انطلاق قمة نيس للمحيطات وسط دعوات لتعزيز الحماية البحرية
انطلاق قمة نيس للمحيطات وسط دعوات لتعزيز الحماية البحرية
انطلقت صباح اليوم الاثنين في مدينة نيس الفرنسية القمة العالمية للمحيطات، بحضور واسع يضم أكثر من 60 من رؤساء الدول والحكومات، خصوصاً من دول المحيط الهادئ وأمريكا اللاتينية، إلى جانب خبراء ومنظمات بيئية دولية، وذلك في خطوة تاريخية تهدف إلى حشد الجهود الدولية لحماية المحيطات والتنوع البيولوجي البحري.
ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي تستضيف بلاده هذه القمة البيئية رفيعة المستوى، إلى توحيد الصفوف، قائلاً إن "الأرض تشهد احتراراً، أما المحيطات فتمرّ بغليان"، مشدداً على أن التحديات المناخية والبيئية "ليست موضع رأي بل هي وقائع مثبتة علمياً"، داعياً إلى رد دولي متعدد الأطراف يرقى لحجم الأزمة.
وأعلنت وزيرة الانتقال البيئي الفرنسية أنييس بانييه-روناشير عشية القمة أن المؤتمر سيفضي إلى "رفع مستوى حماية المياه الدولية"، في وقت تتزايد فيه الضغوط على الحكومات لإقرار تدابير ملموسة توقف الدمار البيئي الناجم عن الصيد الجائر وشباك الجر التي تدمر قاع البحار.
ومن أبرز الالتزامات المنتظرة خلال القمة، إعلان الحكومة البريطانية نيتها منع الصيد بشباك الجر في 41 منطقة محمية تغطي 30 ألف كيلومتر مربع، ما يعني منع هذا النشاط في نصف تلك المناطق على الأقل فور تنفيذ القرار.
حماية الموائل البحرية
وفي بادرة رائدة، أعلنت جزر ساموا في وقت سابق عن استحداث تسع محميات بحرية جديدة في مياهها الوطنية، تغطي ما يعادل 30% من تلك المياه، أي نحو 36 ألف كيلومتر مربع، وتُحظر فيها أنشطة الصيد للحفاظ على البيئة البحرية.
وأعلنت فرنسا عن تقييد استخدام شباك الجر في مناطقها البحرية المحمية، رغم الانتقادات التي وجهتها منظمات غير حكومية للقرار معتبرة أنه يفتقر إلى الطموح، ولا يرقى لحجم التهديدات التي تتعرض لها المحيطات.
ويُتوقع أن تستغل دول عدة هذا الحدث لإعلان مبادرات مماثلة من خلال إنشاء مناطق بحرية محمية جديدة في مياهها الإقليمية، في سياق تحقيق هدف المجتمع الدولي المتمثل في حماية 30% من المحيطات بحلول عام 2030، وهو هدف يبدو بعيداً حتى الآن، إذ لا تتجاوز نسبة الحماية الحالية 8.36%، وفق منظمة "غرينبيس"، التي توقعت أن يتحقق هذا الهدف فقط بحلول عام 2107 في حال استمر التقدم بالوتيرة الحالية.
معاهدة أعالي البحار
وشهد اليوم الأول من القمة مراسم المصادقة على معاهدة أعالي البحار، والتي تهدف إلى تنظيم استغلال الموارد البحرية في المياه الدولية وتعزيز آليات حمايتها.
وأكد ماكرون أن المعاهدة ستدخل حيّز التنفيذ قريباً، بعدما تم الوصول إلى النصاب القانوني من المصادقات، بإعلان 15 دولة إضافية نيتها الانضمام، لتُضاف إلى 50 مصادقة تم تقديمها خلال الساعات الأخيرة، ليصل الإجمالي إلى 65 مصادقة، متجاوزاً الحد الأدنى المطلوب وهو 60.
ومن المنتظر أن تدخل المعاهدة حيز التنفيذ بعد 120 يوماً من إيداع المصادقة الستين، ما يمثل تحولاً قانونياً كبيراً في إدارة المياه الدولية التي كانت تفتقر حتى الآن إلى آليات شاملة لحمايتها.
مبادرات علمية ومؤسساتية
تخللت فعاليات القمة أيضاً إطلاق منصة "إيبوس"، التي ستوفر استشارات علمية للدول حول التزاماتها في مجال التنمية المستدامة للمحيطات، بالتوازي مع تحويل شركة "ميركاتور" الفرنسية، المتخصصة في مراقبة أوضاع المحيطات منذ أكثر من عقدين، إلى منظمة دولية معنية حصراً بشؤون المحيطات.
وأشار المدير العام للمؤسسة بيار باويريل إلى أن هذه الخطوة ستُسهم في وضع المحيطات على طاولة المفاوضات الدولية بشكل دائم، خصوصاً أن العالم لا يملك حتى الآن منظمة أممية مخصصة حصرياً لحماية المحيطات.
وأعلن عن مشروع متقدم لبناء توأم رقمي للمحيط، يمكن أن يُستخدم مستقبلاً لفهم تأثيرات الظواهر المناخية الكبرى مثل الأعاصير، وتحسين استراتيجيات الحماية البيئية.
نداءات للتحرك الجريء
من جانبه، دعا العالم البحري إنريك سالا، مدير مشروع "بريتين سيز" في ناشونال جيوغرافيك، إلى تحويل الكلام إلى أفعال جريئة وطموحة، مشدداً على أن حجم المشاركة غير المسبوقة من قادة العالم يجب أن يقود إلى قرارات تاريخية تحمي المحيطات وتضمن استدامة الحياة البحرية.
وتُختتم القمة في الأيام المقبلة بمجموعة من الالتزامات الحكومية والدولية، وسط آمال بأن تمثل نقطة انطلاق جديدة نحو مرحلة أكثر طموحاً في حماية أكبر نظام بيئي على كوكب الأرض.