع مقاتلين فلسطينيين.
إسرائيل بعيدة عن أهدافها
وتقول تقارير تحليلية أجنبية، إن إسرائيل لا تزال بعيدة كل البعد عن النصر الكامل الذي تتطلع إليه، في وقت تبدو فيه "حماس" أقرب إلى أهدافها في ظل جهد دولي يدفع باتجاه وقف إطلاق النار، لا سيما أن الحركة الفلسطينية لم تستسلم بعد نحو عام على الحرب.
وتحدث تقرير في صحيفة "معاريف" العبرية عن أن الحرب في قطاع غزة فقدت أهدافها، حيث "يُقتل فيها الجنود الإسرائيليون في فخاخ حماس، ومع ذلك يحتفظ القادة بمناصبهم".
وأشار التقرير إلى أن الجيش الإسرائيلي عاجز عن السيطرة على المناطق التي يحتلها في غزة، ويضطر إلى القتال في مكان واحد أكثر من مرة ويدفع ثمنا باهظا.
ونشرت الصحيفة ذاتها مقالا لاحقا قالت فيه إن "هجوم حماس أفقد إسرائيل قدرا كبيرا من هيبتها في المنطقة، الأمر الذي يتعين معه توظيف كل الطاقات للبقاء على أهبة الاستعداد ومواجهة أي تهديد".
وأوضحت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، أن الحرب على الحدود مع لبنان تزيد الضغوط على إسرائيل، لا سيما مع تصاعد الاحتجاجات الداخلية وتزايد نوبة الغضب الشعبي تجاه الحكومة الإسرائيلية.
مقترح اتفاق نهائي
وقبل نحو شهر، نقلت الصحيفة ذاتها عن مسؤولين أمريكيين (لم تسمهم)، أن الولايات المتحدة تخطط لتقديم مقترح اتفاق نهائي جديد لحماس وإسرائيل في الأسابيع المقبلة بشأن الحرب في غزة.
وقال المسؤولون آنذاك إن واشنطن تتشاور مع مصر وقطر بشأن ملامح اتفاق وقف إطلاق نار نهائي، لكن عدم قبول الاتفاق قد يعني نهاية المفاوضات بقيادة أمريكية.
ولم تتوقف اتصالات مصر مع مختلف الأطراف، خاصة إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وحركة حماس، للحفاظ على مسار المفاوضات الجارية وتجنب التصعيد، وهي مستمرة في هذا الجهد حتى تصل إلى اتفاق الهدنة ووقف إطلاق النار.
تعمد التعتيم والتضليل
بدوره، قال الدكتور أيمن الرقب، الخبير السياسي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، إن التقديرات الإسرائيلية بشأن الخسائر البشرية تتعمد التعتيم والتضليل، لا سيما أن عدد القتلى على الجانب الإسرائيلي تصل إلى 800 جندي إلى جانب نحو 500 مدني، فضلا عن 50 ألف مصاب، نصفهم على الأقل إصابات جسمية.
وأوضح الرقب في تصريح لـ"جسور بوست"، أن صحيفة "معاريف" العبرية أجرت استطلاعا للرأي منذ أيام خلص إلى نتائج بأن 33 بالمئة من الإسرائيليين يرغبون في الهجرة دون العودة، وهذه الأرقام القياسية لها دلالات واضحة على حالة الإحباط واليأس والرعب بين أفراد المجتمع الإسرائيلي.
وأضاف: "هناك تقديرات غير رسمية تؤكد أن أكثر من 30 ألف إسرائيلي باتوا يترددون على العيادات النفسية بسبب الصدمات وحالات الهلع من صفارات الإنذار والقتل والحرب الممتدة نحو عام، أسهم في ذلك العمليات النوعية التي تقوم بها الفصائل الفلسطينية، مثل عملية يافا مؤخرا التي أعلنت كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس مسؤوليتها عنها، والتي أدت إلى مقتل سبعة إسرائيليين وإصابة 16 آخرين".
وتابع: "إسرائيل تحاول استرداد هيبتها في المنطقة من خلال عمليات قتل إسماعيل هنية في إيران، وحسن نصر الله في لبنان، لكن ذلك لا ينفي أن دولة الاحتلال تعيش في رعب جراء صناعة الكراهية، وباتت تعاني ضعفا لافتا في قوة الردع، ما يضاعف من المؤشرات التي تفيد بأنها لن تصمد طويلا في هذه الحرب رغم كل الدعم الأمريكي والغربي".
ومضى الرقب، قائلا: "إذا استمرت القوى اليمينية المتطرفة الحاكمة في إسرائيل على النهج نفسه فسيكون تحقيق السلام في الشرق الأوسط شبه مستحيل، حتى اتفاقيات السلام بين إسرائيل والدول العربية ستظل غير مكتملة في ظل جرائم الاحتلال ضد الفلسطينيين والرفض الشعبي العربي للتطبيع مع كيان الاحتلال".
وبشأن القوة العسكرية لإسرائيل، قال الخبير والأكاديمي الفلسطيني: "بشكل عام هناك تراجع كبير في القوة العسكرية لدولة الاحتلال، حيث لم يصبح السلاح الإسرائيلي بذات القوة، كما أن الأجهزة الإسرائيلية فقدت قوتها وقدرتها التنافسية بين أجهزة الدول الأخرى، وربما تكون أحداث السابع من أكتوبر هي أكبر دليل على فشل المنظومة الأمنية الإسرائيلية في التنبؤ والاحتواء".
رقابة مشددة على الإعلام
وأكد الباحث المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور خالد سعيد، إن السلطة الحاكمة في دولة الاحتلال لن تعلن عن حجم الخسائر البشرية أو السياسية أو العسكرية التي تكبدتها أثناء الحرب سواء في قطاع غزة أو جنوب لبنان، وذلك لعدم التأثير السلبي على الحالة المعنوية للمجندين أو المواطنين.
وأوضح سعيد في تصريح لـ"جسور بوست" أن وسائل الإعلام العبرية لا تنشر معلومات عن القتلى والجرحى والخسائر البشرية سوى بعد موافقة الرقابة العسكرية، معلنا أن الجيش الإسرائيلي قرر عدم تداول معلومات عقب الضربة الإيرانية الأخيرة والتي تجاوزت قوتها 180 صاروخا، ومن ثم فإن حكومة نتنياهو تسعى دائما إلى التعتيم على إخفاقاتها العسكرية.
وأضاف: "الواقع أن إسرائيل قبل 7 أكتوبر لن تكون إسرائيل بعد هذا التاريخ، لا سيما أن الأوضاع والعوامل الجيوستراتيجية اختلفت تماما، إذ لقنت حركة "حماس" للجيش الإسرائيلي درسا قاسيا بكشف حقيقة قوته بعيدا عن الأساطير والدعاية السياسية والإعلامية المبالغة".
ودلل خالد سعيد على ذلك بـ"استمرار إطلاق القذائف الصاروخية من قطاع غزة على الداخل الإسرائيلي (غلاف غزة)، الأمر الذي يؤكد أن المقاومة لا تزال مستمرة ولم تستسلم، وأن هناك أجيالاً جديدة من الفصائل الفلسطينية المسلحة لن تتهاون مع الاحتلال الإسرائيلي".
واختتم سعيد بقوله: "البقاء الإسرائيلي في قطاع غزة يظل مرهونا بقوة المقاومة، لأن استمرار سيطرة قوات الاحتلال على محور فيلادلفيا بالمخالفة للاتفاقيات الدولية، يهدف إلى تقسيم غزة لمنطقة شمالية وأخرى جنوبية لتقليص عدد الفلسطينيين في شمال غزة، الأمر الذي لن يقبله الفلسطينيون".