«نيويورك تايمز»: تآكل حقوق الطبقة العاملة في أمريكا نتيجة سياسات العولمة
«نيويورك تايمز»: تآكل حقوق الطبقة العاملة في أمريكا نتيجة سياسات العولمة
تناول تحليل حديث لصحيفة "نيويورك تايمز"، كيف أدى تآكل حقوق الطبقة العاملة في أمريكا إلى تغييرات عميقة في المشهد السياسي والاجتماعي، وذلك في سياق التحولات الاقتصادية التي شهدتها الولايات المتحدة منذ التسعينيات.
وسلّط التحليل الذي نشر، أمس السبت، الضوء على تأثير السياسات الاقتصادية للعولمة، التي فرضت ضغوطًا هائلة على العمال الأمريكيين، مما تركهم في حالة من التهميش الاقتصادي والاجتماعي، وفتحت المجال لصعود شعبويات جديدة كان أبرزها دونالد ترامب.
انقسامات اجتماعية قديمة
في أعقاب الهزيمة المدوية التي تعرض لها الديمقراطيون في انتخابات منتصف المدة عام 1994، حذّر وزير العمل في إدارة الرئيس بيل كلينتون، روبرت رايش، أمام مجلس الديمقراطيين القيادي من أن الولايات المتحدة تشهد انقسامًا اجتماعيًا عميقًا بين "عدد قليل من الرابحين" و"عدد أكبر من الأمريكيين الذين تُركوا خلف الركب".
ورغم هذا التحذير، لم تُتخذ تدابير كافية لمعالجة المشكلات الاقتصادية التي كانت تعصف بالطبقة العاملة، مما ساعد في تسريع تراجع قوتها في السياسة الأمريكية.
التجارة الحرة.. نتائج غير متوقعة
ركّزت السياسات الاقتصادية الأمريكية خلال العقدين التاليين على التوسع في التجارة الحرة، وتبني سياسات العولمة مثل فتح أسواق جديدة كالصين، وتوسيع اتفاقيات التجارة الدولية مثل نافتا.
كانت هذه السياسات مبنية على افتراض أن العمال الذين فقدوا وظائفهم في القطاعات الصناعية سيكونون قادرين على الانتقال إلى وظائف جديدة في قطاعات مثل التكنولوجيا والخدمات، لكن الواقع أثبت أن هذه الافتراضات لم تكن دقيقة.
وأظهرت الدراسات أن العديد من هؤلاء العمال لم يتمكنوا من إيجاد بدائل دائمة، ما أدى إلى تدمير واسع للوظائف في الصناعات التقليدية، مثل التصنيع.
صعود ترامب
بدأ الاستياء يتفاقم مع مرور الوقت، وتمثل ذروته في الانتخابات الرئاسية لعام 2016، حيث فاز دونالد ترامب بشكل مفاجئ على هيلاري كلينتون، مستفيدًا من دعم واسع بين الناخبين البيض الذين لا يحملون شهادات جامعية.
وكانت هذه التحولات في توجهات الطبقة العاملة نتيجة لتراكم سنوات من السياسات التي تجاهلت مطالبهم الأساسية.
وفي الانتخابات الرئاسية الأخيرة، تجلّى هذا التوجه في فوز ترامب على كامالا هاريس، على الرغم من محاولات الديمقراطيين ترميم العلاقة مع الطبقة العاملة عبر الاستثمار في التصنيع المحلي.
الجذور الاقتصادية للأزمة
أرجع العديد من الديمقراطيين هذه التحولات إلى قضايا اجتماعية مثيرة للجدل، مثل حقوق المتحولين جنسيًا أو تبني لغة "اليقظة" من قبل بعض فئات اليسار، لكن الجذور الاقتصادية لهذه الأزمة تعود إلى قرارات اتخذت قبل عقود.
وخلال التسعينيات، اتخذت إدارة كلينتون قرارات مصيرية مثل توقيع اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية "نافتا" على الرغم من التحذيرات من تأثيرها السلبي على العمال الأمريكيين.
وعندما فشلت الجهود لتوسيع شبكات الأمان الاجتماعي، لجأت الإدارة إلى تعزيز التجارة الحرة مع الصين، ما أدى إلى زيادة الواردات الرخيصة من الخارج وفقدان ملايين الوظائف في قطاع التصنيع بحلول عام 2010.
تجاهل حقوق العمال
ركزت السياسات الديمقراطية على الناخبين كمستهلكين أكثر من كونهم عمالًا، ووفقًا لرئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس بايدن، جاريد بيرنشتاين، "كان هناك تجاهل لأهمية العمل وكرامة العمل"، هذا النهج أدى إلى تفاقم شعور العمال بالتهميش، خاصة في المناطق التي تأثرت بانخفاض الوظائف الصناعية.
مع مرور الوقت، جاء هذا التوجه بنتائج عكسية، حيث مهد الطريق لزعيم شعبوي مثل ترامب ليستغل إحباطات الطبقة العاملة ويحولها إلى قوة انتخابية أطاحت بالديمقراطيين في العديد من المناطق الصناعية.
ولم يكن الاستياء مقتصرًا على إدارة ديمقراطية واحدة، من الأزمة المالية في عام 2008 إلى الانقسامات التي أحدثها ترامب، ظل العمال في قلب الاضطرابات السياسية.
وحاول الديمقراطيون في بعض الأحيان التركيز على قضايا أخرى لإخفاء التراجع في دعم الطبقة العاملة، لكن السياسات الاقتصادية التي أعقبت الحرب الباردة تركت جروحًا عميقة في القاعدة الشعبية للحزب.