من ورقة ضغط إلى عبء اقتصادي.. كيف يرى لبنان مصير اللاجئين السوريين؟

في ظل الأزمات الداخلية والتحولات الإقليمية

من ورقة ضغط إلى عبء اقتصادي.. كيف يرى لبنان مصير اللاجئين السوريين؟

بعد أكثر من عقد على اللجوء، يتجدّد النقاش في لبنان حول مصير اللاجئين السوريين في ظل متغيرات دراماتيكية في المشهدين الإقليمي والدولي، وكان سقوط نظام الأسد، وتلميحات إلى رفع العقوبات الغربية عن سوريا، والضغوط الاقتصادية المتفاقمة في لبنان، كلها عوامل تعيد ملف اللاجئين السوريين إلى واجهة النقاش العام، وسط انقسام سياسي وشعبي حاد، وخطاب بات يمزج بين المخاوف المشروعة والانفعالات العنصرية.

في هذا السياق، يطرح سؤال العودة نفسه بإلحاح: هل آن أوان عودة اللاجئين السوريين من لبنان إلى وطنهم؟ وهل باتت الظروف الأمنية والاقتصادية في سوريا كافية لتأمين عودة طوعية وآمنة وكريمة؟

هذا التقرير تتتبع فيه "جسور بوست" آراء متباينة بين اللبنانيين والسوريين، ويرصد مواقف الجهات الحكومية والدولية، محاولًا تفكيك المعادلة المعقدة التي تحكم حاضر اللاجئين السوريين في لبنان، ومستقبلهم الذي يتأرجح بين الأمل والتوجس.

الظروف أصبحت مواتية

علي، شاب لبناني، يعتقد أن الوقت قد حان لعودة السوريين إلى بلادهم مستبعداً أن يتم استخدام اللاجئين كورقة ضغط لتحقيق مصالح معينة. ويضيف في حديث مع جسور بوست "أعتقد أن عودة اللاجئين ستحسن الوضع الاقتصادي في لبنان لأنها قد تساعد على خلق فرص للبنانيين". 

أما أسامة فيرى أن عقوبات قانون قيصر أسهمت في بقاء السوريين في لبنان، داعياً في حديث مع "جسور بوست" الحكومة اللبنانية إلى الضغط لإعادتهم من أجل "تخفيف الضغط على البنية التحتية".

في حين ترى سارة، طالبة جامعية، أن الظروف أصبحت مواتية للعودة، معتبرة في حديث مع "جسور بوست" أن "السوريين ليسوا مسوؤلين مباشرة عن الأزمة في لبنان، ولكن عودتهم إلى سوريا تضمن لهم حياة أفضل".

ويعاني لبنان أزمة اقتصادية حادة منذ نهاية عام 2019، حيث وصل نسبة الفقر بين اللبنانيين إلى 44% ونسبة البطالة إلى نحو 39% بحسب تقرير للبنك الدولي.

انقسام بين السوريين

هبة، شابة سورية، تعتقد أن عودة السوريين ستحرك الاقتصاد اللبناني؛ إذ إن "أيدي عاملة كثيرة ستنتقل إلى سوريا بهدف إعادة الإعمار وما قد ينتج عنه من حاجة لعمال لبنانيين". وتتابع في حديث مع "جسور بوست" قائلة “سأعود قريباً، رغم سوء الوضع الاقتصادي، لأنه في لبنان تم استغلال قضية اللجوء السوري من قبل بعض الأطراف اللبنانية للحصول على مساعدات مالية أو للتفاوض السياسي”.

أما ربيع حمشو فيقول “لا أريد العودة إلى سوريا حاليا بسبب ضعف الرواتب وغياب الأمن”. ويتابع حمشو في حديث مع "جسور بوست" قائلاً “سيكون فراغ في سوق العمل اللبناني، لأن اللبنانيين لا يفضلون المهن التي يعمل فيها السوريون كالمطاعم وغيرها”.

في حين يقول أحمد "إذا كنت قادراً على العودة فسأعود، ولكن الوضع الاقتصادي اليوم في سوريا سيئ. لذا سأبقى حالياً في لبنان، فلدي وظيفة تغطي تكاليف حياتي، في حين إن رجعت إلى دمشق فقد لا أجد فرصة عمل. ويضيف في حديث مع "جسور بوست" قائلاً "أعتقد أن على السوريين العودة، رغم أني لا أعتقد أن أزمات لبنان مرتبطة بوجودهم فيه".

 ووفق تقارير إعلامية، فإن عدد اللاجئين السوريين في لبنان يقارب الـ1.5 شخص، يعاني 90% منهم من الفقر المدقع بحسب تقديرات للحكومة اللبنانية. وتشير الأرقام إلى أن نسبة البطالة في سوريا وصلت إلى 13% عام 2024، في وقت يعاني 90% من المقيمين في سوريا من الفقر. 

لا حلول سحرية

وعن مدى إمكانية تأثير رفع العقوبات في عودة السوريين من لبنان، فيرى الخبير الاقتصادي كنج حمادة أنه "على المدى القصير، فإن رفع العقوبات قد يأخذ وقتاً لكي نرى نتائجه.. وبالتالي، فإن خطوة مثل إعادة الإعمار لا تعني بالضرورة أنها ستوفر فرص عمل للكل (بمن فيهم اللاجئون في لبنان)، خاصة أن سوريا بلد كبير وفيها يد عاملة كبيرة". ويتابع حمادة في حديث مع "جسور بوست" قائلاً "صحيح أن هناك لاجئين في دول عدة، ولكن إعادة الإعمار ستتم من خلال السوريين الموجودين على الأرض في الداخل.. أي القول إن إعادة الإعمار ستخلق، على المدى المتوسط، هجرة كبيرة للسوريين في لبنان إلى سوريا، هي فكرة مضخمة، إذ إن هذا الأمر يحدث تدريجياً".

ويكمل حمادة "ليس كل السوريين المقيمين في لبنان هم عمال زراعيين أو يعيشون في مخيمات، بل هناك منهم من يعيشون مع عائلاتهم ولديهم وظائفهم أو حتى أسسوا مشاريع.. وإن عودة هؤلاء، في المرحلة المتوسطة، قد لا تكون خيارا اقتصاديا موفقا لهم". متوقعا أنه "على المدى الطويل، فقد نشهد هجرة لبنانية نحو سوريا للعمل، إذ قد نلمس تشابهاً بين السوقين العمل اللبناني والسوري مع تقارب في الرواتب".

وعن تأثير السوريين في الاقتصاد اللبناني، يقول حمادة "لقد لعب العمال من اللاجئين السوريين دوراً أساسياً في لبنان في مجالات عدة كالزراعة مثلاً.. وإن غيابهم قد يضرب بعض القطاعات.. علماً أن اليد العاملة غير الماهرة العاملة في الزراعة قد لا تجد في سوريا فرصة عمل تدفعها للعودة، خاصة أن هناك فائض عمال في هذا القطاع هناك".، موضحاً أن "اللبناني يوظف السوريين لحاجته لهم بسبب مهاراتهم من جهة ولأن هناك قطاعات عدة مبنية أساساً على استغلالهم من جهة أخرى لزيادة الأرباح المالية، وهذا يعني أن عودة السوريين هي مشكلة أكثر مما هي حل، من دون أن ننسى أن المجتمع اللبناني يعاني من أزمة ديموغرافية بسبب الهجرة والتحولات الديموغرافية، بحيث إن الشباب السوري يملأ فراغ الشباب اللبناني، وبالتالي، فإن الاقتصاد اللبناني ما زال بحاجة للعمالة السورية، وحتى بافتراض أن السوري عاد، فإن لبنان سيعود ليفتح أبوابه للعمالة من دول أخرى".

سياسياً، يعتقد حماد أن "لبنان يرتاح ليس بالضرورة لفكرة عودة السوريين وإنما لفكرة أن العودة ممكنة وأن (بقاء النازحين) ليس وضعاً دائماً. ففي السابق، كان بقاء السوريين يشكل مشكلة كبيرة، إذ لم يكن هناك حل في الأفق، ولكن بعد سقوط النظام أصبح الحل ممكنا"، مضيفاً "إن استخدام اللاجئين السوريين يعد ورقة ضغط ضعيفة في يد الحكومة السورية لأن لبنان بحاجة لهم اقتصادياً.. أي إنه ليس هناك استعجال لجهة عودة العمال.. كما أن الرئيس السوري أحمد الشرع لا يستطيع منعهم من العودة حتى لا يكسر مصداقيته.. عدا عن أن أحداً، عند حدود سوريا، لا يستطيع منع عودة الناس إن أرادت".

وفقًا للأمم المتحدة، تُقدَّر تكلفة إعادة إعمار سوريا بنحو 400 مليار دولار أمريكي. علماً أن سوريا، بحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، خسرت ما يقارب 800 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي بين 2011 و2024 بسبب الحرب، وأن عملية التعافي الاقتصادي قد تستغرق أكثر من عقد من الزمن، وربما تصل إلى 55 عامًا للعودة إلى مستويات ما قبل الحرب إذا استمر النمو الاقتصادي بوتيرة بطيئة.

القضية تعالج بدون عنصرية

حقوقياً، يرى المركز اللبناني لحقوق الإنسان أن "دعوات ترحيل اللاجئين السوريين بحجج مختلفة، سواء لرفع العقوبات أو تحت شعارات مثل "تحرير لبنان من جيش اللاجئين"، تثير القلق الشديد لما تحمله من خطاب تحريضي يهدد النسيج الاجتماعي، ويزيد من التوتر والتمييز في المجتمعات المضيفة"، ويضيف المركز في حديث مع "جسور بوست" أن "هذا النوع من الخطاب لا يعالج جذور الأزمة، بل يحمل اللاجئين تبعات أزمات سياسية واقتصادية أوسع".

وفي وقت يؤكد فيه المركز ضرورة التزام لبنان بحماية اللاجئين والتعامل معه من منطلق إنساني يوضح أنه "وبالرغم من التغيرات السياسية المعلنة في سوريا، ومن النقاشات حول رفع العقوبات، فإن الواقع الميداني لا يدل بالضرورة على أن الظروف باتت آمنة لعودة اللاجئين. فلا تزال هناك تقارير موثقة عن انتهاكات من اعتقال تعسفي، وملاحقات أمنية، وانعدام الخدمات الأساسية في العديد من المناطق. وبالتالي لا يمكن اعتبار أن النزوح قد مبرراته".

ويعبر المركز عن قلقه من غياب التصريحات أو الخطط جدية للحكومة السورية تعمل على حث اللاجئين السوريين في الخارج إلى العودة وتأمين عودة تحترم حقوقهم، موضحاً في الوقت نفسه أن حرية العودة من لبنان يجب أن تبقى "حقاً شخصياً لكل فرد سوري دون ضغط أو ترهيب، على أن تكون العودة طوعية، آمنة، وكريمة وهو ما لم يتوفر حتى الآن وفق معايير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين". ويختم "وإن أي سياسة تبنى على فرض العودة، تخالف المبادئ الأساسية للقانون الدولي والحق في اللجوء".

وكان رئيس "التيار الوطني الحرّ" النائب جبران باسيل قد طالب مؤخرا بترحيل السوريين من لبنان، معلنا أنه "سيكون للتيار شرف تحرير لبنان من جيش النازحين السوريين".

 150 ألف لاجئ عادوا

من جهتها تكشف المسؤولة الإعلامية في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ليزا أبو خالد أن المفوضية دعت "إلى تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا منذ سقوط نظام الأسد". وتتابع في حديث مع "جسور بوست" فنقول "يمكن لإعلان الرئيس ترامب أن يكون له تأثير إيجابي كبير في دعم العودة الطوعية المستدامة والواسعة النطاق لملايين اللاجئين والنازحين السوريين الذين عانوا لسنوات بعيدًا عن ديارهم. وتُعد إعادة الإعمار حاجة ماسة لدعم ذلك".

وتتابع أبو خالد "في حين يستمر الوضع في سوريا في التطور السريع، تعتبر مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الوضع الحالي فرصة إيجابية لأعداد أكبر من اللاجئين السوريين للعودة إلى ديارهم، أو للبدء في التفكير في العودة بطريقة واقعية ودائمة".

وتختم أبو خالد "تتطلع المفوضية إلى تعزيز التعاون مع الحكومة اللبنانية لتنفيذ مبادرات ملموسة لدعمها في مساعدة اللاجئين المستعدين للعودة. وفي الوقت نفسه، تعمل المفوضية على توسيع نطاق الدعم الإنساني داخل سوريا لضمان عودة مستدامة".

وبحسب استطلاع للرأي أجرته مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في  لبنان ومصر والأردن والعراق أظهر أن 27% من اللاجئين يفكروا في العودة إلى سوريا خلال الـ12 شهراً المقبلة، في مقابل 2% كانوا يفكرون في تلك العودة قبل سقوط نظام الأسد، وتشير أرقام المفوضية إلى أن أكثر من 151,688 لاجئًا عادوا من سوريا إلى لبنان منذ 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، ليصل إجمالي عدد السوريين العائدين إلى سوريا من المنطقة وخارجها إلى 500,000 منذ ذلك الحين.

الحكومة تعمل على العودة المنظمة

حكوميا، توضح مشرف عام خطة لبنان للاستجابة لدى وزارة الشؤون الاجتماعية الدكتورة علا بطرس أن "ملف عودة النازحين السوريين من لبنان إلى بلدهم يشهد تطورات ملحوظة في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد، إذ بدأت ملامح مرحلة جديدة تتشكل في ظل متغيرات إقليمية ودولية متسارعة، وتسهم مسألة رفع العقوبات المفروضة على سوريا في إعطاء زخم إضافي لهذا الملف، لا سيما مع عمل الحكومة اللبنانية  على إعداد وتنفيذ خطة عملية للعودة المنظمة، بالتنسيق مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبدعم من المجتمع الدولي، لضمان عودة آمنة ومستدامة.

وتضيف بطرس في حديث مع "جسور بوست" أنه "للغاية، تُعقد اجتماعات تقنية واستراتيجية بشكل مكثف بين أطراف الحكومة اللبنانية المعنيين وشركائها الدوليين، في ظل تفعيل دور اللجنة الوزارية المكلّفة بهذا الملف".، كاشفة أن "الحكومة تواجه ضغوطاً متزايدة من الرأي العام المحلي ومن القوى السياسية، التي يعتبر بعضها أن الظروف التي أدت إلى النزوح قد تبدلت، مما يستدعي تسريع تنظيم قوافل العودة".

في وقت تؤكد بطرس على أهمية العودة الآمنة والمنظمة للاجئين، والتي تساهم في رفع الأعباء عن لبنان، تكشف بطرس أن الحكومة تشدد على “ضرورة تنقيح قاعدة بيانات النازحين، وشطب أسماء العائدين من لوائح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وخطة لبنان للاستجابة، وذلك ضمن إطار آلية فعالة للرصد والتقييم.”

وكان رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام قد أثار قضية عودة اللاجئين السوريين خلال لقائه مع الرئيس السوري أحمد الشرع في دمشق في أبريل الماضي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية