عاصمة الثقافة الأوروبية توحّد مدينتين فرقتهما معاهدة قبل 77 عاماً
عاصمة الثقافة الأوروبية توحّد مدينتين فرقتهما معاهدة قبل 77 عاماً
انطلقت فعاليات "عاصمة الثقافة الأوروبية" لعام 2025، لأول مرة عبر الحدود، لتجمع مدينتي نوفا غوريتسا في سلوفينيا وغوريزيا في إيطاليا، اللتين كانتا ذات يوم مدينة واحدة قبل أن تفصل بينهما معاهدة باريس عام 1948، تاركة جراحًا تاريخية لا تزال حاضرة في ذاكرة سكانها.
استعادت المخرجة الوثائقية أنيا ميدفيد ذكريات جدتها التي عانت ألم الفراق عن عائلتها بسبب المعاهدة التي قسمت غوريزيا بين إيطاليا ويوغوسلافيا بعد الحرب العالمية الثانية، وفق وكالة "فرانس برس".
ومنذ ذلك الحين، تغيرت الأوضاع؛ فقد انضمت سلوفينيا إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004، ثم إلى فضاء شنغن، مما ساهم في إزالة الحواجز الجغرافية، لكن الندوب النفسية بقيت.
مدينة جديدة بمشروع شيوعي
في عام 1948، شيّدت السلطات اليوغوسلافية مدينة نوفا غوريتسا كمشروع يمثل قوة الشيوعية، فاصلةً إياها عن غوريزيا الإيطالية بخطوط سكك حديدية وساحات وحدائق مقسّمة.
ورغم الحدود الصارمة في البداية، بدأت تخف تدريجيًا منذ ستينيات القرن العشرين حين مُنحت تصاريح مرور للسكان المحليين.
عاشت ميدفيد تجربة مختلفة عن معاناة جدتها، إذ كانت في طفولتها تستخدم تصريح العبور لركوب دراجتها واستكشاف الجانب الإيطالي، حيث تدهشها الألوان والحافلات المختلفة، ما منحها شعورًا بالحرية وسط عالم منقسم.
إرث الماضي والمصالحة الثقافية
تحت شعار "بلا حدود"، تستضيف عاصمة الثقافة الأوروبية أكثر من 400 فعالية تهدف إلى استعادة التاريخ المشترك للمدينتين وإزالة الحواجز الذهنية.. مديرة الحدث ميا لوربيك أكدت أن هذا المشروع يهدف إلى تعزيز التفاهم بين الشعوب، مؤكدة أن الحروب لا تقدم حلولًا.
تتميز غوريزيا بتاريخها الممتد لأكثر من ألف عام، بشوارعها المرصوفة بالحصى ومبانيها ذات الطابع الأوروبي التقليدي، في حين تعكس نوفا غوريتسا الطراز الاشتراكي الحداثي بمبانيها الواسعة.
وعلى الرغم من أن غوريزيا كانت ذات يوم المركز المزدهر، فإنها شهدت انخفاضًا في عدد السكان وإغلاق العديد من المتاجر، بينما باتت نوفا غوريتسا، ذات الـ13 ألف نسمة، وجهة مفضلة للسكان والزوار.
تاريخ ملكي منسي
تمثل الفعاليات فرصة للكشف عن معالم غير معروفة، مثل قبر الملك الفرنسي شارل العاشر، آخر ملوك سلالة بوربون، الذي لجأ إلى هذه المنطقة بعد تنازله عن العرش وتوفي فيها عام 1836.
وبينما تقع قلعة غوريزيا في الجانب الإيطالي، يضم الجانب السلوفيني دير الفرنسيسكان في كوستانييفيكا، حيث دفن الملك وعدد من أفراد أسرته.
ويرى الناشر الإيطالي أندريا بيلافيته أن المدينتين تمثلان "أختين متعارضتين" يمكنهما أن تصبحا نموذجًا للوحدة الأوروبية.
وبعد عقود من العداء واللامبالاة، يتزايد التعاون بين الطرفين، في خطوة نحو طي صفحة الحدود نهائيًا.
تقول ميدفيد مازحةً: "من كان يظن أن ملكًا فرنسيًا سيُدفن في مدينة اشتراكية؟ هذا دليل على أن التاريخ لا يخضع للقوالب النمطية".