«الإيكونوميست»: مدينة «باناجي» الهندية تقود ثورة بيئية في إدارة المخلفات
«الإيكونوميست»: مدينة «باناجي» الهندية تقود ثورة بيئية في إدارة المخلفات
تحولت مدينة باناجي الهندية إلى قصة نجاح مُلهمة بعد أن كانت تغرق في القمامة قبل عشرين عامًا، لتصبح نموذجًا يُشار إليه في إدارة النفايات بين مدن العالم.
وذكرت مجلة "الإيكونوميست" في تقرير نشرته الأحد، أن مدينة باناجي، عاصمة ولاية غوا، شهدت تجربة مأساويًة قبل عقدين من الزمن، إذ انتشرت القمامة بشكل عشوائي في جميع أنحاء المدينة، وتكدست حاويات القمامة، التي كان يتم التخلص من محتوياتها في قرية مجاورة، ما أدى إلى تراكم جبل ضخم من النفايات.
وفي عام 2005، انهار هذا المكب أثناء موسم الأمطار الموسمية، ما أدى إلى تسرب القمامة إلى منازل السكان.
وأثار هذا الحادث غضب القرويين الذين نظموا احتجاجات أدت إلى إغلاق الموقع، حيث بحثت السلطات عن موقع بديل للتخلص من النفايات، لكن سكان المناطق المجاورة رفضوا استقبال أي قمامة إضافية.
نظام جديد لجمع النفايات
استبدلت باناجي نظام الحاويات العشوائية بجمع النفايات من باب إلى باب، وفرضت السلطات على المباني السكنية فرز النفايات إلى فئتين رئيسيتين: النفايات الرطبة، التي تشمل بقايا الطعام وتُستخدم في إنتاج السماد والغاز الحيوي، و16 فئة من النفايات الجافة، بما فيها فئة خاصة لجوز الهند نظرًا للإقبال الكبير على استهلاكه في غوا.
واعتمدت الولاية سياسة عدم استخدام المكبات، ما ساهم في تحسين إدارة النفايات.
تحقيق نتائج مذهلة بحلول 2021
وفقا للمجلة البريطانية حقق هذا النظام نجاحًا كبيرًا بمرور الوقت، وفقًا لتقرير صادر عن مركز الأبحاث الحكومي نيتي أيوغ ومركز العلوم والبيئة (CSE) في دلهي، تمكنت باناجي من فرز 99% من النفايات من المصدر بحلول عام 2021، وعالجت المدينة 80% من النفايات التي جمعتها، ونظفت 90% من الشوارع بفاعلية.
وأصبحت تجربة باناجي مثالًا يُحتذى، خاصة في ظل نجاحها الذي جاء بعد أزمة كادت تخرج عن السيطرة.
الهند لا تزال تعاني
وأوضح التقرير أنه رغم نجاح باناجي، لا تزال معظم المدن الهندية تعاني من أزمة نفايات خانقة، حيث تُغطي أكوام البلاستيك وأغلفة الأطعمة وزجاجات المشروبات والنفايات العضوية أجزاء كبيرة من البلاد، ويفتقر نحو 20% من سكان الهند لخدمات جمع النفايات، ما يؤدي إلى تراكم المخلفات في الشوارع وعلى طول الطرقات ومسارات القطارات.
وقدّر مركز العلوم والبيئة أن الهند أنتجت حوالي 50 مليون طن من النفايات الصلبة في عام 2021، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 125 مليون طن بحلول 2031.
نفايات غير قابلة للتحلل
وفقا للمجلة، تغيرت طبيعة النفايات في الهند بمرور السنوات، إذ كانت في الماضي تُشكل النفايات العضوية الجزء الأكبر منها، لكن مع زيادة الاستهلاك وظهور التجارة الإلكترونية وتطبيقات توصيل الطعام، ارتفعت نسبة النفايات غير القابلة للتحلل، مثل البلاستيك والتغليف.
وتسبب تراكم هذه النفايات مشكلات صحية وبيئية، إذ تُساهم في نشر الأمراض، وتجذب الحشرات والقوارض في المدن، بينما تُلوث التربة والمياه في الأرياف، وفي الأماكن التي تفتقر إلى نظام جمع منظم، تُحرق النفايات أو تشتعل تلقائيًا، ما يزيد من أزمة تلوث الهواء.
مبادرات حكومية
أطلقت حكومة ناريندرا مودي مبادرات لتحسين إدارة النفايات، ففي عام 2016، وضعت الحكومة قواعد وطنية لإدارة النفايات الصلبة، تضمنت إلزامية فرز النفايات.
وفي أواخر 2021، أطلق مودي المرحلة الثانية من مهمة الهند النظيفة (Swachh Bharat Mission)، بهدف جعل جميع المدن خالية من النفايات، وخصصت الحكومة 365 مليار روبية (4.3 مليار دولار) لدعم هذه الجهود.
ضرورة الإرادة السياسية
احتاجت تجربة باناجي إلى دعم سياسي مستمر، حيث تعاون قادة من مختلف الاتجاهات لإنجاح المشروع، أكد المسؤول سانجيت رودريغز، الذي قاد جهود إدارة النفايات في غوا، أن هذا النجاح أصبح "غير قابل للتراجع".
لكن في مدن أخرى، مثل مومباي وبنغالور، تغيب الإرادة السياسية الكافية، فقد فرضت مومباي فرز النفايات منذ عام 2016، لكن لم يُفرز سوى 25% من النفايات الرطبة بشكل صحيح، ورغم أن هذا يُعتبر إنجازًا مقبولًا لمدينة مكتظة يعيش نصف سكانها في الأحياء الفقيرة، فإنه ليس كافيًا.
وبرزت المدن الصغيرة في الهند كروّاد في إدارة النفايات، بفضل استقلالها النسبي عن التدخلات السياسية، أوضحت مديرة مركز العلوم والبيئة، سنيتا نارين، أن هذه المدن "ما زالت تمتلك القدرة على تقديم إدارة فعالة وتحقيق نتائج سريعة".