"العفو الدولية" ترصد تهاوي الحقوق الإنسانية في شرق وجنوب آسيا.. "قمع وتمييز واعتقالات بالجملة"

القارة الصفراء تحت المجهر الحقوقي

"العفو الدولية" ترصد تهاوي الحقوق الإنسانية في شرق وجنوب آسيا.. "قمع وتمييز واعتقالات بالجملة"
القمع في بعض الدول الآسيوية

تشير التقارير الحقوقية الدولية إلى أن شرق وجنوب آسيا يشهدان تصاعدًا مقلقًا في وتيرة الانتهاكات ضد حرية التعبير والتجمع، إضافة إلى التمييز المتزايد ضد حقوق النساء والفتيات، وانتهاك القانون الدولي، وتدهور أوضاع الأقليات والمهاجرين، وتزايد حالات الاعتقال التعسفي، واستمرار تطبيق عقوبة الإعدام، إلى جانب تراجع ملحوظ في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

ورصد تقرير دولي حديث هذه الانتهاكات في بلدان شرق آسيا، مثل الصين وكوريا الشمالية والجنوبية وتايوان، إضافة إلى دول جنوب آسيا كالهند وبنغلاديش وباكستان وسريلانكا ونيبال، وكذلك دول جنوب شرق آسيا مثل إندونيسيا وماليزيا وميانمار والفلبين وسنغافورة وتايلاند وفيتنام وكمبوديا.

وبحسب خبراء في الشأن الآسيوي والقانون الدولي تحدثوا إلى "جسور بوست"، فإن تصاعد هذه الانتهاكات يعود إلى أنظمة سياسية قمعية راسخة لم تشهد أي تغييرات جوهرية منذ عقود، ما انعكس سلبًا على مختلف الحقوق في تلك الدول، لافتًا إلى أن المجتمع الدولي يتجنب اتخاذ مواقف حازمة إزاء هذه التجاوزات، مفضلًا مصالحه السياسية والاقتصادية على الالتزامات الحقوقية.

صورة قاتمة

في تقريرها السنوي الصادر مؤخرًا، وصفت منظمة العفو الدولية حالة حقوق الإنسان في آسيا لعام 2024 بأنها "صورة مقلقة"، نتيجة "الاضطراب السياسي والقمع والنزاعات المسلحة".

وتقلصت مساحة حرية التعبير في عدد كبير من هذه الدول؛ ففي إندونيسيا ونيبال، تعرض الصحفيون للاعتداء والترهيب، في حين فرضت حركة طالبان قيودًا صارمة على وسائل الإعلام في أفغانستان، وأغلقت قناتين تلفزيونيتين خاصتين بسبب انتقادهما للحكم. كما حُكم على صحفيين في ميانمار بالسجن لفترات طويلة.

وفي باكستان، قُتل ما لا يقل عن سبعة صحفيين في هجمات متعمدة، واعتُقل العشرات بموجب قوانين مكافحة الجرائم الإلكترونية، فيما فُرضت قوانين جديدة لتقييد حرية التعبير في بنغلاديش، فيتنام، وماليزيا.

أما سريلانكا، فقد أصدرت قانونًا للسلامة عبر الإنترنت يتضمن بنودًا غامضة، مما أثار مخاوف من استغلاله لقمع حرية التعبير، وبدورها، فرضت الصين إجراءات صارمة للرقابة على الإنترنت، شملت حظر استخدام العبارات العامية للتحايل على الرقابة. وفي هونغ كونغ، توسع استخدام تعريفات فضفاضة لتشديد العقوبات، واستمرت تايلاند في محاكمة نشطاء مؤيدين للديمقراطية، في حين اتُّهم صحفيون في كمبوديا بالتحريض.

وفي سنغافورة، أُجبر المنتقدون على نشر "تصحيحات" رسمية، في حين استمرت كوريا الشمالية في حظر الاتصال بالعالم الخارجي، كما فُرضت قيود مؤقتة على الإنترنت في بنغلاديش والهند.

