جفاف نبع "البياضة" في بعلبك يثير مخاوف من تداعيات بيئية وإنسانية
جفاف نبع "البياضة" في بعلبك يثير مخاوف من تداعيات بيئية وإنسانية
جفّت مياه نبع البياضة التاريخي في مدينة بعلبك شرق لبنان، في مشهد غير مسبوق منذ أكثر من ستة عقود، ما أثار صدمة لدى السكان المحليين ومخاوف واسعة من تداعيات بيئية واقتصادية وإنسانية خطيرة، وسط تصاعد الأزمة المائية في البلاد.
وفق تقرير نشرته وكالة أنباء الأناضول، اليوم الثلاثاء، تحوّل النبع، الذي طالما شكل شريان حياة رئيسيًا لريّ الأراضي الزراعية وتغذية السكان، إلى أرض قاحلة، في سابقة تؤكد حجم التراجع المائي الذي تشهده المنطقة. كما جفّت بركة البياضة ونهر رأس العين اللذان يتغذيان من النبع، ما أدى إلى اختفاء الأسماك والطيور البرية، وإلى انكماش النشاط السياحي في المدينة التاريخية.
نبع البياضة
يعد نبع البياضة أحد أقدم وأغزر الينابيع في منطقة البقاع بلبنان، وارتبط اسمه بهوية مدينة بعلبك منذ العصور القديمة، وبحسب المؤرخين، كان النبع سببًا رئيسيًا لاختيار الرومان بعلبك موقعًا لبناء معابدهم الضخمة المعروفة بـ"هياكل بعلبك".
وتقول المراجع التاريخية إن المياه كانت تُجرّ من البياضة إلى داخل المعابد عبر شبكة قنوات مائية، لتؤمّن حاجات السكان والأنشطة الزراعية والدينية، مما جعل من النبع أحد ركائز الحضارة في المنطقة.
واقع ينذر بالخطر
ووصف الجيولوجي محمود الجمال جفاف النبع بأنه "كارثة"، وقال: "النبع هو سبب وجود بعلبك التاريخي، وفقدانه يعني حرمان المدينة من أهم مواردها منذ آلاف السنين".
من جانبه، شبّه رئيس بلدية بعلبك أحمد الطفيلي أهمية النبع بنهر النيل لمصر، قائلاً: "كما مصر هبة النيل، بعلبك هبة البياضة"، محذّرًا من تداعياته على السياحة والزراعة وحتى على "الوجدان الاجتماعي" للسكان.
ويعود السبب المباشر لجفاف النبع إلى تراجع معدلات هطول الأمطار والثلوج بشكل غير مسبوق، إضافة إلى الاستهلاك العشوائي للمياه الجوفية وغياب سياسات إدارة المياه المستدامة، وفق ما تشير إليه تقارير "المصلحة الوطنية لنهر الليطاني"، وهي الهيئة الرسمية المعنية بإدارة الموارد المائية في لبنان.
وتؤكد المصلحة أن أزمة الجفاف الحالية في لبنان هي الأسوأ منذ 65 عامًا، وتشمل عدة ينابيع في مناطق مختلفة، من بينها نبع الشيليش وعين وردة ونبع عنجر في قضاء زحلة، شرق البلاد.
أزمة تتفاقم
التدهور لم يقتصر على بعلبك، فقد شهدت بحيرة القرعون –أكبر خزان مائي في لبنان– انخفاضًا كارثيًا في منسوب المياه، ما أدى إلى توقف محطة عبد العال الكهرومائية، بسبب شح المياه اللازمة لتشغيل التوربينات.
وأشارت المصلحة إلى أن كمية المياه الوافدة إلى البحيرة في عام 2025 لم تتجاوز 43 مليون متر مكعب، مقارنةً بـ233 مليون متر مكعب في السنوات المطرية، و63 مليون متر مكعب كحدّ أدنى مطلوب لتشغيل البنى التحتية الحيوية.
الأمن المائي مهدد
في بيان صدر في يونيو، دقت "مصلحة الليطاني" ناقوس الخطر محذّرة من أن "غياب الإدارة المتكاملة للموارد المائية، والتعدي على المياه الجوفية، وسوء التخطيط" قد يؤدي إلى انهيار منظومة الأمن المائي في لبنان، ما ينعكس مباشرة على الصحة العامة، الإنتاج الزراعي، والطاقة.
يشهد لبنان منذ سنوات أزمة متفاقمة في قطاع المياه نتيجة التغير المناخي، والانخفاض الحاد في معدلات هطول الأمطار والثلوج، إلى جانب الاستخدام العشوائي للمياه الجوفية وغياب التخطيط المائي المستدام. وتُعدّ هذه الأزمة جزءًا من أزمة أوسع نطاقًا تشمل معظم بلدان شرق المتوسط التي تواجه تغيرات مناخية متطرفة.
ويُقدَّر أن لبنان يفقد نحو 75% من موارده المائية بسبب التسرّب والتبخر وسوء التوزيع والتلوث، وفق تقارير "المصلحة الوطنية لنهر الليطاني"، وهي الهيئة الرسمية المعنية بإدارة الموارد المائية.
يُعد نبع البياضة في بعلبك أحد أبرز الينابيع التاريخية في البلاد، ويُقدَّر عمره بآلاف السنين، حيث ارتبط بنشوء المدينة واختيار الرومان موقعها لتشييد معابدهم، ومنه كانت تُروى البساتين وتُغذّى القرى المحيطة بالمياه العذبة، ويعد جفاف النبع لأول مرة منذ أكثر من 65 عامًا مؤشرًا خطِرًا على تسارع التغيرات البيئية والهيدرولوجية في لبنان.