حرفة مهددة بالاندثار.. محمد الشعار آخر حارس للطربوش في لبنان (صور)

حرفة مهددة بالاندثار.. محمد الشعار آخر حارس للطربوش في لبنان (صور)
اللبناني محمد الشعار

في قلب السوق القديم في طرابلس، حيث تتشابك رائحة البن المحمّص مع عبق التوابل الشرقية، تتوارى ورشة صغيرة خلف واجهة خشبية عتيقة. 

هناك، يجلس محمد الشعار، الرجل الذي أصبح رمزًا لحرفة مهددة بالاندثار، وحارسًا وحيدًا لذكرى الطربوش في شوارع لبنان القديمة، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس"، الثلاثاء.

على طاولة مغطاة بأقمشة عنابية وخضراء وسوداء، تتناثر أدوات تقليدية: إبرة وخيط، مكواة قديمة، وقطع صوف مضغوط (لباد) تنتظر أن تتحول إلى طرابيش تحمل روح الماضي، وبين يديه، يمرّ القماش بخطوات ثابتة ودقيقة، كأنها طقوس لا تحتمل الاستعجال.

"عائلتنا تمارس هذه المهنة منذ 125 عامًا"، يقول الشعار بابتسامة هادئة تخفي خلفها قلقًا كبيرًا على مصير الحرفة التي ورثها عن جده، وتعلّمها هو شخصيًا في مصر قبل ربع قرن.

محمد الشعار آخر حارس للطربوش

من رمز للهيبة إلى قطعة نادرة

كان الطربوش في زمن السلطنة العثمانية أكثر من مجرد غطاء رأس، كان هوية اجتماعية وثقافية، ولغة غير منطوقة يعرف مفرداتها كل من عاش تلك الحقبة. 

يحكي الشعار قصصًا عن كيف كان ميل الطربوش إلى اليمين أو اليسار رسالة غزل صامتة، وكيف أن إسقاطه عمدًا أمام أحدهم كان إهانة علنية.

لكن هذا الرمز العريق، الذي كان يومًا زيّاً يوميًا يفتخر به اللبنانيون، تراجع دوره مع تغير الزمن والموضة، وبات حضوره محصورًا في عروض الدبكة والمناسبات التراثية، أو على رؤوس بعض المشايخ الذين يعتمرونه مع عمامة بيضاء.

حرفة تصارع البقاء

منذ بدء الأزمة الاقتصادية في لبنان عام 2019، انخفضت مبيعات الشعار إلى أربعة أو خمسة طرابيش في الشهر فقط. 

ويقول بأسى: "قبل الأزمة، كنت أوظف ثلاثة أشخاص في الورشة، واليوم أعمل وحدي، وأحيانًا لا أبيع شيئًا لأيام".

تفاقمت المعاناة مع تراجع السياحة بعد انفجار مرفأ بيروت عام 2020، ما أفقده جزءًا كبيرًا من زبائنه التقليديين من السياح والمهتمين بالتراث.

محمد الشعار آخر حارس للطربوش

شغف لا يموت

رغم الصعوبات، لا يخطط محمد الشعار للتوقف. يرتدي زيه التقليدي ويضع الطربوش على رأسه بفخر، ويقول وهو يمرر أصابعه على حافة طربوش قيد الإنجاز: "هذه ليست مهنة فقط.. هذه حياتي.. أشعر أن روحي متعلقة بها، ولن أتخلى عنها أبدًا".

في ورشته الصغيرة، بين جدران تحمل صورًا قديمة لعائلته وطرابيش بألوان وزخارف متنوعة، يحافظ الشعار على إرث قرن وربع من الحرفة. 

هو يدرك أنه قد يكون الأخير في سلسلة طويلة من صناع الطرابيش في لبنان، لكنه يرى في كل قطعة جديدة فرصة لمدّ خيط آخر بين الماضي والحاضر.

ذكرى مدينة وذاكرة وطن

بالنسبة لطرابلس، الطربوش ليس مجرد قطعة قماش، بل هو جزء من ذاكرتها الحية؛ فكل طربوش يصنعه محمد الشعار هو حكاية جديدة تُضاف إلى سجل مدينة طالما كانت ملتقى للتجارة والحرف التقليدية.

وفي زمن تتسارع فيه الحداثة، يقف الشعار مثل حارس قديم على بوابة التراث، يقاوم النسيان ويخيط بالمقابل خيوط البقاء.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية