الذكاء الاصطناعي يقتحم عالم الفنون.. إبداع جديد أم استبدال للبشر؟
الذكاء الاصطناعي يقتحم عالم الفنون.. إبداع جديد أم استبدال للبشر؟
لم تعد الفنون حكرًا على الإنسان، فقد أصبح بإمكان خوارزميات الذكاء الاصطناعي إنتاج لوحات، ونحت تماثيل، وتأليف موسيقى، وحتى كتابة شعر.
وأحدث هذه الظواهر تجلّى في ظهور الروبوت الرسامة "آيدا" (Ai-Da)، التي جذبت الأنظار مؤخرًا بعرض لوحتها الزيتية للملك تشارلز الثالث، مؤكدة أنها لا تسعى لاستبدال الفنانين البشر، بل لإثارة نقاش حول مستقبل الإبداع، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس".
وبينما يُبدي البعض حماسة لهذا "الانفتاح التكنولوجي"، يخشى آخرون أن يحوّل الذكاء الاصطناعي الإبداع إلى سلعة آلية بلا روح، فما الذي تغير في مفهوم الفن؟ وهل يمكن أن يخلق الذكاء الاصطناعي فنًا حقيقيًا؟ وما هي التحديات التي تواجه المبدعين في هذا العصر الجديد؟
روبوتات ترسم وتبيع
شهد العام الماضي 2024 بيع لوحة لآيدا تُجسد عالم الرياضيات البريطاني آلان تورينغ بمليون دولار، لتكون أول مرة يُباع فيها عمل فني من إنتاج روبوت في مزاد رسمي.
لكن اللوحة الأخيرة التي أنجزتها "آيدا"، وعُرضت في جنيف ضمن قمة "الذكاء الاصطناعي من أجل الخير"، أثارت تساؤلات عميقة حول مكانة الفن ومصدره.
وقالت "آيدا" في تصريحاتها إن الهدف من فنها هو "تحفيز النقاش الأخلاقي حول التكنولوجيا"، مؤكدة أن الإبداع الآلي يجب أن يكون محفزًا للتفكير وليس بديلاً للفنانين.
الذكاء الاصطناعي في عالم الفن
أحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في أدوات الإنتاج الفني، حيث بات بإمكان المصممين والرسامين استخدام تقنيات مثل DALL·E وMidjourney لتوليد صور مذهلة انطلاقًا من أوصاف نصية.
وساهمت هذه التكنولوجيا في تسريع العمليات الإبداعية، وخفض التكاليف، وتمكين أشخاص غير محترفين من التعبير الفني، ما أدى إلى اتساع رقعة المشاركين في الإبداع.
ويقول خبراء إن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون شريكًا للفنان، يوسع خياله، ويمنحه إمكانات لم تكن متاحة في السابق، مثل إعادة تشكيل الأساليب الفنية التاريخية، أو محاكاة المدارس البصرية المتنوعة، أو تصور عوالم لا يمكن رسمها يدويًا.
حدود الروح والكود
رغم هذه الإيجابيات، يتساءل كثيرون: هل يمكن اعتبار عمل تنتجه آلة فنًا حقيقيًا؟، وينبّه نقاد إلى أن الفن ليس مجرد "منتج بصري"، بل تجربة إنسانية متجذرة في المشاعر والسياق الثقافي، وفي النية التي يحملها الفنان.
ويقول المفكرون إن الذكاء الاصطناعي يفتقر إلى التجربة الحياتية، ولا يعرف الألم أو الفقد أو الحب، ولذلك قد يُنتج جمالًا بصريًا، لكن بلا عمق إنساني، كما يخشى فنانون أن يؤدي الاعتماد المتزايد على الآلة إلى تآكل الهوية الثقافية وطمس الأساليب الفنية الفردية.
وأثارت أدوات الذكاء الاصطناعي الجدل القانوني، بعد تدريبها على ملايين الأعمال الفنية دون إذن من أصحابها، ما دفع فنانين إلى رفع دعاوى قضائية ضد شركات طورت هذه الأدوات، متهمين إياها بسرقة أعمالهم لابتكار خوارزميات قادرة على محاكاتها.
ولا تزال الأسئلة حول ملكية العمل الفني الذي ينتجه الذكاء الاصطناعي دون إجابات واضحة: هل تعود الملكية للمطور؟ للمستخدم؟ أم تبقى في منطقة رمادية يصعب ضبطها قانونيًا؟
أخطار الإقصاء وتآكل الحرفة
مع اتساع استخدام الذكاء الاصطناعي، يخشى فنانون شباب ومصممون تجاريون أن تُصبح خدماتهم غير ضرورية، خاصة مع قدرة الذكاء الاصطناعي على إنتاج محتوى فني بكلفة أقل وزمن أسرع.
ويحذر اقتصاديون من أن الذكاء الاصطناعي قد يعمّق الفجوة بين المبدعين المحترفين الذين يتمسكون بالحرفة، وبين السوق التي تسعى للسرعة والتكلفة المنخفضة، ما يهدد التنوع الفني والمهني في العالم الإبداعي.
ويرى مفكرون ومبدعون أن الذكاء الاصطناعي يجب أن يُنظر إليه كونه أداةً، لا بديلاً، ويشددون على ضرورة وضع أطر أخلاقية وتنظيمية تُحدد استخداماته، وتحمي حقوق الفنانين، وتمنع الاستغلال.
ويطرح البعض مفهوم "التعايش الإبداعي" حيث يتعاون الإنسان مع الآلة لصياغة أعمال فنية جديدة تمزج بين الحرفة والبرمجة، وبين العاطفة والخوارزم.
لا فن من دون إنسان
رغم براعة الآلة، يبقى الإبداع فعلًا إنسانيًا جوهريًا، يتجاوز المهارة التقنية نحو التعبير عن الذات، التاريخ، والمجتمع.
ويرى خبراء أن الذكاء الاصطناعي قد يكون أداة قوية تعزز خيال الفنان، لكنه لا يستطيع أن يحل محل التجربة البشرية التي تُضفي على الفن روحه ومعناه.
وفي زمن تتسارع فيه التقنيات، يبقى التحدي الأكبر هو حماية الفن كمرآة للإنسان لا مجرد منتج صناعي، والتأكيد أن الذكاء الاصطناعي يجب أن يخدم الفن، لا أن يسلبه جوهره.