حرية الصحافة الإثيوبية.. انتعاشة مؤقتة وتراجع متواصل على وقع النزاعات الداخلية
منظمات دولية تدعو لوقف التجاوزات ضد الصحفيين
بجملة من الانتهاكات والتجاوزات، يعيش الصحفيون في إثيوبيا أوضاعًا صعبة خلال مزاولة عملهم، في ظل اضطرابات سياسية ونزاع دامٍ مستمر في البلاد منذ عام 2020.
ودعت لجنة حماية الصحفيين (غير حكومية، مقرها نيويورك) مؤخرًا، السلطات الإثيوبية إلى تحسين ظروف حرية الصحافة وضمان سلامة الصحفيين، حيث أشارت إلى تعرّض الصحفيين للاعتقال التعسفي والعنف الجسدي والمضايقات والقيود القانونية الصارمة وغيرها.
وأوصت لجنة حماية الصحفيين في تقريرها السنوي بـ"الإفراج الفوري عن الصحفيين المحتجزين، والتحقيق في الهجمات على الصحافة، وضمان المساءلة عن العنف ضد الصحفيين، وتعديل القوانين القمعية لتتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان".
أدى النزاع الذي اندلع في نوفمبر 2020 بشمال إثيوبيا إلى تسريع تدهور حرية الصحافة في الدولة الإفريقية، ونسف التقدّم الذي أنجزه رئيس الوزراء آبي أحمد حين استلم السلطة في عام 2018، الأمر الذي أدى إلى فوضى على وقع احتجاج جبهة تحرير شعب تيغراي التي حكمت إثيوبيا لما يقارب ثلاثين عامًا على سلطة الحكومة الفيدرالية.
دعمت سلطات إقليم أمهرة (شمال) رئيس الوزراء آبي أحمد والجيش الفيدرالي في النزاع مع المتمردين في منطقة تيغراي المجاورة الدائر منذ نوفمبر 2020، لكن انقسامات ظهرت بشأن طريقة إدارة آبي أحمد للحرب، إذ تعيش المنطقة، التي يبلغ تعدادها ستة ملايين نسمة، أي ما يعادل ستة بالمئة من سكان إثيوبيا، تحت حصار مفروض بحكم الأمر الواقع.
أوضاع الصحافة
شهدت حرية الصحافة في إثيوبيا تقلبات كبيرة خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد الإصلاحات التي قام بها رئيس الوزراء آبي أحمد منذ توليه السلطة في 2018، إذ شهدت تحسينات ملحوظة في مناخ حرية التعبير، إلا أن الوضع سرعان ما تراجع بسبب التوترات السياسية والصراعات الداخلية.
وبحسب تقارير محلية ودولية، أطلق آبي أحمد عندما تولى السلطة في إثيوبيا، حزمة من الإصلاحات السياسية التي أدت إلى تحسن ملحوظ في حرية الصحافة، حيث أُطلق سراح عدد من الصحفيين والنشطاء الذين كانوا معتقلين بسبب نشاطاتهم الصحفية والسياسية.
كما قامت الحكومة الإثيوبية بإلغاء قانون مكافحة الإرهاب الصارم الذي كان يُستخدم لقمع الصحفيين والنشطاء، وشهدت البلاد تخفيفًا للرقابة على الإعلام، وبدأت وسائل الإعلام المستقلة والدولية في العمل بشكل أكثر حرية.
فيما بدأت الأوضاع تتدهور مع تصاعد النزاعات الداخلية، وخاصة بعد اندلاع الصراع في إقليم تيغراي في نوفمبر 2020، إذ تم اعتقال العديد من الصحفيين المحليين والدوليين الذين حاولوا تغطية النزاع في تيغراي، وتم توجيه اتهامات لهم بنشر أخبار كاذبة أو تهديد الأمن القومي.
وقامت الحكومة بفرض قيود على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وتم حجب بعض المواقع الإخبارية، خاصة تلك التي تنتقد الحكومة، وتزايدت الرقابة الحكومية على وسائل الإعلام، وتم الضغط على الصحفيين للتحقق من الأخبار مع السلطات قبل نشرها، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الحساسة مثل الصراعات العرقية.
وتعرّض الصحفيون للعديد من التهديدات والانتهاكات، أبرزها الاعتقالات التعسفية بدون مذكرات توقيف واضحة أو إجراءات قانونية سليمة، والاعتداءات الجسدية والمضايقات من قبل الأجهزة الأمنية، إلى جانب الإغلاق القسري للمؤسسات الإعلامية، وخاصة تلك التي تتناول قضايا حقوق الإنسان والنزاعات العرقية.
وبحسب المؤشر العالمي بشأن حرية الصحافة لمنظمة مراسلون بلا حدود (غير حكومية، مقرها باريس)، تراجعت إثيوبيا في مؤشر حرية الصحافة، وأصبحت تُصنف كواحدة من الدول ذات المخاطر العالية للصحفيين، إذ احتلت المرتبة الـ(141) من بين (180) دولة لعام 2024.
انعكاسات داخلية
تعتبر الصراعات الداخلية في إثيوبيا، مثل النزاع في تيغراي والصراعات العرقية في مناطق أوروميا والأمهرة، من المواضيع المحظورة أو الحساسة في التغطية الإعلامية، إذ تفرض الحكومة قيودًا على التغطية الإعلامية لهذه الصراعات، وتمنع دخول الصحفيين إلى بعض المناطق المتأثرة بالنزاع.
وعادة ما تتهم وسائل الإعلام الإثيوبية بتناول وتقديم رواية موالية للحكومة وتجنب تناول الانتهاكات والجرائم التي ترتكبها القوات الحكومية أو الجماعات المسلحة ضد المدنيين بشكل عام والصحفيين على وجه التحديد.
ويعاني الإعلام المستقل في إثيوبيا من نقص التمويل، ما يجعله عرضة للضغوط السياسية من الحكومة والممولين، حيث تُعتبر الإعلانات الحكومية مصدرًا رئيسيًا للدخل، لذا تضطر بعض وسائل الإعلام إلى الرقابة الذاتية للحفاظ على هذا المصدر من التمويل.
ويوجد في إثيوبيا قانون الإعلام الذي ينص على حرية الصحافة، لكن تطبيقه غالبًا ما يكون انتقائيًا، حيث تم إعادة إحياء بعض القوانين القمعية مثل قانون مكافحة الإرهاب الذي يُستخدم لتوجيه اتهامات للصحفيين بالتآمر أو نشر الأخبار الكاذبة.
في عام 2021، تم إنشاء هيئة الاتصالات الإثيوبية لتنظيم وسائل الإعلام، ولكنها تتهم بأنها تُستخدم كأداة للسيطرة على المحتوى الإعلامي والتحكم فيه، بحسب تقارير إعلامية دولية.
وتوجه المنظمات الحقوقية الدولية مثل "مراسلون بلا حدود" و"لجنة حماية الصحفيين" انتقادات واسعة للحكومة الإثيوبية بشأن تدهور أوضاع حرية الصحافة، حيث تدعو إلى احترام حقوق الصحفيين، والإفراج عن المعتقلين بسبب أنشطتهم الصحفية.
رغم التحسن الذي شهدته حرية الصحافة في إثيوبيا في بداية عهد رئيس الوزراء آبي أحمد، فإن الصراعات الداخلية والتوترات السياسية أدت إلى تراجع كبير في هذا المجال، ما يعكس الحاجة إلى إصلاحات جدية لضمان حماية حرية الصحافة وحقوق الإعلاميين في البلد الإفريقي.
تأثير النزاعات والحروب
قال نقيب الصحفيين السودانيين، عبد المنعم أبو إدريس، إن الصحافة الافريقية تواجه تحديات عديدة وقيود مفروضة على حريتها سواء من قبل الإجراءات الحكومية أو المجموعات المسلحة التي تنشط في بعض المناطق بالبلاد.
وأوضح أبو إدريس في تصريح لـ"جسور بوست"، أن الصحافة في إثيوبيا تعاني من عدة تحديات أبرزها تراجع الحريات وتقييد حركة الصحفيين، على الرغم من أن نصوص الدستور الإثيوبي تكفل حرية الصحافة، لكنها تظل حبرا على ورق ولا تمت للواقع الإثيوبي بصلة.
وأضاف: "بسبب الأوضاع الأمنية المتوترة في إثيوبيا، وطبيعة الأقاليم التي يقوم تقسيمها على أسس الإثنية والعرقية، تضطر المؤسسات الصحفية في هذه الأقاليم لضمان عملها وبقاءها أن تمثيل للانحياز وتفتقد الموضوعية والحياد".
ومضى أبو إدريس، قائلا: "نشوب الصراعات والنزاعات في أي مكان بالعالم يدفع بالضرورة إلى تراجع الحريات ويفرض قيوداً عديدة على وسائل الإعلام والعاملين بالمهنة، بسبب الأوضاع السياسية المتردية وصعوبة الوصول إلى المعلومات وتدقيقها، الأمر الذي يجعل من العمل الصحفي شبه مستحيل".
فرض الانحياز لأطراف النزاع
من جانبه، قال محمد عز الدين، الباحث المتخصص في الشأن الإفريقي بجامعة القاهرة ورئيس مؤسسة النيل للدراسات الإفريقية والاستراتيجية، إن مناطق النزاعات والحروب تفرض على الصحفيين نمطًا من الانحياز لأحد طرفي الصراع، ومن ثم تختفي الموضوعية وآليات حماية الصحفيين من المخاطر، وبالتالي يتحول العاملون بالمهنة إلى أهداف لأطراف الصراع.
وأوضح عز الدين في تصريح لـ"جسور بوست"، أن الصراع في إثيوبيا يتخذ منحى أكثر صعوبة، لأن أحد طرفي الصراع هو الحكومة المركزية والطرف الآخر هو إحدى القوميات الإثنية، وبالتالي فإن الطرف الذي يملك القرار والسلطة والسلاح يفرض قيودًا على الصحفيين، ولذلك تجد السجون في إثيوبيا مليئة بالصحفيين والإعلاميين، إلى جانب منع الصحفيين الدوليين من الدخول لنقل حقيقة الأحداث الدامية والصراعات والمعارك بشكل محايد.
وأضاف: "الصحفيون المحليون يتعرضون للتهديد إذا رفضوا نقل أهداف ورؤية النظام المركزي، حتى وإن كانت لهم انحيازات قومية أو عرقية مع الطرف الآخر من الصراع، لأن الحكومة الإثيوبية لا تتسامح مع الاختلاف".
وتدهور الوضع بشكل كبير بعد اندلاع صراع تيغراي في 2020، حيث صعدت الحكومة الإثيوبية حملتها على وسائل الإعلام المعارضة، وتُصنف البلاد الآن من بين أسوأ الدول في منطقة جنوب الصحراء الكبرى الإفريقية من حيث حرية الصحافة، ما يعكس مخاوف أوسع نطاقًا بشأن تقلص مساحة حرية التعبير والمخاطر المتزايدة التي يواجهها الصحفيون الذين يتحدون الروايات الرسمية للصراع والسياسات الحكومية.