للمطالبة بحقوقهن.. عاملات الفلاحة في تونس يطلقن احتجاجات غير مسبوقة

للمطالبة بحقوقهن.. عاملات الفلاحة في تونس يطلقن احتجاجات غير مسبوقة
مظاهرات نسوية في تونس

أشعلت مئات النساء العاملات في القطاع الفلاحي في تونس، منذ عدة أيام، شرارة احتجاجات غير مسبوقة تحت لواء حراك "أصوات عاملات الفلاحة"، للمطالبة بالاعتراف الرسمي بمهنتهن كوظيفة وطنية تضمن لهن حقوقهن القانونية والاجتماعية. 

وجاءت هذه التحركات وسط العاصمة تونس، حيث تجمعت العاملات القادمات من ولايات داخلية مثل سيدي بوزيد، والقيروان، وقفصة، وصفاقس وسليانة، في مشهد جسّد تصميماً غير مسبوق على انتزاع الحقوق من قلب مؤسسات القرار، بحسب ما ذكرت وكالة "سبوتنك"، اليوم الاثنين.

ورفعت العاملات خلال المسيرة الوطنية شعاراً موحداً هو "الاعتراف بمهنة عاملة في القطاع الفلاحي"، وسط هتافات ملؤها الغضب، ومشاهد رمزية تحاكي الموت اليومي الذي يهددهن خلال التنقل إلى الحقول عبر "شاحنات الموت" المهترئة. 

واختارت النساء التعبير عن هذا الواقع عبر عرض تمثيلي صادم، تخللته أجساد ملفوفة بأكفان بيضاء، كُتبت عليها أسماء العاملات اللاتي قضين في حوادث النقل القاتلة، وذلك في ساحة حقوق الإنسان وسط العاصمة.

قضية متجذرة ومعاناة مزمنة

يمثل القطاع الفلاحي في تونس أحد أعمدة الاقتصاد الوطني، ويستقطب نحو 14% من إجمالي اليد العاملة، إلا أن النساء اللاتي يشكلن ما بين 70% و80% من تلك اليد العاملة، يعانين تهميشاً مزدوجاً. 

وإلى جانب الأجور المنخفضة وغياب الحماية الاجتماعية، تتهدد حياتهن بشكل يومي بسبب غياب وسائل النقل الآمنة، في وقت تشير فيه بيانات منظمات المجتمع المدني إلى أن أكثر من 600 ألف امرأة تعملن في هذا القطاع، 92% منهن خارج أي منظومة حماية قانونية أو صحية.

وقالت العاملة الفلاحية منيرة بن صالحة، إحدى منسقات الحراك في صفاقس، إن ما يجري ليس سوى نتيجة لنضالات صامتة ومستمرة داخل الحقول منذ سنوات، مؤكدة أن النساء لا يطلبن امتيازات خاصة بل فقط الأجور العادلة والتغطية الصحية والنقل الآمن. 

وتابعت بألم: "كم من عاملة أخرى يجب أن تموت أو تبتر أطرافها حتى تتحرك الدولة؟".

أما نزيهة، وهي عاملة أخرى من المشاركات في الحراك، فقالت إن العريضة الوطنية التي أُطلقت خلال الاحتجاجات ستوجه إلى الرئاسة وكل السلطات، وتتضمن أربعة مطالب واضحة:

الاعتراف القانوني بمهنة عاملة فلاحية

توفير وسائل نقل آمنة

ضمان الأجور العادلة والتغطية الصحية

حق العاملات في التنظيم الذاتي والمشاركة في القرار.

إضراب عام في الأفق

وسط تصاعد وتيرة الغضب، بدأت الاستعدادات لمرحلة جديدة من التصعيد قد تشمل إعلان أول إضراب عام للقطاع الفلاحي في تاريخ تونس، وفق ما أفادت مروى، إحدى الناشطات في الحراك. 

وأكدت أن الحديث عن الإضراب لم يعد تهديداً رمزياً بل خياراً واقعياً، مشيرة إلى أن الدولة تجاهلت طويلاً نداءات العاملات، ولم تستجب لمراسلات أو احتجاجات سابقة. 

وأضافت: "الإضراب قرار مؤلم، لكنه أصبح ضرورياً... يوم بلا عمل يعني يوماً بلا خبز، لكننا مستعدات لدفع هذا الثمن من أجل كرامتنا".

"السبالة" والحافلات المميتة

تعود الشرارة الأولى لهذا الحراك إلى حادثة "السبالة" عام 2019، حين توفي أكثر من 15 عاملاً وعاملة في حادث سير مروّع أثناء تنقلهم إلى الحقول، ما فجّر موجة احتجاجات قاعدية انتهت بتأسيس "أصوات عاملات الفلاحة"، أول تنظيم نسوي تقوده العاملات أنفسهن دون وصاية حزبية أو نقابية.

وتسعى العاملات من خلال هذا الحراك إلى كسر حلقة التهميش الطويلة التي جعلت من مساهمتهن في توفير الغذاء اليومي للمواطنين عملاً غير مرئي، وغير معترف به قانوناً، رغم التضحيات اليومية. 

وتبقى المعركة مفتوحة بين شوارع العاصمة ومكاتب صناع القرار، وسط تصميم نسوي لا يلين على انتزاع الحقوق، لا طلباً للإحسان، بل تحقيقاً للعدالة الاجتماعية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية