بحثا عن العدالة الاجتماعية.. تمكين المرأة في العصر الرقمي يصطدم بتحديات الفجوة التقنية
بحثا عن العدالة الاجتماعية.. تمكين المرأة في العصر الرقمي يصطدم بتحديات الفجوة التقنية
في عصر التحول الرقمي، تقف المرأة على عتبة مرحلة حاسمة من المشاركة والتمكين، حيث باتت التكنولوجيا تمثل فرصة ذهبية لتغيير معادلة النوع الاجتماعي في مجالات العمل، والإدارة، والتعليم، والمشاركة المجتمعية.
ورغم الفرص الكبيرة التي يتيحها هذا التحول، فإن المرأة تواجه تحديات متشابكة تتطلب تفكيكها والعمل على تجاوزها.
تشير بيانات منظمة الأمم المتحدة للاتصالات 2023 إلى أن النساء يشكلن نحو 30% فقط من العاملين في مجالات التكنولوجيا والاتصالات على مستوى العالم.
وتظهر هذه النسبة فجوة كبيرة مقارنة بنسب تمثيل الرجال، خاصة في المناصب العليا والمهن التقنية المتقدمة مثل الحوسبة السحابية، حيث لا تتجاوز مشاركة المرأة نسبة 14%، والهندسة بنسبة 20%، بينما يصل التمثيل النسائي في الذكاء الاصطناعي إلى 32%، مثل هذه الإحصاءات تكشف مدى التحديات التي تواجهها المرأة، والتي تبدأ من الفجوة الرقمية ووصولاً إلى التمييز الوظيفي.
تحولات ملموسة بالدول العربية
شهدت العديد من الدول العربية تحولات ملموسة في تمكين المرأة في القطاع الرقمي؛ ففي مصر، على سبيل المثال، تُعد المرأة شريكًا رئيسيًا في القطاع، وفقًا لوزارة الاتصالات المصرية تشكل أكثر من 40% من القوى العاملة في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بفضل برامج حكومية مثل "قدوة-تك" التي تستهدف تدريب الفتيات على المهارات الرقمية وتسخير التكنولوجيا لخدمة المجتمع. البيانات تُظهر أن 37% من المشاركات في البرنامج تمكنّ من إنشاء مشاريعهن الخاصة بعد استكمال التدريب… هذا يعكس توجهًا عامًا نحو دعم الاقتصاد الرقمي من خلال تعزيز قدرات النساء.
وفي المملكة العربية السعودية، بلغت نسبة تمكين المرأة في قطاع الاتصالات عام 2021 نحو 25%، وفقًا لوزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، هذه النسبة تمثل قفزة كبيرة مقارنة بالأعوام السابقة، مدفوعة برؤية السعودية 2030، التي تهدف إلى تعزيز دور المرأة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وقد أظهرت دراسات أن النساء اللاتي يعملن في قطاع التكنولوجيا في السعودية يسهمن بشكل مباشر في رفع مستوى الابتكار المؤسسي، حيث أكدت إحدى الدراسات المحلية أن نسبة رضا العملاء ارتفعت بمعدل 18% في المؤسسات التي تدمج المرأة في فرقها الإبداعية.
تحديات اجتماعية واقتصادية
وتواجه المرأة تحديات اجتماعية واقتصادية تحول دون وصولها الكامل إلى الفرص التي يوفرها التحول الرقمي، تقرير البنك الدولي لعام 2022 يشير إلى أن 52% من النساء في الدول النامية لا يحصلن على خدمات الإنترنت مقارنة بـ42% من الرجال، ما يعكس فجوة رقمية تعيق المرأة عن الانخراط في الاقتصاد الرقمي، وفي دول إفريقيا جنوب الصحراء، لا تزال النساء يمثلن النسبة الأكبر من الأميين الرقميين، مما يتطلب تدخلات تعليمية عاجلة لتوفير المهارات الأساسية اللازمة للمشاركة في التحول الرقمي.
وفي الإمارات العربية المتحدة، تُعد المرأة جزءًا لا يتجزأ من الاستراتيجية الرقمية للدولة، فقد أطلقت هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية "لجنة حواء" عام 2015، التي تعمل على تعزيز حضور المرأة في قطاع التكنولوجيا من خلال مبادرات تطويرية تشمل ورش عمل، وبرامج تدريبية، ومنصات دعم ريادة الأعمال النسائية، وبحسب تقرير الهيئة لعام 2023، فإن النساء يشغلن 28% من الوظائف التقنية في الإمارات، وهي نسبة تزيد بمعدل 10% على المعدل العالمي.. مثل هذه الأرقام تعكس نجاح سياسات الدمج، لكنها تسلط الضوء أيضًا على أهمية استمرار الجهود لتحقيق مزيد من التوازن.
وتشمل التحديات الأخرى التي تواجه المرأة في قطاع التكنولوجيا التمييز الوظيفي وقلة الفرص في المناصب القيادية على سبيل المثال.
وأفادت دراسة صادرة عن منظمة العمل الدولية عام 2022 بأن النساء يمثلن أقل من 20% من المناصب الإدارية العليا في الشركات التقنية الكبرى على مستوى العالم.
وتشير الدراسة إلى أن المؤسسات التي تدمج النساء في القيادة تحقق عائدات أعلى بنسبة تصل إلى 28% مقارنة بالمؤسسات التي لا تفعل ذلك هذا يبرز أهمية التنوع في تعزيز الأداء المؤسسي وتحقيق الابتكار.
رغم هذه التحديات، فإن هناك فرصًا واعدة تمهد الطريق لمزيد من تمكين المرأة من بين هذه الفرص، النمو السريع للاقتصاد الرقمي العالمي، الذي يُتوقع أن يضيف نحو 13.5 تريليون دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2030، وفقًا لتقرير ماكينزي.
ويوفر هذا النمو إمكانيات غير مسبوقة للنساء للدخول في مجالات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات، والتجارة الإلكترونية على سبيل المثال، تعمل منصات مثل "أمازون" و"إيتسي" على تمكين رائدات الأعمال من الوصول إلى أسواق عالمية، حيث تشير بيانات عام 2023 إلى أن 36% من البائعين النشطين على هذه المنصات هن من النساء.
سياسات حكومية ومبادرات أممية
وتشكل السياسات الحكومية الداعمة والمبادرات الأممية ركيزة أساسية لتعزيز حضور المرأة في التحول الرقمي الاتحاد الدولي للاتصالات، على سبيل المثال، أُطلقت مبادرة "يوم الفتيات في مجال التكنولوجيا" الذي يُحتفل به سنويًا لتشجيع الشابات على الانخراط في مجالات التقنية. في عام 2023، شارك أكثر من 100 ألف فتاة من مختلف أنحاء العالم في هذه المبادرة، مما يعكس أهمية الاستثمارات الموجهة نحو التعليم الرقمي.
أخيرًا، تُعد المرأة شريكًا محوريًا في تعزيز التحول الرقمي، ليس فقط من خلال دورها كعاملة أو مديرة، ولكن أيضًا كمستهلكة للخدمات الرقمية وتشير بيانات مؤسسة "ستاتيستا" لعام 2023 إلى أن النساء يمثلن 51% من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي عالميًا، ما يجعلهن قوة دافعة للتجارة الإلكترونية والتسويق الرقمي، وهذا الواقع يُبرز أهمية تصميم سياسات وتطبيقات تقنية تلبي احتياجات النساء وتعزز مشاركتهن الاقتصادية.
ويرى خبراء أن تمكين المرأة في عصر التحول الرقمي يمثل قضية معقدة ومتشابكة بين الفرص والتحديات، وبينما تفتح التكنولوجيا أبوابًا واسعة للنساء، فإن تحقيق المساواة الكاملة يتطلب إرادة سياسية، وتغييرًا ثقافيًا، واستثمارات مستدامة في التعليم الرقمي والتدريب.
التحول الرقمي ليس مجرد فرصة اقتصادية، بل هو أيضًا رافعة لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الشاملة المرأة في هذا السياق ليست مجرد مستفيدة من التحول الرقمي، بل هي أيضًا شريك رئيسي في تشكيل مستقبله.
تمكين المرأة بالتعليم والتدريب
وقالت سونداريا راجيش، مؤسس ورئيس "مجموعة أفتار" الهندية، إن التحول الرقمي قد وفر فرصًا غير مسبوقة، ولكنه في الوقت نفسه وضع العديد من العقبات أمام النساء، لا سيما في ظل استمرار ارتفاع معدلات الفقر والمحدودية في الوصول إلى الموارد.
وقالت راجيش، في تصريحات لـ"جسور بوست"، إن النجاح يكمن في توفير مهارات ملائمة لتمكين النساء من التكيف مع هذا التحول التكنولوجي.
وتابعت: النساء في المجتمع الهندي، والعالم بشكل عام، يواجهن تحديات غير متكافئة عندما يتعلق الأمر بالوصول إلى التعليم والفرص الاقتصادية، مؤكدة على أن الوعي هو أساس التغيير، مشيرة إلى ضرورة تحفيز النساء على تعزيز مهاراتهن الرقمية والتعليمية عبر المنصات الإلكترونية، ومن خلال شراكات استراتيجية مع منظمات تعمل على تمكين المرأة.
وأوضحت راجيش، أنه في هذا الإطار يشير تقرير "منتدى الاقتصاد العالمي" لعام 2023 إلى أن النساء في الدول النامية لا يزلن يعانين من فجوة كبيرة في المهارات الرقمية مقارنة بالرجال، ما يزيد من صعوبة دخولهن إلى سوق العمل الرقمي، مؤكدة أن التمكين ليس مجرد حصول المرأة على وظيفة أو تعليم، بل هو قدرتها على تغيير واقعها بما يتناسب مع طموحاتها وقدراتها، لافتة إلى تجربة مجموعة "أفتار" التي توفر بيئة تعليمية مرنة تهدف إلى تدريب النساء على المهارات الرقمية والتقنية وتؤهلهن للمنافسة في سوق العمل.
وأشارت إلى أن تحقيق التوازن بين الجنسين في مجالات العمل، وخاصة في القطاع التكنولوجي، يتطلب بناء سياسات تدعم المرأة، بما في ذلك زيادة الدعم الحكومي للنساء العاملات في الصناعات الرقمية، كما تدعو إلى تعزيز التوعية الحقوقية بين النساء، مما يعزز ثقتهن بأنفسهن ويجعلهن قادرات على مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية.
وأتمت: تمكين المرأة يعني تجاوز العقبات التي تعترض طريقها في العالم الرقمي وتحويلها إلى فرص تتلاءم مع التغيرات العالمية، إنها تركز على التعليم والتكنولوجيا كأدوات رئيسية لتحقيق هذا الهدف، وترى أن الوقت قد حان لكي تأخذ النساء مكانهن في طليعة التغيير الاجتماعي والاقتصادي.
التحديات والفرص
وقال مدير إدارة المواهب والثقافة بشركة الإمارات العالمية للألمنيوم، كامبال ديفيد شافيريوس، إن النساء تواجه في عصر الرقمنة تحديات أكبر من أي وقت مضى، فمع تزايد التحول الرقمي في مختلف المجالات، تظهر فجوات كبيرة في الوصول إلى المهارات التقنية والتعليم، لكن رغم هذه التحديات، هناك العديد من السبل التي يمكن أن تساعد النساء على تطوير مهاراتهن، حتى في ظل استمرار ارتفاع معدلات الفقر.
وتابع شافيريوس، في تصريحات لـ"جسور بوست": من خلال تعزيز الوعي بأهمية التعليم الرقمي والتكنولوجيا، يمكن للنساء تطوير المهارات الأساسية في مجالات مثل البرمجة، وتصميم المواقع الإلكترونية، والتسويق الرقمي، وهناك العديد من البرامج التدريبية المجانية والدورات الإلكترونية التي يمكن الوصول إليها عبر الإنترنت، مثل المنصات المفتوحة التي توفرها منظمات دولية ومؤسسات تعليمية، لافتا إلى أن هذه الدورات تسهم في تمكين النساء من الاندماج في الاقتصاد الرقمي وتوسيع آفاق فرص العمل أمامهن، سواء في مجالات التقنية أو الخدمات عن بعد، التي يمكن أن توفر دخلاً مستقراً.
واسترسل: على الرغم من هذه الفرص، فإن الفقر لا يزال أحد العوائق الرئيسة التي تواجه النساء، خصوصًا في المجتمعات الأقل نمواً، يتطلب الأمر تضافر الجهود على مستوى المجتمع الدولي والمحلي لتمويل برامج تعليمية تستهدف النساء في المناطق الفقيرة، مع توفير بيئة داعمة تمكنهن من التوازن بين العمل والحياة الشخصية، كما يجب أن تشمل هذه الجهود الوصول إلى التكنولوجيا، مثل توفير الإنترنت بتكلفة معقولة والأجهزة المناسبة، وهو ما يعد خطوة أساسية لضمان عدم ترك النساء خلف الركب.
وتابع: بالنسبة للحديث عن تمكين النساء وحصولهن على حقوقهن، فإن المعيار الذي يمكن اعتماده لقياس ذلك يجب أن يكون متعدد الأبعاد ويعتمد على عاملين؛ أولهما أنه يمكن قياسه من خلال نسبة النساء اللاتي يمتلكن القدرة على الوصول إلى التعليم الجيد والمساواة في فرص العمل، والعامل الثاني أنه يجب النظر إلى الحقوق القانونية للنساء، مثل القدرة على المشاركة في الحياة السياسية وحقوق الملكية والموارد.. من الأهمية بمكان أن يُنظر إلى قدرة النساء على اتخاذ قرارات حياتية مهمة بشكل مستقل، بما في ذلك اختيار الحياة المهنية والزواج، وتكوين أسرة.
وأكد على أنه يمكن قياس تمكين النساء أيضاً من خلال متابعة مستويات العنف ضد النساء وحجم مشاركتهن في صنع السياسات العامة، فزيادة تمثيل النساء في المناصب القيادية والحكومية يعد مقياساً مهماً للتمكين، فضلاً عن القدرة على التمتع بحرية التعبير عن آرائهن دون الخوف من القمع أو التمييز.
وأتم: تمكين النساء لا يعتمد فقط على الحقوق القانونية، بل على التحسين المستمر لفرص التعليم والعمل، وتوفير بيئة اجتماعية تشجع على تطوير الذات، مما يسهم في خلق توازن حقيقي بين الجنسين.