«كأنها سُم قاتل».. جرائم العنف الأسري تهدد حياة النساء في تونس
عقب وقوع حوادث مروعة
وسط أزمات سياسية واقتصادية في تونس، يخيم شبح العنف الأسري ليهدد حياة النساء، عقب قيام رجل بذبح زوجته وابنه (4 سنوات)، في ثاني واقعة مفجعة بعد مطاردة زوج لزوجته في أحد الشوارع وقتلها علنا قبل أشهر.
وعلى مدى السنوات الماضية، تصاعدت جرائم العنف الأسري في تونس وسط جهود حثيثة لمواجهتها، خاصة مع تنفيذ القانون رقم 58 الصادر بشأن القضاء على العنف ضد المرأة لعام 2017، وهو ما يراه المراقبون لا يزال يحتاج إلى زيادة الوعي المجتمعي وتوفير الحماية الفعالة للضحايا وتصحيح المناخ العام الغارق في العنف والفقر.
وتصنف منظمة الأمم المتحدة، العنف ضد النساء شكلا من أشكال انتهاكات حقوق الإنسان الأكثر شيوعا في العالم، وتبين أحدث تقديراتها أن 736 مليون امرأة، أي واحدة من كل 3 نساء تقريبا، وقعن ضحايا للعنف الجسدي أو الجنسي مرة واحدة على الأقل في حياتهن على مستوى العالم.
جرائم مروعة
شهدت معتمدية زانوش بمحافظة قفصة التونسية، مؤخرا جريمة مروعة عقب قيام رجل بذبح زوجته وابنه البالغ من العمر 4 سنوات، باستخدام آلة حادة قبل أن يلوذ بالفرار.
وفي يونيو الماضي، لقيت أم لطفلين، تبلغ من العمر 30 عامًا، مصرعها على يد زوجها الذي طاردها في الطريق العام بمحافظة القيروان قبل أن يقتلها باستخدام سلاح أبيض.
وأفاد المتحدّث الرسمي باسم الإدارة العامة للحرس الوطني في تونس حسام الدين الجبابلي، بأنّ السلطات تلقت 60 ألف محضر يتعلّق بالعنف في الفضاء الأسري في عام 2024، إذ قال: "الإحصائيات تبيّن تسجيل 70 بالمئة قضايا عنف في المنتصف الأول من عام 2024، مقابل نسب تتراوح بين 51 و58 بالمئة في السنوات السابقة".
وأوضح الجبابلي أن "80 بالمئة من حالات العنف تطال الأطفال داخل الفضاء الأسري، فيما بلغ العنف ضدّ كبار السن نسبة 3.8 بالمئة، ولذلك خصصت وزارة الداخلية 128 فرقة مختصة في جرائم العنف ضد المرأة والطفل" مؤكدا أهمية تضافر الجهود من أجل التخفيض من العنف الأسري في البلاد.
وفي عام 2022، كشفت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السنّ في تونس، عن أول دراسة علميّة حول "محدّدات العنف الزوجي" بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان. تنفيذا للاستراتيجية الوطنية الحكومية لمقاومة العنف ضدّ المرأة.
ووفق الدراسة، كشفت الدراسة أنّ أكثر أشكال العنف الممارس على الزوجات هو العنف الجسدي يليه العنف النفسيّ، وغالبا ما يسلَط على الضحايا عنف جسديّ يصحبه عنف نفسيّ، كما يُرتكب العنف ضد الزوجات في نهاية اليوم مما يضطر الضحية لمغادرة منزل الزوجية ليلا.
وكشفت الدراسة بعض الصعوبات التي تعوق إنفاذ القانون الأساسي 58 لسنة 2017 للقضاء على العنف ضد المرأة، بما يستدعي المزيد من دعم آليات ومسالك المتابعة والتنفيذ على المستويين الأمني والقضائي، لا سيما وأن القائمين على العنف الأسري يعتبرونه مسألة خاصة، لا يحق لأحد التدخل فيه كموروث اجتماعي.
وخلصت الدراسة إلى أنّ ظاهرة العنف الأسري مشكلة اجتماعية معقّدة ومتجذّرة بعمق في المجتمع التونسي لأسباب عديدة ومختلفة مما يجعل منزل الزوجية بالنسبة للعديد من النساء فضاء يسلّط عليهنّ العنف بأنواعه، وأصبح الفضاء الأسري للبعض فضاء غير آمن.
جهود حكومية
قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير عام 2022، أنه رغم التزام بعض المسؤولين وسنّ واحد من أقوى القوانين ضد العنف الأسري في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لا تزال تونس تعاني من التنفيذ السيئ للقانون النساء لخطر العنف، فيما لم توفر السلطات الحماية للنساء اللاتي يبلغن عن العنف، إلى جانب نقص تمويل خدمات الدعم لمراكز الإيواء.
