المفوض الأممي: الوصم والتمييز يلاحقان ذوي الإعاقات النفسية
المفوض الأممي: الوصم والتمييز يلاحقان ذوي الإعاقات النفسية
ما يزال التمييز والوصم ضد الأشخاص ذوي الإعاقات النفسية الاجتماعية والمنتفعين من خدمات الصحة النفسية، منتشرَين انتشارًا مقلقًا في جميع أنحاء العالم، وتتجلى هذه التحديات في أشكال متعددة، من خلال قيود منهجية غير مبررة على حقوق الإنسان الواجبة لهم بسبب الحواجز التي تعوق وصولهم على قدم المساواة مع غيرهم إلى الخدمات الأساسية والمرافق التي يحتاجون إليها.
جاء ذلك في تقرير مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، الذي أعد تحليلًا للعقبات والتحديات الرئيسية التي تعترض تطبيق نهج قائم على حقوق الإنسان فيما يتعلق بالصحة النفسية، المقدم لمجلس حقوق الإنسان في دورته الـ58 التي تتواصل حتى 4 أبريل المقبل، واطلع "جسور بوست" على نسخة منه.
وتفيد منظمة الصحة العالمية بأن أكثر من 75 في المائة من الأشخاص الذين يعانون اضطرابات نفسية وعصبية وإدمانية في البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل، لا يتلقون أي علاج على الإطلاق.
وقال المفوض السامي في تقريره، إن هناك تحديات فريدة من نوعها في مجال الصحة النفسية ناتجة عن عوامل بيولوجية واجتماعية وثقافية مرتبطة بالجنس والنوع الاجتماعي. فالمعايير والأدوار والعلاقات الجنسانية وعدم المساواة والإنصاف بين الجنسين، تؤثر في صحة الناس، بما في ذلك الصحة النفسية، في جميع أنحاء العالم.
وأضاف تورك، أن النساء والفتيات تتأثر مثلًا، على نحو غير متناسب بالعنف القائم على النوع الاجتماعي، وعدم المساواة بين الجنسين في العمل، وتقديم الرعاية والدعم بلا أجر، وفهم الصحة النفسية والرفاه عنصران مرتبطان بالاعتبارات الثقافية، ويتأثران بالعوامل الثقافية، مثل المعتقدات والقيم والتقاليد.
وفي بعض البلدان، يُساء تفسير اعتلالات الصحة النفسية؛ حيث تعد سحراً أو لعنة، ما يعرض الأفراد لعنف وانتهاكات وتجاوزات لحقوق الإنسان، وتواجه النساء والفتيات أشكالًا متقاطعة من التمييز، فيزداد خطر تعرضهن للعنف، ونقل إمكانية وصولهن إلى شبكات الحماية. كما يواجه كبار السن والأطفال والأشخاص ذوو الإعاقة، والأقليات الإثنية والعرقية، والمثليات والمثليون، ومزدوجو الميل الجنسي، ومغايرو الهوية الجنسانية، وحاملو صفات الجنسين، والمهاجرون، واللاجئون، أخطار التمييز والإيذاء في المؤسسات.
وغالبًا ما يعجز الأشخاص الذين يعيشون في فقر عن الحصول على خدمات الرعاية الصحية الأساسية؛ لأنهم لا يستطيعون تحمل تكاليفها، ما يزيد -بدوره- من تعرضهم للعنف، ويؤدي إلى تفاقم ما يعانونه أصلاً من أمراض جسدية وتفاقم لمشكلات الصحة النفسية.
وبحسب التقرير، يتعرض الأشخاص ذوو الإعاقات النفسية الاجتماعية والمنتفعون من خدمات الصحة النفسية أكثر من غيرهم للعنف والاستخدام المفرط للقوة من قبل سلطات إنفاذ القانون. وقد ثبت أن الأشخاص المنحدرين من أصل أفريقي الذين يعانون اعتلالات الصحة النفسية، قد تعرضوا للاستخدام المفرط للقوة من قبل الشرطة أثناء المواجهات، ما أدى إلى تفاقم أخطار الإصابة، بل والموت أثناء الاعتقال.
ونوه تورك، بأنه ما تزال القوانين وممارسات الصحة تسمح بالعلاج القسري والإبداع القسري في المؤسسات، ما يؤثر -بوجه خاص- في الأشخاص ذوي الإعاقات النفسية الاجتماعية. وما يزال الأشخاص ذوو الإعاقات النفسية الاجتماعية، والمنتفعون من خدمات الصحة النفسية، يودعون في المؤسسات؛ حيث يحتجزون ويتعرضون للعلاج القسري في ظروف غير إنسانية في الغالب، تشمل التقييد أحيانًا.
وحذر المفوض السامي، من أن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقات النفسية الاجتماعية تُنتهك في سياقات عدة، ما يقيد استقلالهم ومشاركتهم وقدرتهم على التعبير عن الموافقة الحرة والمستنيرة. ومن المعترف به على نطاق واسع أن هذه القيود هي بمنزلة مشكلات بنيوية تتطلب المواءمة مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
وأكد المفوض السامي الحاجة الملحة إلى اعتماد نهج قائم على حقوق الإنسان فيما يتعلق بالصحة النفسية باعتبارها عنصرًا أساسيًّا من عناصر الحق في التمتع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغه بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
وشدد المفوض السامي في التقرير أيضًا، على أهمية ضمان اتساق وتآزر المبادرات التي تتخذها الحكومات وغيرها من المبادرات المتخذة على المستويين الوطني والدولي لتعزيز دمج حقوق الإنسان في أطر الصحة النفسية، وضمان توافق التشريعات الوطنية المتعلقة بالصحة النفسية توافقًا تامًّا مع القواعد والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
وأوصى المفوض السامي الدول والجهات الأخرى صاحبة المصلحة، بالنظر في اعتماد إصلاحات قانونية وسياساتية ومؤسسية بشأن الانتقال من نماذج النهج العقابية إلى نماذج التدابير التي تركز على الصحة وحقوق الإنسان، بإلغاء تجريم الانتحار وتعاطي المخدرات وحيازتها للاستخدام الشخصي، وتوفير بدائل السجن، والتصدي للوصم، وإتاحة فرص الحصول -في الوقت المناسب- على الرعاية والدعم، واتباع نهج تصالحي يركز على توفير رعاية الصحة النفسية المجتمعية بدلًا عن العقاب.