«واشنطن بوست»: «غوانتانامو» وصمة في سجل الديمقراطية الأمريكية
«واشنطن بوست»: «غوانتانامو» وصمة في سجل الديمقراطية الأمريكية
يغادر الرئيس الأمريكي جو بايدن منصبه كرئيس ثالث حاول -ولم ينجح- في إغلاق السجن العسكري في خليج غوانتانامو بكوبا، والذي رسّخ وجوده كرمز لأحد أكثر السياسات إثارة للجدل في التاريخ الأمريكي الحديث، وسيظل قائمًا حتى إشعار آخر، وربما لعقود قادمة.
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، الأربعاء، افتتح الرئيس جورج دبليو بوش هذا السجن في خضم "الحرب على الإرهاب"، وملأه بـ780 معتقلًا، ثم أدرك لاحقًا أن وجود هذا السجن أصبح أداة يستخدمها الإرهابيون للتجنيد، كما أثر سلبًا على سمعة الولايات المتحدة كدولة عدالة وقانون، حاول بوش إغلاقه، لكنه اكتفى بتقليص عدد السجناء إلى 242.
وخاض الرئيس باراك أوباما الانتخابات بوعد صريح بإغلاق غوانتانامو، لكنه اصطدم بعد انتخابه بعقبات تشريعية من الكونغرس، ليتمكن فقط من تقليص عدد المعتقلين إلى 40، أما دونالد ترامب فقد أصر على إبقاء السجن مفتوحًا وأعلن نيته ملؤه بـ"بعض الأشرار"، لكنه لم يضف أي معتقل جديد طوال فترة رئاسته.
تقدّم محدود في عهد بايدن
خفض بايدن عدد المعتقلين في غوانتانامو إلى 15 فقط، وهو أدنى رقم منذ افتتاحه. شهد شهر يناير 2025 أكبر عملية نقل للسجناء، حيث نُقل 11 يمنيًا إلى عُمان، سبقت هذه الخطوة في ديسمبر نقل اثنين من السجناء إلى ماليزيا وواحد إلى كينيا.
شملت قائمة المعتقلين الباقين أفرادًا من: أفغانستان، العراق، ليبيا، باكستان، اليمن، الصومال، إندونيسيا، والمملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى فلسطيني واحد وآخر عديم الجنسية من الروهينغا، كان قد أُلقي القبض عليه بالقرب من الحدود الأفغانية عام 2001.
قرارات سياسية أثارت الجدل
وألغى وزير الدفاع لويد أوستن في أغسطس الماضي اتفاقًا قضائيًا كان من شأنه أن يقلل عدد المعتقلين، وكان الاتفاق يقضي باعتراف ثلاثة متهمين بتدبير هجمات 11 سبتمبر 2001 -خالد شيخ محمد، ووليد بن عطاش، ومصطفى الهوساوي- مقابل إسقاط عقوبة الإعدام عنهم واستبدالها بالسجن مدى الحياة.
وأثار هذا القرار تساؤلات حول توقيته، إذ جاء قبل 3 أشهر فقط من الانتخابات الرئاسية، ما أثار تكهنات بأن القرار جاء لتجنب غضب عائلات الضحايا، وتدخل قاضٍ عسكري لاحقًا ورفض قرار أوستن، مما أدى إلى تعليق الصفقة دون تنفيذها حتى الآن.
تقاعس إداري وأخلاقي
تأخر بايدن في اتخاذ خطوات حاسمة لإغلاق غوانتانامو، على الرغم من أنه أعلن أن تعزيز الديمقراطية سيكون محور سياسته الخارجية، واستمر احتجاز المعتقلين لعقود دون توجيه تهم، وفي ظل نظام قانوني موازٍ، يتعارض مع المبادئ الأساسية للعدالة التي تدّعي الولايات المتحدة تمثيلها.
وسنّ الكونغرس تشريعات تعرقل نقل السجناء إلى دول أخرى، كما منعت نقلهم إلى الأراضي الأمريكية بحجة مخاوف أمنية غير مبررة، في الوقت نفسه، تستضيف السجون الأمريكية بالفعل إرهابيين مدانين مثل "مفجر الحذاء" ريتشارد ريد وزكريا موسوي، المعروف بـ"الخاطف العشرون".
وأدى الإبقاء على 15 معتقلًا فقط في غوانتانامو إلى تكلفة سنوية ضخمة بلغت نحو 500 مليون دولار، أي ما يعادل 33 مليون دولار لكل معتقل، ليثير هذا الواقع دعوات متزايدة لإغلاق السجن نهائيًا ونقل المعتقلين إلى سجون فيدرالية داخل الولايات المتحدة.
ووقع ترامب في عام 2018 أمرًا تنفيذيًا للإبقاء على السجن مفتوحًا، لكنه في عام 2019 وصف تكاليف تشغيله بأنها "جنونية"، معتبرا أن نقل المعتقلين المتبقين إلى سجون آمنة داخل الولايات المتحدة سيكون خطوة ضرورية ومطلوبة.
وجاء غوانتانامو كرمز لحقبة مليئة بالأخطاء السياسية والإنسانية، وتظل المسؤولية على عاتق القادة الأمريكيين لتصحيح هذا المسار، وإنهاء هذا الفصل المظلم من التاريخ الذي يلقي بظلاله على سمعة الولايات المتحدة.