لوائح إسرائيلية جديدة تعرقل عمل المنظمات الإنسانية في فلسطين
لوائح إسرائيلية جديدة تعرقل عمل المنظمات الإنسانية في فلسطين
فرضت إسرائيل قواعد جديدة تعوق عمل المنظمات الإنسانية في الأراضي الفلسطينية، ما أثار مخاوف واسعة لدى العاملين في المجال الإغاثي، فيما أكدت مسؤولة في منظمة دولية غير حكومية أن الظروف تزداد تعقيدًا منذ بدء الحرب في قطاع غزة.
وقالت المسؤولة التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، خشية التأثير في عمليات منظمتها في الضفة الغربية المحتلة، أو في قطاع غزة الذي يخضع لحصار إسرائيلي خانق: "كنا ننزلق على منحدر خطِر، والآن وصلنا إلى الحضيض، حيث بات من المستحيل تقريبًا تقديم المساعدات وفق المبادئ الإنسانية"، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس"، اليوم الاثنين.
وأضافت هذه المسؤولة أن القيود المتزايدة على دخول المساعدات إلى غزة، بالإضافة إلى العوائق المفروضة على الوصول إلى الضفة الغربية، تجعل المهمة أشبه بمحاولة إطفاء حريق هائل بوسائل محدودة.
تعزيز السيطرة على المساعدات
اعتمدت إسرائيل إجراءات جديدة تشدد الرقابة على عمليات الإغاثة، وفق ما أفادت به المنظمات الإنسانية، ووفقًا للخطة التي قدمتها "وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق" (كوغات)، التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية، سيتم إعادة تنظيم توزيع المساعدات عبر إنشاء مراكز لوجستية خاضعة للجيش، وإخضاع موظفي المنظمات الإنسانية والمستفيدين من المساعدات لإجراءات تدقيق مشددة.
وأكدت موظفة في منظمة طبية غير حكومية أن "التعقيدات اللوجستية ستجعل من الصعب للغاية تنفيذ عمليات الإغاثة"، متسائلة عما إذا كانت إسرائيل ستطلب تفاصيل دقيقة عن كل مستفيد، بما في ذلك نوع الأدوية التي يتناولها.
وزعمت إسرائيل أن الهدف من هذه التدابير هو منع الفصائل المسلحة من الاستيلاء على المساعدات، ومع ذلك، أكدت منظمات غير حكومية أن عمليات النهب تعد هامشية، وأن الحل الحقيقي يكمن في زيادة تدفق المساعدات، في حين تمنع إسرائيل إدخال الإمدادات إلى غزة منذ الثاني من مارس.
وقال مسؤول في منظمة أوروبية غير حكومية: "افترضت كوغات أن حماس تعيد بناء قدراتها العسكرية عبر المساعدات الإنسانية، لكن هذا الادعاء لا يستند إلى أدلة، المساعدات لا توفر أسلحة أو ذخائر"، مضيفًا أن إسرائيل تسعى إلى إحكام قبضتها على القطاع الإغاثي في الأراضي الفلسطينية.
قيود إضافية على المنظمات
لم تحدد السلطات الإسرائيلية موعدًا رسميًا لدخول هذه القواعد حيز التنفيذ، كما لم تستجب "كوغات" لاستفسارات وكالة "فرانس برس"، ومع ذلك، دخل توجيه حكومي جديد حيز التنفيذ في مارس، يفرض متطلبات أكثر صرامة على تسجيل المنظمات الإنسانية العاملة مع الفلسطينيين.
وألزم هذا التوجيه المنظمات بتقديم بيانات تفصيلية عن موظفيها، ومنح إسرائيل صلاحية رفض العاملين الذين تعدهم "مناهضين لشرعيتها"، وأفادت المنظمات الإغاثية بعدم صدور أي تصاريح عمل لموظفيها الأجانب منذ هجوم السابع من أكتوبر 2023، الذي أعقبه تصعيد عسكري في غزة.
وأكدت المؤسسات الإنسانية أن العاملين فيها يواجهون أخطارًا جسيمة، حيث قُتل ما لا يقل عن 387 من موظفي الإغاثة في غزة منذ بدء الحرب، وفقًا لتقديرات حديثة للأمم المتحدة، بعضهم خلال أداء واجبهم.
تداعيات إنسانية خطِرة
حذَّر المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فيليب لازاريني، التي منعتها إسرائيل أخيرًا من العمل، من أن "هناك نقاشًا حادًا داخل الأوساط الإنسانية حول مدى قدرتنا على مواصلة العمل مع الالتزام بمبادئنا الأساسية"، مشيرًا إلى أن هذا الوضع يفرض تحديات غير مسبوقة.
من جهته، شدد رئيس شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، أمجد الشوا، على ضرورة توحيد الجهود لمعارضة هذه التدابير، معتبرًا أنها تهدف إلى "تحصين إسرائيل من أي مساءلة قانونية".
وأكد الشوا، الذي يتمتع بخبرة تزيد على ثلاثة عقود في العمل الإغاثي، أن القطاع الإنساني يواجه "تهديدًا وجوديًا"، محذرًا من أن حياة آلاف المدنيين على المحك.
وأعرب مسؤول في منظمة إنسانية دولية عن قلقه البالغ، مؤكدًا أن "القيود الجديدة تجاوزت كل الخطوط الحمراء"، في المقابل، بدت بعض الجهات أكثر تحفظًا في انتقاداتها، حيث قال أحد العاملين في المجال الطبي: "إذا عبَّرنا عن معارضتنا، سنتهم بمعاداة السامية"، مشددًا على أن "المواقف المبدئية قد تتلاشى عندما تكون الاحتياجات الإنسانية ماسة للغاية".
ومع استمرار الغموض حول آلية تنفيذ هذه الإجراءات، تساءل مسؤول إقليمي في إحدى المنظمات غير الحكومية: "كيف يمكننا مواصلة عملنا في ظل هذه القيود القاسية؟"، سؤال يعكس قلقًا متزايدًا حيال مستقبل العمل الإنساني في الأراضي الفلسطينية.
معاناة الأطفال
أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن مليون طفل في قطاع غزة يعانون ظروفًا قاسية، يكافحون فيها من أجل البقاء في ظل انعدام الضروريات الأساسية.
وأكدت المنظمة، في بيان صدر، الأحد، عن المدير الإقليمي ليونيسف في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إدوارد بيجبيدر، عقب زيارة ميدانية استغرقت 4 أيام إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، أن مئات الآلاف من سكان القطاع يفتقرون إلى المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي، ما يزيد من تفاقم الأوضاع الصحية والإنسانية.
وشددت اليونيسف على أن الهدنة المستدامة، إلى جانب وصول المساعدات الإنسانية دون قيود، يمكن أن تسهم في إنقاذ حياة الآلاف، كما أوضحت أن الوضع في غزة ما يزال كارثيًا بالنسبة للأطفال، حيث تستمر الأزمة الإنسانية، ويكافح الصغار لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
وذكرت أنه رغم وصول بعض المساعدات إلى القطاع، فإن المنظمة أكدت أن الاحتياجات تفوق الإمكانات الحالية، حيث يعاني نحو مليوني شخص نقصًا حادًّا في المواد الأساسية.