لجنة أممية: العدالة والمصالحة ضروريتان لإنهاء الأزمة الإنسانية في جنوب السودان
لجنة أممية: العدالة والمصالحة ضروريتان لإنهاء الأزمة الإنسانية في جنوب السودان
أبلغت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنوب السودان الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأن غياب الحوكمة والمساءلة السياسية -إلى جانب تحويل الموارد الوطنية إلى الفساد- عرقل انتقال جنوب السودان، وقد زادت هذه التحديات من تفاقم الوضع الحقوقي المتدهور بالفعل في البلاد، ما أدى إلى التمديد الأخير لاتفاقية السلام المنقحة لعام 2018.
ونقل بيان صادر عن مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الأربعاء، عن المتحدث باسم اللجنة، بارني أفاكو، أن الجنوب السودانيين عبر جميع الفئات الاجتماعية عانوا بشكل كبير من الأزمات الإنسانية والاقتصادية الكارثية.
وعانت البلاد من “انعدام الأمن الغذائي وارتفاع معدلات الفقر، حيث تُرك ملايين الناس يعانون من نقص حاد في الغذاء والموارد الأساسية”. بحسب البيان.
وعبر أفاكو عن مشاعر الإحباط لدى الشعب قائلاً: "تعب الناس من انتظار القادة السياسيين لوضع حد لعوائق تنفيذ اتفاقية السلام"، جاءت هذه التصريحات في وقت كانت فيه البلاد تواجه أزمات إنسانية متزايدة، مما يضاعف من حالة الاستياء العام تجاه الحكومة.
العملية الانتخابية
وعبرت اللجنة عن قلقها بشأن التمديد الأخير لمدة عامين لاتفاقية السلام المنقحة في سبتمبر 2024، واعتبرت هذه الخطوة بمثابة تأخير إضافي لما كان من المفترض أن يكون أول انتخابات منذ استقلال جنوب السودان في عام 2011.
أكدت رئيسة اللجنة، ياسمين سوكا، أن القضايا المطروحة ليست مجرد تأخير أو عدم وجود انتخابات فحسب، بل هي تخريب التحول الديمقراطي الذي يحق للسودانيين الجنوبيين، ما يفاقم من الآثار الإنسانية المتزايدة لفشل الحكومة في حماية والاستجابة لمطالب المواطنين.
فشل العدالة الانتقالية
أشارت اللجنة إلى أن توحيد القوات المسلحة، وهو بند أساسي في الاتفاقية المنقحة، لم يُنفذ بشكل ملحوظ حتى الآن، هذا الفشل في التنفيذ أدى إلى استمرار العنف المسلح والنزاع بين الجماعات المسلحة المختلفة.
وأضافت اللجنة أن بعض الأحكام الأخرى المتعلقة بتطوير دستور دائم وإنشاء مؤسسات للعدالة الانتقالية لم تشهد أي تقدم ملموس، واستمر العنف الجنسي المرتبط بالنزاع، واستخدام الأطفال في القوات المسلحة، والاختطافات، والقتل خارج نطاق القضاء، وعمليات القتل الانتقامية، ما جعل من الضروري اتخاذ إجراءات فورية.
أفاد أفاكو بأن العنف المستمر -الذي غالبًا ما يتخذ أبعادًا عرقية- يتبع نمطًا واضحًا من المنافسة السياسية والصراع على الأراضي والموارد الاقتصادية، أسهم هذا العنف في حالة من الفوضى التي تسببت في تهجير العديد من الأشخاص وزيادة حالة عدم الأمان، وأدى غياب استجابة فعالة من قبل السلطات إلى تفاقم هذه الأوضاع، حيث شعر المواطنون بأنهم غير محميين من الاعتداءات.
أهمية العدالة والمساءلة
شدد المفوض كارلوس كاستريسانا فيرنانديز على أن عمليات العدالة والمساءلة تعد الطريقة الوحيدة لكسر دورة العنف والفظائع في جنوب السودان، واعتبر أن المساءلة الجنائية ترسل رسالة واضحة للجناة، وهي أمر بالغ الأهمية في سياق يُعاني فيه المواطنون بشكل متكرر على يد الأطراف المتصارعة.
ودعا فيرنانديز إلى إصلاحات قضائية قوية مصحوبة بتمويل مناسب، مما سيمكن الفاعلون في مجال العدالة من العمل بفعالية وحيادية، دون تدخل.
على الرغم من أن البرلمان الوطني الانتقالي أقر في سبتمبر مشروعات قوانين لإنشاء لجنة للحقيقة والمصالحة والشفاء، وهيئة التعويضات والإصلاح، لم تتخذ الحكومة خطوات ملموسة نحو إنشاء المحكمة الهجينة مع الاتحاد الأفريقي، يُعتبر هذا العنصر ضروريًا في عملية العدالة الانتقالية، حيث يُعاني المجتمع من آثار الصراعات الماضية.
انتشار الفساد
استمر الفساد في تحويل الأموال العامة بشكل منهجي في جنوب السودان، حيث أظهرت التحقيقات أن الإيرادات الوطنية، خاصة من النفط، تُدار بشكل سيئ لفائدة النخب السياسية وشبكات الرعاية الخاصة بهم.
وأدت هذه الأوضاع إلى تفشي الفساد في جميع مستويات الحكومة، مما أثر سلبًا على قدرة الحكومة على تقديم خدمات أساسية مثل التعليم والرعاية الصحية، وأظهرت البيانات أن التخصيصات للخدمات الأساسية للمواطنين غير كافية بشكل كبير، مما ترك المنظمات الدولية لملء الثغرات، وهو ما لا يمكنها معالجته نظرًا لقيود تمويلها والوصول إليها.
بينما كانت الأوضاع الإنسانية تتدهور، عاشت معظم الأسر السودانية الجنوبيين في حالة من انعدام الأمن الغذائي الحاد، حيث تفاقمت الأزمات بسبب الحرب في السودان المجاور، أدت النزاعات إلى تدفق كبير من العائدين واللاجئين، مما زاد من الضغط على الموارد المحلية.
ورد أن معظم موظفي الخدمة المدنية وأفراد القوات المسلحة لم يتلقوا رواتبهم منذ ما يقرب من عام، ما أدى إلى تفاقم حالة الفقر والعوز.
أهمية التعاون الدولي
في قرارها المؤرخ 27 مارس 2024، طلب مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من اللجنة تقديم تحديث للجلسة الحالية للجمعية العامة، ومن المقرر أن يلتقي أعضاء اللجنة الذين يزورون نيويورك مع مسؤولين كبار من الأمم المتحدة، ودبلوماسيين من الاتحاد الإفريقي ودول الأعضاء الأخرى في الأمم المتحدة، ومنظمات غير حكومية، وذلك لتعزيز الجهود الدولية الرامية إلى تحسين الأوضاع الحقوقية في جنوب السودان وضمان تحقيق العدالة والمساءلة.