"الإيكونوميست": سياسات ترامب تحوّل الهجرة لمعركة أمنية ضد فقراء المهاجرين

"الإيكونوميست": سياسات ترامب تحوّل الهجرة لمعركة أمنية ضد فقراء المهاجرين
الولايات المتحدة- أرشيف

نفّذت فرق تابعة لإدارة الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE) خلال الأسابيع الأخيرة مداهمات واسعة في مدينة لوس أنجلوس، استهدفت مواقع متكررة مثل مغاسل السيارات ومتاجر "هوم ديبوت" ومحطات الحافلات والأسواق الشعبية.

ووفقا لتقرير نشرته مجلة "الإيكونوميست"، اليوم الثلاثاء، وثّق مقطع فيديو التُقط في حي لاديرا هايتس عملية اعتقال عنيفة لبائعة طعام تُدعى سيلينا راميريز، حيث ثبّتها عملاء فيدراليون على شجرة، مرتدين سترات واقية من الرصاص وأقنعة ونظارات وقبعات تُخفي هوياتهم، بينما ظهرت الأسلحة مربوطة إلى جوانبهم.

اقتاد العملاء راميريز إلى شاحنة صغيرة، بعد إطلاق الغاز المسيل للدموع على المارة الذين حاولوا تصوير الواقعة، ثم انسحبوا بسرعة من المكان، ويُعتقد أنها نُقلت إلى قبو أحد مراكز الاحتجاز الفيدرالية، التي لا تزال تحت حراسة مشددة.

دعم الترحيل الجماعي

وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الرابع من يوليو قانونًا جديدًا يُعرف اختصارًا باسم "مشروع القانون الكبير الجميل" (BBB)، خصّص نحو 170 مليار دولار لتعزيز أمن الحدود وتسريع عمليات الترحيل الجماعي.

منحت الحكومة وكالة ICE أكبر حصة من التمويل، تصل إلى 75 مليار دولار خلال أربع سنوات، تُخصص لبناء مراكز احتجاز، وتوظيف آلاف العملاء، وتطوير تقنيات المراقبة والتنفيذ، وقد تجاوز هذا الرقم إجمالي ميزانيات تسع وكالات اتحادية أمريكية لإنفاذ القانون مجتمعة.

وصف توم هومان، المسؤول عن الحدود في إدارة ترامب، هذا القانون بأنه "مغيّر لقواعد اللعبة"، مؤكّدًا أن تنفيذ مليون عملية ترحيل سنويًا بات في متناول الوكالة للمرة الأولى.

لكن ديفيد بير، الباحث في معهد كاتو، قدّر أن البنود المتعلقة بالهجرة قد تُكلف الخزانة العامة تريليون دولار إضافية مقارنةً بتقديرات مكتب الميزانية في الكونغرس، نظرًا لتكاليف الرواتب المستمرة وتوسعة الجدار الحدودي بعد 2029، إضافة إلى ترحيل مهاجرين ساهموا في دفع الضرائب، قائلا: "هذه مستويات تمويل حربية".

عسكرة الهجرة

فشل الكونغرس في إصلاح منظومة الهجرة الأمريكية المتداعية، ما سمح بتوسع نفوذ السلطة التنفيذية وزيادة عسكرة الملف.

أوضح أوستن كوتشر، أستاذ من جامعة سيراكيوز، أن وكالة ICE أصبحت "أداة محورية في ضبط حركة البشر من دول الجنوب العالمي".

ورأت دوريس مايسنر، المفوضة السابقة لوكالة الهجرة والتجنيس، أن هناك لحظتين حاسمتين لفهم تحوّل ICE، أولاهما كان إقرار قانون الهجرة عام 1996، الذي وسّع قائمة الجرائم التي تستوجب الترحيل، وفرض احتجازًا إلزاميًا لفئات محددة من المهاجرين، واعتمد على السجون الخاصة.

وقد وضعت مايسنر مذكرة تُحدّد فيها المهاجرين المستهدفين (المجرمون)، والفئات غير المستهدفة (مثل المحاربين القدامى).

أما اللحظة الثانية، بحسب مايسنر، فكانت بعد هجمات 11 سبتمبر، حين فُككت وكالة الهجرة والتجنيس، وأنشأت الحكومة وزارة الأمن الداخلي (DHS)، ومن ضمنها ICE.

تحوّل منظور الدولة تجاه الهجرة من كونه ملفًا مدنيًا إلى تهديد أمني، ما أتاح توسعًا غير مسبوق في سلطات الوكالة.

تنفيذ أوامر الترحيل

شهدت وكالة ICE توترًا داخليًا بين قسم تنفيذ أوامر الترحيل (ERO) وقسم التحقيقات الأمنية (HSI)، حيث رأى عناصر HSI أنفسهم كمحققين جنائيين، بينما أدّى طغيان ERO إلى تحوّل صورة الوكالة إلى جهة اعتقال وترحيل فقط، وألقى مسؤولو ICE باللوم على تقاعس الكونغرس في تدهور شعبيتهم، غير أن الخطاب التصعيدي من إدارة ترامب زاد من التوتر.

خلال انتخابات الحزب الديمقراطي التمهيدية لعام 2020، أصبح شعار "ألغوا ICE" من رموز التيار التقدمي، رغم أنه فقد زخمه لاحقًا مع تفاقم أزمات الهجرة.

وأدّى اعتماد قانون BBB إلى بداية مرحلة جديدة في أداء ICE، حيث أكد توم هومان أن التمويل الجديد سيوفّر "آلاف الأسرّة"، ما يُتيح اعتقال آلاف الأشخاص الإضافيين، وأعرب ستيفن ميلر، نائب رئيس موظفي ترامب، عن رغبته في تنفيذ 3000 اعتقال يومي، وفي أوائل يونيو، سجّلت بيانات مشروع الترحيل نحو 1100 معتقل يوميًا، لكن تحليل ديفيد بير أظهر أن نصف هؤلاء لا يمتلكون سجلاً جنائيًا.

خلال ولاية ترامب الأولى، لم تكن الوكالة تمتلك الموارد لملاحقة الجميع، ما أبقى أعداد الترحيل محدودة نسبيًا، أما الآن، فتمكّن الميزانية الجديدة ICE من ملاحقة عصابات إجرامية وبائعي الطعام على حد سواء، بما في ذلك مهاجرين دخلوا أمريكا قبل عقود.

عند تولي ترامب السلطة، واجه مشروع الترحيل الجماعي عقبات كثيرة: نقص العملاء، محدودية أماكن الاحتجاز، تأخر المحاكم، ورفض بعض الدول استقبال رعاياها المُرحّلين.

ساهم قانون BBB في تجاوز هذه التحديات، لا سيما مع سحب الوضع القانوني المؤقت الذي منحته إدارة بايدن لآلاف المهاجرين.

وساعدت هذه الخطوة في زيادة أعداد المهددين بالترحيل، وتجاوز الصعوبات القانونية والدبلوماسية.

مدن الملاذ بالولايات المتحدة

استمرت بعض الولايات والمدن المعروفة بـ"مدن الملاذ" في رفض التعاون مع ICE، ومنعت عناصرها من دخول السجون المحلية، وهي مواقع مثالية لاعتقال المهاجرين الذين ارتكبوا جرائم، أوضح توم هومان أن الوضع مختلف في ولاية فلوريدا، حيث أصدر الحاكم رون ديسانتيس قانونًا يلزم رؤساء الشرطة بالتعاون مع الوكالة.

وقال: "نقلنا الموارد من فلوريدا إلى نيويورك ومدن ملاذ أخرى"، مضيفًا أن تسهيل دخول السجون يُقلّل من الحاجة لانتشار العناصر في الشوارع، لكنه أصرّ على أن "لا أحد مُستثنى" من الاعتقال.

وأقرّ بو كوبر، المستشار القانوني السابق لوكالة ICE، بأن التوظيف الجماعي يُشبه الترحيل الجماعي: سهل في القول، صعب في التنفيذ، وتوقّع مسؤولون سابقون أن زيادة أعداد الضباط قد تستغرق من أشهر إلى عامين.

بدأت الوكالة في تمويل برامج لتدريب وكالات إنفاذ القانون المحلية، كما سعت لتوظيف متعاقدين لأداء المهام الإدارية، لتوفير عناصر مسلحة تُنفذ المداهمات ميدانيًا.

تراجع في الثقة العامة

أثارت توسعات ICE انتقادات واسعة، إذ أبدى 42% فقط من الأمريكيين رأيًا إيجابيًا تجاهها في استطلاع مشترك بين "الإيكونوميست" و"يوجوف" أُجري منتصف يونيو، بانخفاض 8 نقاط عن فبراير، وفي المقابل، ارتفعت نسبة التأييد بين الجمهوريين تسع نقاط.

أكّد توم هومان أن المظاهرات قد تؤدي إلى استخدام القوة، قائلاً: "إذا شعر أحد الضباط بأن حياته مهددة، فقد يُضطر إلى استخدام السلاح"، ورغم ذلك، لم يتحمّل مسؤولية التصعيد الإعلامي، رغم تهديده مؤخرًا لحاكم كاليفورنيا بإمكانية اعتقاله.

وأجبر مسؤولو وزارة الأمن الداخلي بعض الموظفين على إجراء اختبارات كشف الكذب في حال الاشتباه بتسريبات إعلامية.

ويشعر بعض العاملين بأن التركيز الحصري على الهجرة يُضعف عملهم في ملفات أكثر خطورة، مثل مكافحة الإرهاب أو استغلال الأطفال، ويدفع بعضهم إلى التقاعد المبكر.

واختتم مسؤول سابق في وزارة الأمن الداخلي بالقول: "الوضع مُحبط للغاية في أغلب الأيام... ما يحدث داخل الوزارة يُقوّض أمن أمريكا بدلًا من أن يُعزّزه".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية