«هيومن رايتس ووتش»: حكومة تونس تستخدم الاحتجاز التعسفي لقمع المعارضة

«هيومن رايتس ووتش»: حكومة تونس تستخدم الاحتجاز التعسفي لقمع المعارضة
مظاهرة لقوى المعارضة في وسط العاصمة تونس

 

 

اتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" السلطات التونسية بجعل الاحتجاز التعسفي ركيزة لسياساتها القمعية، مشيرة إلى أنها تُمارَس ضد منتقدي السلطة بهدف إسكاتهم وحرمانهم من حقوقهم السياسية والمدنية، وطالبت المنظمة في تقريرها الجديد بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين بسبب ممارسة حقوقهم الإنسانية المشروعة.

توثيق الانتهاكات بحق النشطاء

رصد تقرير المنظمة، المعنون "كلنا متآمرون: استخدام الاحتجاز التعسفي في تونس لسحق المعارضة"، المنشور اليوم الأربعاء، حالات اعتقال طالت 22 شخصًا بسبب تعبيرهم عن آرائهم أو نشاطهم السياسي، من بينهم محامون وصحفيون ونشطاء سياسيون وحقوقيون ومستخدمون لوسائل التواصل الاجتماعي، وأوضح التقرير أن 14 معتقلًا على الأقل قد يواجهون عقوبة الإعدام في حال إدانتهم، في حين تجاوز عدد المحتجزين لأسباب سياسية أو حقوقية 50 شخصًا حتى يناير 2025.

وقال بسام خواجا، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش، إن تونس لم تشهد قمعًا بهذا الحجم منذ ثورة 2011، متهمًا الرئيس قيس سعيّد بإعادة البلاد إلى عهد السجناء السياسيين وسلب التونسيين حرياتهم التي نالوها بعد نضال طويل.

كثفت السلطات التونسية حملات القمع منذ أن استحوذ الرئيس سعيّد على مؤسسات الدولة في يوليو 2021، ولا سيما بعد مطلع 2023، حيث تصاعدت الاعتقالات التعسفية ضد منتقدي النظام من مختلف التوجهات السياسية، واتهم سعيّد معارضيه مرارًا بالخيانة والإرهاب في خطابات عامة دون تسميتهم، ما غذى موجة الاستهداف الأمني والقضائي.

تهم فضفاضة ومحاكمات عسكرية للمدنيين

وفقًا للتقرير، اعتمدت السلطات على قوانين قمعية مثل "المجلة الجزائية" و"قانون مكافحة الإرهاب 2015"، الذي يمنح الأجهزة الأمنية صلاحيات موسعة للاعتقال والتجسس، ويُجيز احتجاز المشتبه بهم لـ15 يومًا دون كشف هوية الشهود أو المخبرين، كما استخدمت السلطات مراسيم جديدة مثل "المرسوم 54" لتجريم التعبير على الإنترنت، وفي حالات كثيرة، وُجّهت للناشطين تهمة "محاولة تبديل هيئة الدولة"، وهي تهمة تصل عقوبتها إلى الإعدام.

كما سُجنت شخصيات بارزة مثل عبير موسي وكذلك تعرضت الصحفية سنية الدهماني، والمحامي محمد بوغلاب، للاعتقال بسبب آرائهما، وبيّنت المنظمة أن السلطات القضائية تعمدت تجديد التهم أو إصدار أوامر اعتقال جديدة ضد المعارضين بهدف إبقائهم خلف القضبان دون محاكمات عادلة.

ظروف احتجاز قاسية وإهمال صحي

أوضحت هيومن رايتس ووتش أن المعتقلين يُحتجزون في ظروف صعبة، ويُحرمون من الرعاية الصحية الأساسية، في حين يُراقب بعضهم بالكاميرات على مدار الساعة، ويُجبرون على الخضوع للتفتيش العاري، وسُلّط الضوء على حالة الصحفية شذى الحاج مبارك، التي تعاني إعاقة سمعية، وتقضي حكمًا بالسجن خمس سنوات، وأكد شقيقها أن إدارة السجن منعتها من الحصول على أدويتها، وأنها أصبحت "منبوذة" بسبب الاتهامات الإرهابية المفبركة.

مطالبة المجتمع الدولي بالتحرك

دعت المنظمة السلطات التونسية إلى إسقاط التهم التعسفية والإفراج عن المعتقلين، وطالبت الاتحاد الأوروبي واللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان بممارسة الضغط على تونس لاحترام التزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان، وقال خواجا: "يواصل شركاء تونس تجاهل هذا التدهور الخطِر في حقوق الإنسان، في حين يُحكم على المعارضين بالسجن الواحد تلو الآخر".

تعيش تونس أزمة سياسية حادة منذ أن علّق الرئيس قيس سعيّد عمل البرلمان في يوليو 2021، وتولى سلطات تنفيذية وتشريعية واسعة، وعلى الرغم من وعوده بإصلاحات سياسية، واجهت البلاد اتهامات متزايدة بالانزلاق نحو الاستبداد، مع موجات من الاعتقالات والمحاكمات ضد المعارضين، وتعد تونس طرفًا في عدد من الاتفاقيات الدولية التي تضمن حرية التعبير والمحاكمة العادلة، إلا أن ممارسات الحكومة الحالية باتت تتناقض بشكل صارخ مع هذه الالتزامات.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية