وسط تصعيد في غزة وطهران.. هل تمنح باكستان الرئيس الأمريكي ورقة تهدئة مع إيران؟
ترشيح ترامب لجائزة نوبل للسلام في زمن الحرب
في خضم التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران، فاجأت باكستان، التي تربطها علاقات وثيقة مع طهران، المجتمع الدولي بإعلان نيتها ترشيح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لجائزة نوبل للسلام لعام 2026.
الخطوة، التي سوغت لها إسلام آباد بتقديرها لما وصفته بـ"الدور الحاسم" لترامب في نزع فتيل التوتر بين الهند وباكستان، أثارت انقساماً في الأوساط السياسية والخبراء المتخصصين في الشأنين الباكستاني والأمريكي، بين من يراها محاولة دبلوماسية ذكية لتحييد ترامب ومنعه من الانخراط في صراع مفتوح ضد إيران، ومن يعتبرها محاولة لتحسين العلاقات مع واشنطن دون تبنّي موقف حقيقي تجاه الأزمة الإيرانية.
دوره الحاسم
وقالت وكالة الأنباء الباكستانية، إن الحكومة قررت رسميًا ترشيح الرئيس ترامب للجائزة، "تقديراً لتدخله الدبلوماسي وقيادته المحورية" خلال الأزمة الأخيرة بين الهند وباكستان.
وأضاف البيان: "في لحظة من الاضطرابات الإقليمية المتزايدة، أظهر ترامب بصيرة استراتيجية وروحًا سياسية عالية، أسهمت في تهدئة الموقف وتفادي حرب شاملة بين قوتين نوويتين، كان من الممكن أن تؤدي إلى عواقب كارثية".
وأشاد البيان بـ"العروض الصادقة" التي قدمها ترامب للمساعدة على حل النزاع المستمر حول إقليم كشمير، مؤكداً أن هذا التحرك يُعد شهادة على التزامه بحل النزاعات من خلال الحوار، ومشيراً إلى أن باكستان تأمل أن تمتد هذه الجهود لتشمل الأزمات الحالية في غزة وإيران.
سياق إقليمي معقّد
وتزامن هذا الإعلان مع اتصال هاتفي جرى الجمعة بين وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، بحثا خلاله العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية، بما في ذلك دور باكستان في جهود التهدئة مع إيران، ووفق الوكالة الباكستانية، فقد حث روبيو إسلام آباد على مواصلة جهودها لمنع المزيد من التصعيد في المنطقة.
يأتي ذلك في وقت عبر فيه الرئيس دونالد ترامب مراراً عن استيائه من تجاهل لجنة نوبل لترشيحه، رغم ما عدّه إنجازات في حل النزاعات الدولية، كان آخرها إعلانه عن التوصل لاتفاق سلام بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا بوساطة أمريكية، وهو ما وصفه في منشور على منصته "تروث سوشيال" بأنه "يوم عظيم لإفريقيا والعالم".
نوبل.. الحلم المتجدد
وترامب، الذي طالما روج لنفسه كـ"صانع سلام"، أبدى تذمره من حصول سلفه باراك أوباما على الجائزة عام 2009، رغم "عدم تحقيقه إنجازات مماثلة"، بحسب وصفه.
وخلال حملته الانتخابية لعام 2024، تعهد بإنهاء النزاعات في أوكرانيا وغزة، لكن الواقع بعد خمسة أشهر من توليه الرئاسة يثبت استمرار تلك الصراعات، بل وتفاقمها في بعض الجبهات.
ويرى ترامب نفسه دائمًا مستحقًا لجائزة نوبل للسلام، مستندًا إلى دوره في التوسط بين أطراف نزاع دولية، وإبرام اتفاقيات تطبيع تاريخية، مثل اتفاقيات أبراهام، وتدخله في أزمات مثل كشمير وكوريا الشمالية، معتبراً أن تجاهل اللجنة النرويجية له يعكس انحيازًا سياسيًا أكثر منه تقييماً موضوعيًا للإنجازات الفعلية.
معايير الجائزة
تنص وصية ألفريد نوبل على أن تُمنح الجائزة لمن يحقق نتائج ملموسة في تعزيز السلام، لا لمن يقدم وعودًا أو نيات فقط، بل تشترط اللجنة النرويجية، المكونة من خمسة أعضاء يختارهم البرلمان النرويجي، أن يكون الإنجاز حقيقيًا ومؤثّرًا، كإنهاء حروب أو التوسط في نزاعات أو التخفيف من حدة الأزمات الإنسانية.
وتتمثل معايير الجائزة الدولية الرفيعة في المساهمة في إحلال السلام الدولي، مثل: إنهاء حروب، التوسط في نزاعات، أو تعزيز التفاهم بين الشعوب، وتقليص التسلح أو نزع السلاح، سواء عبر اتفاقيات دولية أو مبادرات لإيقاف سباقات التسلح.
كما تشترط أيضاً تعزيز حقوق الإنسان والعدالة، حين يكون ذلك مؤديًا فعليًا لتعزيز السلام، فضلا عن الجهود الإنسانية واسعة التأثير التي تقلل المعاناة الناتجة عن الصراعات، مثل العمل مع اللاجئين أو ضحايا الحروب.
ويأتي تأثير العمل المُرشّح على المدى البعيد، أي أن الجائزة قد تُمنح للجهود التي لها أثر مستمر في السلام، حتى إن لم تنجح بشكل فوري أو كامل، وأن يكون العمل قد تم إنجازه فعلاً (وليس مجرد نية أو خطة)، ويتم التركيز غالبًا على النتائج الفعلية، لا مجرد الطموحات أو الوعود.
وجهات نظر متباينة
وفي هذا السياق، قال الدكتور سعيد صادق، أستاذ العلاقات الدولية، لـ"جسور بوست"، إن خطوة باكستان قد تُفهم كمناورة سياسية لامتصاص غضب ترامب ومنعه من اتخاذ مواقف عدائية ضد إيران.
وأضاف: "رغم أن ترامب يتباهى بدوره في تهدئة أزمة كشمير، فإن وساطته كانت شكلية إلى حد كبير، وجاءت في وقت كانت فيه أطراف عدة تعمل على احتواء التصعيد".
وعدّ صادق الجائزة قد تُمنح لأسباب سياسية لا موضوعية، كما حدث مع أوباما، لكنها لا تعني أن ترامب يستحقها فعليًا، قائلاً: "حتى لو حصل عليها، فذلك سيكون من باب المجاملة السياسية، وليس استناداً إلى سجل واضح من إنجازات السلام".
من جانبه، رأى الخبير الباكستاني بكر يونس أن الإعلان يأتي في إطار جهود إسلام آباد لاحتواء تداعيات الحرب، والتأكيد على رفضها لأي تصعيد ضد إيران، التي تجمعها بها علاقات تاريخية وثقافية وجغرافية متينة.
وأكد يونس أن ترشيح ترامب يُعد وسيلة لإرسال رسائل تهدئة إلى واشنطن، وقد ينجح -ضمن محاولات أخرى- في تخفيف حدة التصعيد بين إيران وإسرائيل.
فرضية المناورة
في المقابل، رفض جاسم تقي، رئيس معهد الباب للدراسات الاستراتيجية في إسلام آباد، النظر إلى ترشيح ترامب كتحرك تكتيكي، معتبراً أنه "إعلان ساذج لا يرقى إلى مكانة دولة نووية ذات سيادة".
وقال تقي في تصريح لـ"جسور بوست": "من غير المنطقي تجاهل دعم ترامب المستمر للحروب الأخرى، والتركيز فقط على دوره في كشمير".
وأضاف: "قد تكون باكستان تأثرت بلحظة تهدئة معينة، لكنها أغفلت سوابق ترامب في دعم الحروب، خاصة في غزة، وتشجيعه لإسرائيل على المضي قدماً في عدوانها".
ورغم الغموض الذي يلف نوايا باكستان، فإن إعلان ترشيح ترامب لجائزة نوبل في خضم حرب كبرى قد تكون له أبعاد تتجاوز مجرد التقدير الرمزي، ليصبح ورقة دبلوماسية في لعبة توازنات إقليمية معقّدة، غير أن اللافت أن هذا الترشيح قد لا يكون كافياً لردع ترامب إذا قرر الدخول في مواجهة مباشرة مع طهران.
ووفق المؤشرات الإقليمية والدولية فإنه لا يبدو حتى الآن أن الرئيس الأمريكي الحالي يمتلك رصيداً حقيقياً يؤهله لحصد الجائزة فعليًا، إلا إذا قررت السياسة أن تكون مرة أخرى أقوى من معايير الجائزة.