تحت الحصار

ووثق التقرير الحقوقي تهديدات واسعة لحرية التجمع، ففي بنغلاديش، استخدمت السلطات القوة المفرطة ضد مظاهرات طلابية أسفرت عن مقتل نحو ألف شخص. وفي إندونيسيا، واجه المحتجون تعديلات انتخابية باستخدام الشرطة للعنف. أما هونغ كونغ، فنشرت السلطات قوات الأمن لمنع إحياء ذكرى احتجاجات سابقة.

واحتجزت الشرطة الماليزية متظاهرين مؤيدين لفلسطين أمام السفارة الأمريكية، بينما أمرت محكمة تايلاندية بحل حزب "التقدم إلى الأمام" المعارض رغم فوزه بأكبر عدد من المقاعد في انتخابات 2023. وفي الهند وباكستان وسريلانكا، مُنع عمال صناعة الملابس من تشكيل نقابات للمطالبة بحقوقهم.

أما على صعيد الاعتقالات، فقد سجنت سلطات طالبان في أفغانستان أكثر من 20 ألف شخص، بينهم 1500 امرأة، بتهم تراوح بين المعارضة السياسية و"مخالفة القواعد الأخلاقية". وفي كوريا الشمالية، استمر احتجاز آلاف المعتقلين في معسكرات سياسية تحت ظروف لا إنسانية وتعذيب ممنهج.

وفي هونغ كونغ، حُكم على 45 ناشطًا مؤيدًا للديمقراطية بالسجن لفترات وصلت إلى عشر سنوات بتهمة التآمر وتنظيم انتخابات غير رسمية. وفي فيتنام، عانى سجناء سياسيون من تدهور صحي وحرمان من العلاج. كما احتجزت السلطات الباكستانية أكثر من 100 مدني على خلفية احتجاجات ضد توقيف رئيس الوزراء السابق عمران خان، وصدر بحقهم أحكام عسكرية.

الإفلات من العقاب 

يشير تقرير منظمة العفو إلى أن الإفلات من العقاب أصبح سمة راسخة في المنطقة، ما شجع على مزيد من الانتهاكات، خصوصًا في باكستان والفلبين، حيث لا تُحاسب السلطات على عمليات الإخفاء القسري بحق المعارضين. أما في أفغانستان، فما زال مناخ الإفلات من العقاب يتجذر، ولم تتخذ الصين أي خطوات للمحاسبة على ما وُصف بجرائم محتملة ضد الإنسانية بحق مسلمي الإيغور في إقليم شينجيانغ.

وفي ميانمار، وُجهت للجيش اتهامات بارتكاب جرائم حرب، في ظل تصاعد الهجمات ضد المدنيين منذ انقلاب 2021، ما أسفر عن مقتل أكثر من 6 آلاف شخص.

وتصدر التدهور في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مشهد الانتهاكات، إذ تتفاقم الأزمة الإنسانية في أفغانستان، حيث أفادت الأمم المتحدة بأن أكثر من نصف السكان يحتاجون إلى مساعدات عاجلة، ويعيش 85% منهم بأقل من دولار واحد يوميًا. وتبقى النساء والفتيات الأكثر تضررًا، إذ حذر الاتحاد الأوروبي من أن 90% منهن محرومات من الرعاية الصحية الأساسية.

وفي كوريا الشمالية، يعاني 40% من السكان من نقص حاد في الغذاء. وتواصل طالبان حظر تعليم الفتيات بعد المرحلة الابتدائية، في حين بقي ملايين الأطفال في ميانمار خارج المدارس بسبب النزاع، أما الصين، فقد أغلقت عددًا من المدارس في التبت، ما يهدد الثقافة واللغة المحلية، في حين استمرت تقارير عن العمل القسري واسع النطاق في كوريا الشمالية.

الأقليات في دائرة الانتهاكات

لا تزال مظاهر التمييز المجحف والعنف القائم على النوع الاجتماعي ضد النساء والفتيات تتفشى على نطاق واسع، لا سيما في أفغانستان، حيث تواصل حركة طالبان فرض المزيد من القيود الصارمة على النساء، مع تسجيل حالات اعتقال عديدة بسبب "مخالفة" قواعد الزي المفروضة.

وتشير تقارير إلى وجود حالات عنف جنسي بحق بعض المعتقلات، وتقديرات تفيد بمقتل نحو 300 امرأة وفتاة خلال عام واحد، بحسب التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية حول حالة حقوق الإنسان في العالم.  

وفي كوريا الجنوبية، فشلت السلطات في اتخاذ إجراءات فعالة لمعالجة العنف القائم على النوع الاجتماعي، في حين شهدت الهند جريمة مروعة تمثلت في اغتصاب وقتل طبيبة متدربة داخل مكان عملها، ما أثار غضبًا واسعًا حول سلامة النساء.

وسلط التقرير الضوء على أوضاع أفراد مجتمع الميم، حيث لا تزال العديد من الدول الآسيوية تتعامل معهم بعنف وقمع شديد، ففي حين اعترفت تايلند بحقهم في الزواج، تواصل أفغانستان معاقبة العلاقات المثلية بالإعدام، فيما يظل أفراد هذا المجتمع عرضة لخطر الاحتجاز في الصين، دون ضمانات قانونية أو حماية فعلية.

على صعيد حقوق اللاجئين والمهاجرين، أشار التقرير إلى أن دولًا مثل تايلند وماليزيا لا تزال تمارس الاحتجاز التعسفي للمهاجرين واللاجئين لفترات غير محددة، وفي بنغلاديش، أعاد حرس الحدود بشكل غير قانوني لاجئين من الروهينغيا إلى ولاية أراكان، رغم فرارهم من النزاع المسلح هناك.

وفي سابقة خطِرة، يُشتبه في تعاون السلطات التايلندية مع نظيرتها الفيتنامية لتسليم عدد من اللاجئين المنتمين لطائفة "المونتانيارد"، بينهم مدافعون عن حقوق الإنسان، أما باكستان، فقد اتبعت سياسة قسرية لإعادة مئات الآلاف من اللاجئين الأفغان إلى بلدهم.

وفي تايوان، تم الكشف عن تعرض عمال إندونيسيين للاستعباد، حيث عملوا على متن مركب صيد لأكثر من عام دون أجر أو أي وسيلة اتصال بالعالم الخارجي، وفقًا للتقرير.

الإعدامات العلنية

فيما يتعلق بعقوبة الإعدام، أفاد التقرير الحقوقي باستمرار تنفيذ الإعدامات العلنية في أفغانستان، بالإضافة إلى دول أخرى مثل سنغافورة والصين.

ولم تصدر ردود رسمية من الدول التي وُجهت إليها الاتهامات في التقرير، إلا أن هذه الحكومات دأبت على نفي وجود أي انتهاكات حقوقية، مؤكدة التزامها بالقانون وتطبيق مبدأ المحاسبة، في الوقت الذي تتهم فيه المنظمات الدولية بتسييس الملف الحقوقي.

من جانبه، قال الخبير المتخصص في الشأن الآسيوي، إسلام المنسي، في تصريح لـ"جسور بوست"، إن الدول المتورطة في هذه الانتهاكات لا تلتزم بالمعايير الغربية لحقوق الإنسان، مضيفًا: "الصين على سبيل المثال لا تعترف بحقوق الإنسان بصيغتها العالمية وتمارس سياسات تطهير عرقي ضد أقلية الإيغور، في حين تمثل كوريا الشمالية نموذجًا صارخًا للدولة القمعية.

وأشار المنسي إلى أن "الواقع في أفغانستان والهند كذلك لا يختلف كثيرًا، فالأولى تخضع لحكم ديني متشدد، بينما تقود الثانية حكومة يمينية قومية تنتهج سياسات تمييزية، ما يجعل انتهاكات حقوق الإنسان هناك جزءًا من بنية النظام وليس مجرد تجاوزات فردية".

وتابع قائلًا: "من غير المرجح أن يشهد عام 2025 أي تحسن جوهري في المشهد الحقوقي بدول آسيا، فالأنظمة الحاكمة لا تزال على حالها، والمجتمع الدولي لا يولي اهتمامًا حقيقيًا بالتغيير، نظرًا لانشغاله بأولويات ترتبط بالمصالح الجيوسياسية والاقتصادية".

واختتم المنسي حديثه بالقول: "الحديث عن مراجعة جدية لأوضاع حقوق الإنسان يظل غائبًا عن أجندة الدول الكبرى، التي تفضل الحفاظ على نفوذها وتحالفاتها، على حساب المبادئ الحقوقية والإنسانية".

ضحايا مصالح الدول الكبرى

ومن جانبه أوضح أستاذ القانون الدولي، الدكتور أمجد شهاب في تصريح لـ"جسور بوست"، أن "القانون الدولي بالأساس كتب لتحقيق العدالة والمساواة ويفقد قيمته عندما لا يطبق على الجميع دون استثناء لكن في المنظومة الدولية  تتحكم إرادة ومصالح الدول الكبرى في أدوات المتابعة والتنفيذ".

وأضاف شهاب: "الأمم المتحدة مهما أصدرت من قرارات إدانة بهذه الدول الآسيوية فلم تملك شرطة ولا قرار للحساب، ومجلس الأمن يملك قراره الدول الكبا وبالتالي قانون الغاب والمصالح هي من تصمت أي انتقادات وعند أي تصادم تظهر انتقادات الدول وتلتفت لتحركات منظمات حقوق الإنسان والمرأة وقرارات المحاكم الدولية".

وحول ما تضمنه التقرير من تصاعد الانتهاكات ضد المدنيين، أكد الدكتور أمجد شهاب أن "المدنيين ضحايا مصالح الدول الكبار، سواء الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية"، حيث ضرب مثلاً بالقضية الفلسطينية، قائلا إنها "أقدم أزمة حقوقية في العالم وأكبر ضحية لمصالح الدول الكبرى التي تعمل على إدارة الصراع وليس حله وإهدار مئات الحقوق، فما بالك بهذه الدول كالصين وغيرها".

وأشار إلى أن "المصالح المرتبطة بهذه الدول الآسيوية التي يرصدها التقرير ربما لا تجعلها تتحدث عن هذه الانتهاكات باعتبار أنها لا تهدد مصالحها أو هناك تفاهمات مع أنظمة ديكتاتورية قائمة" محذراً من خطورة استبدال إقامة منظومة دولية عادلة تحاسب الجميع بمنطقة القوة والمصالح.

ويعكس التقرير السنوي الصادر عن منظمة العفو الدولية صورة قاتمة ومقلقة لأوضاع حقوق الإنسان في شرق وجنوب آسيا، حيث تتواصل الانتهاكات المنهجية وسط غياب الإرادة السياسية للإصلاح، وتراجع الاهتمام الدولي بمحاسبة المسؤولين عنها.

ومن التضييق على الحريات العامة، إلى العنف القائم على النوع الاجتماعي، وصولاً إلى القمع السياسي وانتهاك حقوق الأقليات واللاجئين، تبدو حقوق الإنسان في هذه المنطقة رهينة لأنظمة قمعية تستمد شرعيتها من أدوات القمع والخوف لا من احترام القانون والكرامة الإنسانية.

وفي ظل هذه المعطيات، لا يبدو أن الفترة المقبلة ستشهد تحولات جوهرية، ما لم تتوافر ضغوط دولية فعالة، وإرادة داخلية حقيقية للالتزام بالمعايير الدولية. وحتى ذلك الحين، ستظل شعوب عدة في آسيا تقف في مواجهة مفتوحة مع واقع حقوقي هش، وتطلعات مشروعة ما زالت مؤجلة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية