تغييرات تشريعية وتحسين لأوضاع اللاجئين.. الشباب العربي يقود حملات حقوق الإنسان في 2024
تغييرات تشريعية وتحسين لأوضاع اللاجئين.. الشباب العربي يقود حملات حقوق الإنسان في 2024
يحتفل المجتمع الدولي بيوم حقوق الإنسان في 10 ديسمبر من كل عام، حيث يحيي في ذلك اليوم ذكرى اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، وقد شهدت الحركات الشبابية في العالم العربي تحولًا كبيرًا في طرق تعاملها مع قضايا حقوق الإنسان على مر العقود الماضية، عبر الاحتجاجات الشعبية، وحملات التوعية المجتمعية، واستخدام الأدوات الرقمية التي أصبحت تهيمن على هذه الحركات.
وفي عام 2024، تعكس هذه التحولات التطور المستمر في دور الشباب العربي في النضال من أجل حقوق الإنسان، حيث استغلوا التكنولوجيا الحديثة لتوفير منصات واسعة لهم للتعبير عن مطالبهم بحرية، بعيدًا عن الرقابة التقليدية.
بحسب دراسة نشرتها "مؤسسة فريدريش إيبرت" في 2024، أظهرت أن حوالي 52% من الشباب العربي يعتبرون الدفاع عن حقوق الإنسان جزءًا من حياتهم اليومية، مقارنة بـ 35% في السنوات السابقة، وهذه الزيادة تشير إلى تحول ملحوظ في الوعي لدى الشباب العربي بحقوق الإنسان، وتعود إلى دور منصات التواصل الاجتماعي في نشر الوعي وتوثيق الانتهاكات في مختلف أنحاء العالم العربي، مثلما حدث مع حملات توعية في مصر ولبنان وفلسطين، ما جعل هذه القضايا تكتسب زخماً أكثر من أي وقت مضى.
حملات رقمية
في تونس، على سبيل المثال، قاد الشباب حملات رقمية على منصات مثل تويتر وفيسبوك لدعم حقوق المرأة، حيث تركزت الحملات على مكافحة العنف الجنسي وتعزيز حقوق النساء ووفقًا لتقرير "رابطة النساء الديمقراطيات" في تونس لعام 2024، فقد ساهمت هذه الحملات في زيادة الوعي العام بنسبة 30% حول حقوق المرأة، كما ساعدت في الضغط على الحكومة لإجراء تعديلات تشريعية لتحسين وضع النساء في المجتمع، وقد تجسد ذلك في تعديل بعض القوانين المتعلقة بالتحرش والعنف ضد المرأة، ما يعكس تأثير التكنولوجيا كأداة ضغط على الحكومات.
أما في فلسطين، فقد سلط الشباب الفلسطيني الضوء على الانتهاكات المستمرة من قبل الجيش الإسرائيلي، واستخدموا منصات التواصل الاجتماعي لنشر مقاطع الفيديو والصور التي توثق الاعتداءات على المدنيين، ما ساهم في زيادة الوعي العالمي بقضايا حقوق الإنسان الفلسطينية.
وحسب تقرير "منظمة الحق" الفلسطينية لعام 2024، ارتفعت مشاركة الشباب في حملات التوعية بحقوق الإنسان بنسبة 45% مقارنة بالعام السابق، مع التركيز على قضية الأسرى الفلسطينيين، ولقيت حملات مثل “حرية الأسرى” و"المقاطعة" تفاعلًا واسعًا على منصات مثل تويتر وإنستغرام، ما ساعد في دفع القضية الفلسطينية إلى الساحة الدولية.
وفي لبنان، ورغم التحديات الاقتصادية والمالية التي يواجهها، لعب الشباب دورًا رئيسيًا في قضايا حقوق الإنسان، خصوصًا في ما يتعلق بالعدالة الاجتماعية، فوفقًا لبيانات "المنتدى الاقتصادي اللبناني"، شارك أكثر من 60% من الشباب اللبناني في احتجاجات تطالب بتحسين الأوضاع الاقتصادية، بينما دعت 70% من هذه الاحتجاجات إلى محاسبة المسؤولين عن الفساد وسوء الإدارة، وقد استخدم الشباب منصات رقمية لإيصال رسائلهم إلى الداخل والخارج، ما ساهم في زيادة الضغط على الحكومة اللبنانية لتحقيق بعض الإصلاحات الاقتصادية.
وبالإضافة إلى الحملات الرقمية عبر منصات تقليدية مثل تويتر وفيسبوك، أصبح الشباب يستخدمون منصات جديدة مثل "تيك توك" و"يوتيوب" لنشر مقاطع فيديو توثق انتهاكات حقوق الإنسان، هذه المقاطع، التي تشمل شهادات حية وأدلة على الانتهاكات، تساهم في جعل قضايا حقوق الإنسان أكثر حضورًا عالميًا، وتؤثر في تغييرات سياسية على مستوى الحكومات.
قصص نجاح بارزة
من بين أبرز قصص النجاح التي أضاءت مشهد حقوق الإنسان في العالم العربي، نجد الناشطة السورية "فاطمة" التي أطلقت حملة رقمية للضغط على الحكومات من أجل تحسين أوضاع اللاجئين السوريين في دول الجوار.
ووفقًا للتقرير الصادر عن "منظمة العفو الدولية" في 2024، نجحت حملتها في جمع 200,000 توقيع، ما أدى إلى حشد دعم دولي لتحسين الوضع القانوني والاجتماعي للاجئين في لبنان والأردن.
في السودان، ساهم الشباب في إشعال الاحتجاجات بعد أحداث 2021 وفي 2024، أطلقوا حملة ضخمة عبر الإنترنت لدعم الحرية والديمقراطية، ما أدى إلى زيادة الضغط الدولي على الحكومة السودانية لتبني إصلاحات سياسية.
وبحسب "مؤسسة السودان لحقوق الإنسان"، أسفرت هذه الحملة عن إطلاق سراح أكثر من 100 معتقل سياسي، ما يعكس نجاح الشباب في التأثير على السياسات الداخلية والخارجية.
لكن رغم النجاحات التي حققها الشباب العربي في الدفاع عن حقوق الإنسان، ما زالت هناك تحديات في لابعض البلدان تتمثل في فرض رقابة مشدد على النشاط الرقمي، ما يجعل حملات الشباب عرضة للخطر، وفي بعض الحالات، تقوم الحكومات بتشديد القوانين التي تحد من حرية التعبير، ما يهدد فعالية هذه الحركات الشبابية. إلا أن الأمل يبقى في إصرار الشباب على مواصلة مسيرتهم، مستفيدين من الأدوات الرقمية التي تعطيهم القوة للضغط وتغيير السياسات.
الشباب والنضال الحقوقي
وقال الخبير الحقوقي علي بن زيد، إننا شهدنا دورًا متزايدًا ومؤثرًا للشباب في الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم العربي، حيث نجح هؤلاء الشباب في إثبات أنهم ليسوا فقط متأثرين بالقضايا الحقوقية، بل أصبحوا فاعلين رئيسيين في تغيير المشهد السياسي والاجتماعي في العديد من البلدان، ومع تقدم التكنولوجيا وارتفاع معدلات استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، استطاع الشباب تجاوز القيود الحكومية التي كانت تعيق حركتهم في الماضي، وخلقوا مساحات جديدة للنقاش والحوار حول قضايا حقوق الإنسان، وعلى الرغم من هذا التقدم، فإن الحركات الشبابية لا تزال تواجه العديد من التحديات التي تتطلب نظرة نقدية لتحديد مدى فعاليتها واستدامتها.
وتابع ابن زيد، في تصريحاته لـ"جسور بوست"، أحد المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان هو الحق في المشاركة في الحياة العامة، وهو ما تجسد في دور الشباب في 2024 بشكل بارز، كما ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته 21 على أن "لكل شخص الحق في المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده"، وهو ما يعتبر حقًا أساسيًا لا يجوز التنازل عنه، ورغم أن الحكومات في بعض الدول العربية تواصل ملاحقة هذه الحركات وفرض قيود على الحريات المدنية، فإن الشباب نجحوا في تفعيل هذا الحق عبر أدوات رقمية، ما أتاح لهم تشكيل منصات للمشاركة في مناقشة السياسات العامة، بما يتماشى مع مبادئ الديمقراطية والعدالة.
واسترسل، لا يمكن إغفال أن هذا الدور المتزايد للشباب في الدفاع عن حقوق الإنسان يأتي في ظل تحديات جمة. فالبعض يرى أن التوسع في استخدام الوسائل الرقمية لن يكون كافيًا في تحقيق التغيير الحقيقي ما لم يصاحبه تحول جوهري في مواقف الحكومات تجاه الحريات العامة، ففي بعض الدول، لا يزال الشباب يواجهون قمعا، سواء من خلال قوانين ضد حرية التعبير أو عبر ممارسات التنكيل والاعتقال ضد الناشطين السياسيين، وبالتالي، لا تزال العديد من هذه الحركات محدودة في تأثيرها الفعلي على الأرض.
وأضاف الخبير الحقوقي، أن نجاح الحركات الشبابية في بعض الحالات، مثل حملات الضغط الرقمية على حقوق المرأة في تونس أو حملات التضامن مع الأسرى الفلسطينيين، يبرز قدرة الشباب على التأثير في الرأي العام وعلى اتخاذ خطوات ملموسة نحو التغيير، إلا أن هذا النجاح يظل محدودًا بسبب القيود التي تضعها بعض الحكومات على الحريات السياسية، وهو ما يتناقض مع المبادئ التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تضمن للأفراد الحق في حرية التعبير والتنظيم.
وأوضح أنه بالنظر إلى أن حركات الشباب غالبًا ما تنشأ استجابة لانتهاكات واضحة لحقوق الإنسان، فإن هذه الحركات لا تهدف فقط إلى التوعية، بل هي في جوهرها نضال مستمر من أجل تصحيح السياسات والممارسات غير العادلة، وعلى سبيل المثال، في بلدان مثل السودان، شهدنا كيف أن الشباب قاوموا تولي الجيش السلطة عام 2021، وواصلوا في 2024 الضغط على الحكومة من خلال حملات إلكترونية تدعو إلى العودة إلى الديمقراطية وحياة المجتمع المدني.
وتابع، لكن يبقى السؤال المطروح: هل يستطيع الشباب الحفاظ على هذا الزخم في ظل وجود التهديدات؟ في النهاية، إذا كانت الحركات الشبابية ترغب في استدامة التأثير الفعلي على قضايا حقوق الإنسان، فإنها بحاجة إلى دعم أوسع من المجتمع الدولي، الذي يجب أن يتدخل بشكل فعال للضغط على الأنظمة الحاكمة لتبني سياسات أكثر استجابة لحقوق الأفراد أيضًا، ومن المهم أن تواصل هذه الحركات العمل على إيجاد حلول قانونية تضمن الحماية للناشطين الشباب وتوفر لهم بيئة آمنة للعمل من أجل حقوق الإنسان.
وأتم، أظهر الشباب أنهم القوة الصاعدة التي يمكن أن تسهم في تغيير الأنظمة السياسية والاجتماعية في العالم العربي، ولكن يبقى التحدي الأكبر هو حماية هذه الحركات من التهديدات التي تواجهها ومساندتها في تحقيق مطالبها المشروعة في إطار من العدالة والمساواة.مسارات التغيير الاجتماعي والمخاطر المحتملة.
القدرة على التأثير الفعّال
وقال خبير علم الاجتماع والأكاديمي، محمود الحمداني، إن دور الشباب في دعم قضايا حقوق الإنسان من التحولات الاجتماعية البارزة في العالم اليوم، إذ أصبح لديهم القدرة على التأثير الفعّال في السياسات العامة وتعزيز الوعي المجتمعي من خلال أدوات العصر الرقمي، ففي الماضي، كانت الحركات الحقوقية تقتصر على فئة معينة من المجتمع، أما اليوم فقد أصبحت الحركات الشبابية هي التي تقود هذه القضايا بفضل وسائل التواصل الاجتماعي التي توفر لهم منصات للتعبير عن آرائهم ومطالبهم بحرية، بعيدًا عن القيود التقليدية.
وتابع الحمداني، في تصريحاته لـ"جسور بوست"، من أهم الفوائد التي جلبتها هذه الحركات هي زيادة الوعي المجتمعي، فالشباب اليوم قادرون على نشر رسائلهم بسرعة عبر منصات مثل تويتر وفيسبوك وإنستغرام، حيث يتفاعل معهم ملايين الأشخاص في العالم، هذا التأثير الكبير ساعد في إبراز قضايا حقوق الإنسان التي كانت في بعض الأحيان مغفلة أو غير مرئية، مثل حقوق المرأة، وحريات التعبير، وحماية الأقليات، كما أن هذه الحركات ساعدت على تعبئة الشباب حول قضايا العدالة الاجتماعية، ما أتاح لهم فرصة لتغيير السياسات أو على الأقل، الضغط على الحكومات للموافقة على إصلاحات تشريعية.
وأكد أن الأمر لا يخلو من مخاطر كبيرة في بعض الدول، حيث لا تتوانى الحكومات عن استخدام القوة لوقف هذه الحركات، وقد يتعرض الشباب المشاركون في الاحتجاجات أو الحملات الرقمية للاعتقال أو التهديدات، أو حتى للمضايقات النفسية والاجتماعية، إضافة إلى ذلك، يمكن أن يواجه الشباب ضغوطًا اجتماعية من أسرهم أو مجتمعاتهم المحلية، التي قد لا تتقبل تحركاتهم وتعتبرها تهديدًا للأمن والاستقرار الاجتماعي.
وتابع: قد يواجه الشباب تحديات داخلية تتعلق بتوازنهم بين النضال الحقوقي والجوانب الأخرى من حياتهم مثل التعليم أو العمل. فالمشاركة في حملات حقوق الإنسان تتطلب جهدًا ووقتًا قد يؤثر على سير حياتهم الشخصية والمهنية، كما أن التكنولوجيا التي يسعون للاستفادة منها في نشر أفكارهم قد تتحول إلى سلاح ذي حدين، ففي البلدان التي تشهد رقابة شديدة على الإنترنت، قد تتعرض هذه الحركات للتهديد من السلطات، ما يجعل الحملات الرقمية عرضة للتوقف أو التراجع.
وأوضح الخبير الاجتماعي أنه على الرغم من هذه التحديات، لا يزال دور الشباب العربي في الدفاع عن حقوق الإنسان أمرًا بالغ الأهمية، فعلى الرغم من المخاطر التي قد يتعرضون لها، فإن إصرارهم على التغيير يجلب الأمل في عالم أكثر عدلاً، وتُظهر التجارب أن هذه الحركات الرقمية لم تعد مجرد أدوات للتنظيم، بل أصبحت أدوات ضغط حقيقية على الحكومات والمجتمعات الدولية للالتزام بحقوق الإنسان، ما يعكس تحولًا اجتماعيًا عميقًا.
واختتم، قائلا: رغم التحديات التي يواجهها الشباب العربي في مسيرتهم، فإن قدرتهم على التأثير إيجابيًا في مجتمعاتهم تتعزز مع كل حملة يطلقونها أو قضية يروجون لها، ويتطلب الأمر فقط مزيدًا من الدعم والوعي لضمان أن تكون هذه الحركات شريكًا قويًا في تعزيز حقوق الإنسان في المستقبل.