ويحق للمرأة بموجب القانون 58 التقدم بطلب للحصول على إجراءات حماية مؤقتة يُمكن للشرطة أن تطلبها من النيابة، بالإضافة إلى أوامر الحماية طويلة المدى التي يُمكن للمحاكم إصدارها دون حاجة الضحية إلى رفع دعوى جنائية أو طلب الطلاق، وهذا يسمح للسلطات بمنع المعتدين من الاقتراب من الضحايا وأطفالهنّ، ما يمنح الضحايا الحماية في منازلهن حتى يأخذن قرارهن بشأن الخطوات التالية.
وتعترف الحكومة التونسية بزيادة حالات العنف الأسرى، إذ وجهت آمال بلحاج موسى، وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السنّ، تعليماتها بالتعجيل بإنجاز الدراسة المبرمجة حول "ملمح القائم بالعنف" والتي ستشمل عيّنة من القائمين بجرائم العنف ضدّ المرأة.
وقررت الوزيرة التونسية تنفيذ مشروع وضع نظام للرصد والاستجابة والمتابعة لأهم أشكال وأنواع العنف ضدّ المرأة والذي يهدف إلى رصد ظاهرة العنف ضد المرأة وتوثيقها وتحليلها وفهم أبعادها.
وبيّنت أن عدد مراكز الأمان لإيواء النساء ضحايا العنف والأطفال والمرافقين لهنّ تضاعف بنسبة 120 بالمئة حيث يتوفر الآن 10 مراكز مقابل مركز إيواء وحيد كان متوقفا عن العمل وتم تأمين عودته للنشاط خلال 2022.
زيادة الوعي
قال الحقوقي التونسي، كريم عبدالسلام، إن هناك سرعة قانونية في الحماية والردع لا تتوافق مع الثقافة والوعي العام، مشددا على أهمية تعزيز الوعي العام لكي تثمر أي محاولات في مواجهة تلك الظواهر عن نجاحات حقيقية على أرض الواقع.
وأكد عبدالسلام لـ"جسور بوست"، أن الحقوق لا تُحمى بالنصوص فقط بل بالممارسة أيضا، خاصة أن هناك هوة كبيرة بين الوعي والثقافة والنصوص القانونية، داعيا إلى أهمية سرعة الإصلاح وإحداث تدرج وتناسب بين الوعي والثقافة والقانون.
واستشهد بمثال، قائلا: "مواطن تونسي بسيط وجاهل، يقال له سوف تسجن من سنة إلى 5 سنوات إذا عنفت زوجتك فقد يدفعه عدم الوعي ويرتكب جريمة أكبر"، مشيرا إلى أن مؤشرات حماية المرأة ليست بقوة وكثرة القوانين الردعية المتشددة، التي قد تعرضها لعنف أكبر في ظل عدم وجود.
ومن جانبها، قالت الأمين العام المساعد للاتحاد النسائي العربي، الدكتورة هدى بدران، إنه لا يجب فصل وقائع العنف الأسرى على الصعيدين العربي والعالمي، حيث يشاع العنف الأسري في جميع المساحات والدول، لافتة إلى أن الواقع العربي والعالمي يغمره الإحباط والحرمان وهذا ينعكس بدوره على الأسرة.
ولفتت هدى في تصريحات لـ"جسور بوست"، إلى أن الواقع العربي وليس في تونس فقط يحتاج لتشخيص أسباب زيادة نسب العنف الأسري، موضحة أن المجتمع العربي قد يشهد وقائع خلافات بين قائدي مركبة أثناء المرور، وبدلا من التلاسن والشتائم كما كان سابقا نرى حاليا معارك وعنفا بدنيا.
وأكدت أنه يجب أن نواجه العنف الذي نراه في الأعمال الدرامية، حيث تقدم الأفلام جرائم القتل والعنف بسهولة، مشددة على أن الإصلاح لتلك الظاهرة في تونس وغيرها من البلدان يأتي ليس بتفعيل القانون وتشديده فقط ولكن يبدأ من المدرسة، بتعزيز الأخلاق ومفاهيم احترام المرأة وتقديرها وفي السينما وفي تصحيح المناخ العام كله.
وأشارت إلى أن الوقوف فقط على تنفيذ القانون، دون تصحيح المناخ العام والحريات، ومواجهة الفقر، وزيادة الوعي لدى المواطنين الأطراف الأساسيين في العنف الأسرى في تونس أو أي دولة عربية، لن يُحدث نجاحات، وسنبقى ندور في حلقة مفرغة.