مفوضية حقوق الإنسان: توثيق الانتهاكات أولى ضمانات الوصول للعدالة الانتقالية

مفوضية حقوق الإنسان: توثيق الانتهاكات أولى ضمانات الوصول للعدالة الانتقالية
مجلس حقوق الإنسان الأممي- أرشيف

تخضع عمليات العدالة الانتقالية عادة للاستغلال السياسي أو للاستخدام التمييزي أو الانتقائي، ما يعوق إمكاناتها المهمة لتحقيق السلام والتنمية، وللتصدي لتلك العقبات الرئيسية قامت جمعيات الضحايا والمنظمات الشعبية باستحداث مبادرات من القاعدة إلى القمة تركز على الضحايا وتتسم بالشمول ومراعاة المنظور الجنساني والابتكار، وتسهم في إحداث آثار مبكرة وملموسة أو تحويلية على الضحايا والمجتمعات المتضررة. 

جاء ذلك في تقرير مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، حول حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية، المقدم لمجلس حقوق الإنسان في دورته الـ58 التي تتواصل فعالياتها حتى 4 أبريل المقبل، واطلع "جسور بوست" على نسخة منه.

وسلّطت المفوضية الضوء على عدد من المبادرات باعتبارها ممارسات جيدة تستخدم لمعالجة التحديات الرئيسية المتكررة، من خلال إيجاد سبل لبناء الإرادة السياسية، والتصدي للمساءلة، وتوسيع نطاق أدوات جبر الضرر، وإفساح المجال الأصوات الضحايا، وتعزيز الاستجابات المؤسسية، ومنع التسييس والإنكار والتحريف. 

وظهرت دعوات للعدالة الانتقالية في سياقات متزايدة التنوع والتعقيد، ويشمل ذلك البيئات الاستبدادية، وبيئات ما بعد الصراع التي تتسم بضعف المؤسسات، وسياقات الصراع والعنف المستمرين، والأوضاع المتأثرة بالإرهاب أو التطرف العنيف، وعمليات الانتقال السياسي الراكدة.. وفي سياقات أخرى، يُستخدم البعض من أدوات العدالة الانتقالية حتى لو لم تتوفر الشروط المسبقة للعدالة الانتقالية. 

وحتى في تلك السياقات الصعبة للغاية، أظهرت المنظمات الشعبية وجمعيات الضحايا شجاعة ومثابرة وإبداعا في اتخاذ إجراءات متعددة ترسي الأساس للعدالة الانتقالية في المستقبل وتسخر إمكاناتها التحويلية من أجل السلام والتنمية.

وتشمل هذه الإجراءات توثيق الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، وإجراء المشاورات مع الضحايا والناجين المهمشين أو المستبعدين، وإنشاء جمعيات للضحايا والناجيات وشبكات لبناء التحالفات الاستراتيجية والدفاع، وتقديم المساعدة الفورية إلى الضحايا والناجين، واللجوء إلى أنظمة حماية حقوق الإنسان الإقليمية والدولية، وإمكانية اللجوء إلى آليات القضاء الدولية والمبادرات المحلية لاستمرار الدعوة للعدالة والمبادرات الشعبية للذاكرة الشاملة. 

تحدد مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في هذا التقرير أمثلة على الممارسات الجيدة والدروس المستفادة في ما يتصل بعمليات العدالة الانتقالية في سياق الحفاظ على السلام والتنمية المستدامة، ولا سيما الهدف الـ16 من أهداف التنمية المستدامة، وهي أمثلة مستمدة من المشاورات والبحوث الإقليمية التي أجريت عملاً بقرار مجلس حقوق الإنسان 23/51.

وتتسم أمثلة الممارسات الجيدة بالتركيز على الضحايا والشمول ومراعاة المنظور الجنساني والابتكار، وتسهم في إحداث أثر مبكر أو ملموس أو تحويلي في حياة الضحايا والمجتمعات المحلية المتضررة.. وقد استحدثت العديد منها جمعيات الضحايا والمنظمات الشعبية، لا سيما التي تقودها النساء، وهي تسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. 

ويتوخى التقرير نقل الممارسات الجيدة المعروضة أثناء الاجتماعات الإقليمية، وهي ممارسات تنطبق بصورة خاصة في السياقات الصعبة والمناوئة التي تغيب فيها الشروط المسبقة للعدالة الانتقالية. وباستطاعة سلسلة من المبادرات، في تلك السياقات، أن تمهد الطريق العمليات العدالة الانتقالية في المستقبل وتسخر إمكاناتها التحويلية من أجل السلام والتنمية. 

واستناداً إلى الممارسات الجيدة والدروس المستفادة، يتضمن التقرير توصيات تشمل تعظيم أثر الممارسات الجيدة وضمان استدامتها بتوسيع نطاقها وباعتماد تدابير مماثلة وتوفير الدعم المخصص والتدابير التكميلية، وذلك في إطار نهج شامل للعدالة الانتقالية يعزز الحقيقة والعدالة وجبر الضرر وضمانات عدم التكرار.

وأشارت المفوضية إلى الدور الكبير الذي لعبته عائلات المفقودين والمختفين قسرا خلال الحرب الأهلية في لبنان في تدابير العدالة الانتقالية، إذ عملت بلا كلل أو ملل للمطالبة بالإرادة السياسية اللازمة وبنائها من القاعدة إلى الهرم.

وفي عام 2014، اعترف القضاء بحق العائلات في معرفة الحقيقة ودعم مطالبهم بالتحقيق في المقابر الجماعية.

وفي المكسيك، طالبت عائلات ضحايا العنف السياسي طيلة عقود من الزمن بالحقيقة والعدالة بطرق منها تشكيل حركة وطنية للضحايا ضد الجرائم السابقة. ونتيجة لذلك، أنشأت الحكومة في عام 2021 لجنة الوصول إلى الحقيقة واستجلاء التاريخ وتعزيز العدالة في ما يتعلق بالانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي ارتكبت في سياق العنف السياسي في الفترة من عام 1965 إلى عام 1990.

وفي سريلانكا، واصلت حركات المناصرة والاحتجاجات المستمرة، لا سيما من عائلات المختفين، توجيه الاهتمام الدولي إلى مطالبها بالمساءلة، لا سيما عن طريق مشاركتها النشطة في المحافل الدولية، بما في ذلك مجلس حقوق الإنسان. 

ومنذ إعادة فتح المحاكمات الوطنية للمسؤولين العسكريين من ذوي الرتب المتوسطة والعليا في الأرجنتين، في عام 2006، أدين 1187 شخصا بجرائم ضد الإنسانية ارتكبت خلال فترة الديكتاتورية العسكرية.

وفي تشاد، أدت الجهود الاستراتيجية والمثابرة التي بذلتها جمعيات الضحايا، مثل جمعية ضحايا أزمات نظام حسين حبري ومنظمات المجتمع المدني الدولية، إلى إنشاء الدوائر الإفريقية الاستثنائية المعنية بالجرائم الفظيعة المرتكبة خلال فترة حكم حسين حبري الدكتاتوري. 

وفي عام 2016، أدانت المحكمة حبري بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، بما في ذلك العنف الجنسي والاغتصاب وحكمت عليه بالسجن مدى الحياة.

وفي كولومبيا، أنشئ الجهاز القضائي الخاص من أجل السلام ضمن إطار العدالة الانتقالية الذي وضعه اتفاق السلام بين الحكومة والقوات المسلحة الثورية الكولومبية- الجيش الشعبي، وتتمثل مهمته في التصدي لأخطر الجرائم التي ارتكبها المقاتلون السابقون وقوات الأمن، عن طريق دمج نهج العدالة التصالحية الهادف إلى تعزيز المصالحة بواسطة إقامة العدل.

وشددت المفوضية على أن توثيق الانتهاكات الخطيرة أساس جوهري للإجراءات المتعلقة بالعدالة الانتقالية. فعلى سبيل المثال، وثّق مركز قاعدة بيانات حقوق الإنسان في كوريا الشمالية، أكثر من 87 ألف حالة من حالات انتهاك حقوق الإنسان ويحتفظ بقاعدة بيانات شاملة.

وقالت المفوضية، في تقريرها، إن الدول عليها التزامات بتوفير سبل الانتصاف والجبر الفعال للضحايا، بما في ذلك إعمال الحق في معرفة الحقيقة والعدالة والجبر ومنع التكرار، عند التعامل مع إرث النزاع أو الانتهاكات والتجاوزات الخطيرة والواسعة النطاق لحقوق الإنسان. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية