2024.. عام الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في لبنان
2024.. عام الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في لبنان
شهد لبنان خلال العام الجاري 2024 واحدة من أكثر الفترات صعوبة في تاريخه الحديث، إذ اجتمعت حرب استمرت لأكثر من عام مع أزمة اقتصادية خانقة بدأت منذ العام 2019 لتثقل كاهل اللبنانيين.
ولم يكن 2024 عامًا عاديًا بالنسبة للبنان، فقد اتسم بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، أبرزها الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين، الصحفيين، والعاملين في المجال الصحي، بالإضافة إلى انتهاكات داخلية تمثلت في قمع حرية التعبير وسوء إدارة ملف اللاجئين، إلى جانب قضايا جوهرية أخرى.
ومن بين الانتهاكات التي تعرض لها الصحفيون، كان الاعتداء على الصحفي اللبناني نبيل مملوك، في مدينة صور الواقعة في جنوب لبنان.
وفي حديثه مع "جسور بوست"، قال مملوك: "منذ بداية الحرب، واجهت مضايقات وتهديدات تمهد للاعتداء الذي تعرضت له. فقد أسست في 27 سبتمبر 2024 منصة عبر واتساب وتليغرام باسم أخبار صور، لإطلاع أهالي المدينة على آخر المستجدات، إذ كنت الصحفي الوحيد المتواجد في صور باستمرار، كما كنت أتعاون مع فعاليات محلية لتأمين الأدوية والمساعدات الغذائية للمحتاجين".
وأضاف: "جهودي لم تعجب البعض، خاصة بسبب مواقفي المعارضة لحزب الله وحركة أمل، وقد بدأ التحريض ضدي من أحد الأشخاص والذي اتهمني بالعمالة، ووصلت الأمور لحد الاعتداء الجسدي، حيث اقتحم حوالي 30 شخصًا صيدلية والدي وهاجموني بعنف، بل وأطلقوا النار علي، لولا تدخل والدي وأحد الجيران، لكنت الآن في عداد الموتى".
وقال مملوك: “بعد تعرضي لإطلاق النار، تواصل معي وزير الإعلام زياد مكاري ومدير قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، نحن نؤمن بالدولة ومسارها المؤسساتي، ونرفض العشائرية أو الانتقام”.
حرية الصحافة في لبنان
وأشارت عضو تجمع نقابة الصحافة البديلة، أليسار قبيسي، إلى تضييقات كبيرة تعرض لها الصحفيون خلال الحرب، سواء عبر الاعتداءات الجسدية واللفظية أو التوقيفات التعسفية.
وأضافت “قبيسي”: "لم تقم السلطات الأمنية بدورها في تأمين بيئة آمنة للصحفيين، بل كانت جزءًا من التضييق عليهم، ومع ذلك، تمكنا من تحقيق نجاحات قانونية، حيث حصل الصحفي كارم منذر على حقه بدعم من النقابة".
ورغم هذه التحديات، ترى قبيسي بارقة أمل في مواصلة العمل الصحفي المستقل ومواجهة لغة التخوين، مؤكدة على أن "محاسبة المعتدين أمر ضروري لوضع حد لهذه الانتهاكات".
إسرائيلي تستهدف الإعلاميين
من جانبها، أوضحت الباحثة في منظمة العفو الدولية، سحر مندور، أن الصحفيين اللبنانيين تحملوا أخطارًا كبيرة خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان.
وقالت مندور: "وثقنا استشهاد أكثر من 6 صحفيين محليين وعالميين نتيجة الاستهداف المباشر، لكن عدم محاسبة إسرائيل على هذه الجرائم يمنحها الضوء الأخضر لتكرار الانتهاكات، ويشجع الأنظمة الأخرى على ممارسة القمع ضد الصحافة".
حقوق الإنسان في 2024
وأشارت مندور إلى أن عام 2024 شهد انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، أبرزها تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وحملات الكراهية ضد اللاجئين السوريين، واستهداف مجتمع الميم.
خسائر بشرية ونزوح واسع
وأشارت الأمم المتحدة إلى أن العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان أسفرت عن "خسائر فادحة في الأرواح" بما في ذلك قتل عائلات بأكملها، كما أدت إلى نزوح واسع النطاق وتدمير البنية التحتية المدنية.
وأعربت الأمم المتحدة عن قلقها البالغ حيال احترام قواعد القانون الدولي الإنساني، لا سيما مبادئ التناسب والتمييز، داعية إلى ضرورة التحقيق في الانتهاكات التي ارتكبت.
وأضافت أن استهداف العاملين في مجال الرعاية الصحية يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، وقد يرقى إلى جريمة حرب.
وأشارت الأمم المتحدة إلى أنه يجب أن يتمكن "العدد الهائل من الأشخاص" الذين أجبروا على الفرار من منازلهم من العودة إليها في أمان، مع ضمان سلامتهم وقدرتهم على استئناف حياتهم الطبيعية.
تهديدات للحقوق الإنسانية
وعلق المحامي والناشط الحقوقي محمد صبلوح على أوضاع اللاجئين السوريين في لبنان، مشيرًا إلى "حملة عنصرية" تعرضوا لها قبل الحرب الإسرائيلية.
وأوضح صبلوح، أن بعض اللاجئين تم ترحيلهم إلى سوريا رغم المخاطر، خاصة المعارضين السياسيين، مما يشكل انتهاكًا للاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، مؤكدا أنه يجب على الحكومة اللبنانية تسهيل تجديد إقامات اللاجئين وإيقاف الإجراءات التعجيزية التي تفرضها عليهم.
وأشار إلى أن المجتمع الدولي، وخاصة الاتحاد الأوروبي، يجب أن يتحمل مسؤولياته في توفير الدعم اللازم لللاجئين والضغط على لبنان لاحترام حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية.
واقع السجون وتحديات العدالة
وكشف صبلوح عن وضع السجون في لبنان، حيث يصل الاكتظاظ إلى 200%، بسبب الاعتقالات العشوائية والتأجيلات المستمرة للمحاكمات.
وأرجع صبلوح، ذلك إلى غياب تطبيق قوانين التوقيف الاحتياطي والضغط الكبير على القضاة الذين هاجر الكثير منهم بسبب الأزمة الاقتصادية.
وأوضح أن الحل يكمن في تسريع المحاكمات، مطالبًا بإصلاحات قضائية حقيقية وتنفيذ قوانين تسهم في تقليل أعداد المعتقلين وتحسين ظروفهم.
تداعيات الحرب
وأكدت الأمم المتحدة أن الحرب ألقت بظلالها على أكثر من 520 ألف امرأة وفتاة، من بينهن أكثر من 11 ألف امرأة حامل في حاجة ماسة إلى الرعاية الصحية.
وأعلنت اليونيسف عن تدهور الوضع الصحي والاجتماعي للأطفال في لبنان، وحثت الحكومة اللبنانية على اتخاذ إجراءات قوية لدعم الأطفال وحمايتهم وضمان الوصول إلى الخدمات الأساسية.
خطوات نحو التعافي
رغم الأوضاع القاسية، حقق لبنان بعض الإنجازات على الصعيد الداخلي، حيث استطاع الحصول على قرار من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ضد الاتفاق اللبناني-القبرصي بشأن إعادة اللاجئين السوريين.
وأُعيد فتح المدارس بعد توقف بسبب الحرب، وتم إطلاق حملة تلقيح وطنية للأطفال ضد الأمراض المعدية، وأضافت الحكومة اللبنانية العديد من الإصلاحات الرقمية في مؤسسات الدولة بهدف تعزيز الشفافية وتحسين الأداء.